المدن
تختلط القراءات اللبنانية والتفسيرات لكل التطورات الحاصلة في المنطقة، وفي مقدمتها تكاثر الحديث عن تفاوض بين المملكة العربية السعودية على المستوى الأمني مع النظام السوري. ويأتي هذا التفاوض بعدما أعلن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أن هناك إجماعاً عربياً ودولياً على عدم ترك الوضع في سوريا على حاله. في موازاة ذلك، تستمر المساعي الإيرانية للتقارب أكثر مع السعودية وإعادة العلاقات الديبلوماسية.
وغالباً ما يردف ذلك بمواقف لإيرانيين ولحزب الله بأن ما تريده السعودية هو الوصول إلى حلّ للأزمة اليمنية، والتي ستكون مفتاحاً لحلّ أزمات المنطقة الأخرى، أو لانفراجات في ساحات مختلفة. انطلاقاً من هنا، يسارع اللبنانيون إلى قراءة كل تلك التطورات بالاستناد إلى أي تطور قد يحصل على الساحة السورية.
التآمر على السعودية
في السياق، جاءت المسارعة اللبنانية بالتوجه إلى دمشق وتطبيع العلاقات أيضاً، وصولاً إلى كلام أطلقه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حول تمنيه بتحسّن الوضع في سوريا.
وما قاله ميقاتي أيضاً هو ما نقله عن لسان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ويتضمن بوضوح ربط الملف اللبناني بالملف اليمني.
إذ كشف ميقاتي ما سمعه من بن سلمان: “هناك فريق في لبنان يتآمر على المملكة العربية السعودية، ولن نقدّم أي مساعدة للدولة اللبنانية طالما أنّ حزب الله يتآمر علينا، ويقدّم مساعدات عسكرية لمن يقاتلنا في اليمن”.بناء على هذه الصورة، ستتوسع القراءات اللبنانية، خصوصاً بعد زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى سلطنة عمان، والحديث عن إجرائه زيارة أخرى إلى دولة الإمارات.
وهذا يأتي في ظل استمرار التفاوض الأمني السعودي السوري، فيما يقول متابعون إن هذا التفاوض يفترض أن يتطور إلى المستوى السياسي، بقدر ما يستجيب النظام السوري إلى الشروط السعودية.
عشرة شروط
وحسب ما تقول المعلومات فإنه المطلوب من بشار الأسد التوقيع على اتفاق مكتوب، يتضمن أكثر من عشر نقاط. هذا النوع من التفاوض معه يشبه إلى حدود بعيدة التفاوض السعودي مع الملف اللبناني والشروط العشرة التي وردت في الورقة الكويتية.
ومن بين الشروط المفروضة على الأسد للانتقال إلى التفاوض السياسي: “إطلاق سراح عشرات المعتقلين بما فيهم المعتقلين السياسيين، التفاوض الجدي مع المعارضة، تمهيداً للوصول إلى اتفاق سياسي بموجب القرار 2254، أي الذهاب إلى تعديل دستوري واسع يتضمن تشكيل هيئة انتقالية، عدم التوقيع على المزيد من الاتفاقات الإستراتيجية، اقتصادياً وعقارياً مع إيران، اتخاذ إجراءات جدية على الحدود السورية الأردنية وإبعاد القوات الإيرانية من تلك المنطقة، الكشف عن معامل تصنيع الكبتاغون وآليات تهريبها وتصديرها إلى الدول العربية، والتفاوض على دخول قوات عربية إلى سوريا تسهم في ضبط الحدود، وتأمين مناطق آمنة حقيقية بإشراف عربي ودولي، لإعادة اللاجئين إلى مدنهم ومناطقهم”.
ترابط سوري- لبناني
بالاستناد إلى هذه الشروط، يظهر الترابط بين الملفين السوري واللبناني، كما هو الحال بالنسبة إلى ربط الملف اللبناني بالملف اليمني، بناء على كلام ميقاتي أو على تصريحات أخرى يقولها مسؤولون في حزب الله.وهنا، يعتبر هؤلاء، لا سيما بعض المقربين من النظام السوري أو من الحزب، أن السعودية تبدي اهتماماً أساسياً في الوصول إلى حلّ لليمن، كجزء من الأمن القومي السعودي.
ويراهن هؤلاء على أنه في حال حققت السعودية ما تريد في اليمن، يمكنها أن تقدم تنازلات في سوريا أو لبنان، سواء من خلال التفاوض مع دمشق للعودة إلى المسرح السوري، أو في لبنان من خلال الوصول إلى تسوية رئاسية تتوفر فيها معايير الواقعية السياسية، أي أن يكون التعاطي واقعياً مع حزب الله، من خلال تحييد مسألة الصدام معه وتحييد مسألة سلاحه وتطبيق القرارات الدولية، مقابل البحث عن معالجات سياسية واقتصادية، بالإضافة إلى ضبط الحدود والتهريب، على أن يستفيد لبنان من هذه التسوية بشكل ينعكس فيه الوضع نوعاً من الارتياح.
أحلام وكوابيس
من هنا، يراهن حزب الله وحلفاء دمشق، على دور سوري في هذا المجال، ويستعيد هؤلاء تجربة حافظ الأسد، معتبرين أنه بإمكان بشّار أن يتعلم فنون وتقنيات والده، الذي كان قادراً على تحصيل تنازلات ومكاسب من الإيرانيين لصالح العرب والخليجيين تحديداً، وبالتالي ربما تخول الظروف الأسد لعب هذا الدور، بالاستناد إلى توجهه إلى عمان، على قاعدة الرهان أو التوهم بأن إيران قد تمنح الأسد تنازلات يمنية يقدمها للسعودية، في مقابل إعادة تعويمه عربياً. مثل هذه السيناريوهات التي يتم التداول بها في الكواليس اللبنانية، قابلة لأن تكون أحلاماً بالنسبة إلى كثر، بقدر ما هي كوابيس بالنسبة إلى كثر أيضاً.