يلعب كانتون عفرين السوري دوراً حيوياً في تمكين ميليشيا “ب ي د” الكردية بالاستمرار في تهديد الأمن القومي التركي, مما دفع تركيا ومعها الجيش السوري الحر إلى التحرك ومحاولة انتزاعه والسيطرة عليه, في الوقت الذي تشهد فيه المدن الواقعة تحت نفوذ الميليشيا المذكورة انتفاضات واسعة, تزامنا مع إعلان الولايات المتحدة عزمها على تشكيل قوة أمنية عمادها “قسد” للسيطرة على الحدود مع العراق وتركيا, ورعاية ميليشيا “ب ي د” الكردية التي تضمن لها النفوذ في سورية المفيدة, وترك الباقي لروسيا مع تغذية الصراعات المزمنة بين مكونات الشعب السوري.
توطئة
تناقش هذه الورقة سعي تركيا والجيش الحر في منطقة الشمال السوري لدحر ميليشيا “ب ي د” عن كانتون عفرين والمدن والقرى التابعة لمنطقة اعزاز في سياق أهداف معلنة, وتقاطعات سياسية بين القوى الفاعلة في سورية.
وتستعرض الورقة في إطار هذه المناقشة بعض الملامح التاريخية والديموغرافية لكانتون عفرين، وتوضح الأهمية التي يمثلها بالنسبة لأطراف الحرب في أبعادها المختلفة، والعقبات التي تواجه أنقرة في سبيل السيطرة عليها، كما تحلل استراتيجيات مواجهة المعوقات إثر التفاهمات الدولية والإقليمية.
تنظر الورقة، بملمح استشرافي سريع، في مصير كانتون عفرين، في ظل التجاذبات الراهنة، وهو- دون شك- مصير لا ينفصل عمَّا ينتظر الشمال السوري برمته.
مقدمة
ظلت منطقة عفرين طيلة سبعة أعوام من الحرب الدائرة في سورية بعيدة عن خيار الحسم العسكري للجيش الحر, أو أي قوة فاعلة إلى أن سيطرت عليها ميليشيا “ب ي د ” الكردية سليلة “حزب العمال الكردستاني” وعميلة نظام الأسد، مما جعل منها منطلقا للتوسع في مناطق مجاورة لها مثل “تلرفعت ومنغ ودير جمال” وعشرات القرى التابعة لمنطقة اعزاز, فضلا عن تحول عفرين لمنفذ تجاري بين المناطق المحررة في اعزاز والباب وجرابلس وبين حلب وإدلب وحماة, التي تغطي أغلب المناطق المحررة ذات الأكثرية السكانية في البلاد, وبالأخص تجارة النفط التي تستولي على غالبية آباره في منطقة الجزيرة السورية, مما جعل منها دعامة اقتصادية رئيسية لخزينة حزب “ب ي د” ورافدا متنوع الموارد لدعم مقاتليها في مختلف الجبهات.
كانت عفرين ولا زالت موضع اهتمام أنقرة بعد تعرض حدودها لهجمات صاروخية على مواقع عدة في الداخل التركي, واستغلال موقع الكانتون المشاطر للحدود التركية في دعم المجهود الحربي, وتسخيره لاستقبال الأسلحة والمقاتلين الأكراد الانفصاليين, وتمدد الكانتون الكردي إلى مناطق ذات أغلبية عربية مع العزف على وتر الدعوة إلى ربط كانتون الجزيرة بعين العرب “كوباني” وصولا لعفرين تحت مسمى “روجافا” الانفصالي, متوهمة أن مرحلة الانفصال بدأت باتخاذ طريقها العملي للتنفيذ في عملية حذف الآخر مهما كان: كردياً، عربياً، أو مكوناً سوريا آخر, ومارست ذات أسلوب حليفها الأسد من تنكيل وترحيل وتوطين في المناطق الشمالية من سورية، وتلك مقدمات أدخلتها في مواجهات دموية مع السكان المحليين، كان آخرها انتفاضة مدينة منبج ضد تواجد الميليشيا الانفصالية وقمعها غير المبرر للسكان, ومحاولة فرض أوهامها على قرار أكراد سورية وملاحقتهم واضطهادهم، والتخلص من أحرارهم بالاغتيالات، كما حدث للسياسي الكردي (مشعل تمو) وغيره، أو تسليمهم أعضاء المجلس العسكري الكردي لسلطة نظام الأسد، وكذلك دغدغة وتر نزعات قومجية أوجلانية ممزوجة بنكهات مذهبية ظنا منهم أن ارتهانهم لإرادة اللاعبين الدوليين يعطيهم الحق في احتلال أراض سورية، ليصبح واقعا يحمل السكان بالقوة على القبول به، ثم يتجاوزونه إلى خلق واقع جديد، كما يتوهمون بكيان انفصالي رسموا خرائطه وحاولوا تسويقه دوليا, ولا يخفى على أحد المجزرة التي ارتكبوها بحق عناصر الجيش الحر, وطريقة التمثيل بهم بعد وضعهم بحافلة مكشوفة, والسير بهم في شوارع عفرين وسط تصفيق الحاضنة الكردية لهذا الفعل المنافي لشرعة حقوق الإنسان.
هذه المدركات، وضعت كانتون عفرين، بل والشمال السوري برمته, كهدف للقوات التركية وحليفها الجيش السوري الحر، مما استدعى حشد القوات وتمركزها على الحدود المشاطرة للكانتون, وبالمثل تحشد الميليشيا الكردية قواتها من كافة المناطق الخاضعة لها, لتتحول عفرين إلى ثكنة عسكرية تنتظر لحظة الانفجار لمعركة غير متكافئة في القوة بين المهاجم والمدافع وفي تكتيكات الهجوم مقابل تكتيكات الدفاع.
عفرين في أجندات قوى الصراع
يمكن بيان ما يمثله كانتون عفرين من أهمية لدى أطراف الصراع، باستعراض ما تمثله من أهمية بالنسبة لتركيا وحلفائها, وميليشيا “ب ي د” وداعميها من واشنطن ونظام الأسد. وعلى ذلك سيجري الوقوف، باقتضاب، على بعض المقومات الديموغرافية للمنطقة ومركزها الإداري الذي يحمل نفس الاسم، ومناقشة هذه الأهمية بالنسبة للأطراف المذكورة، وذلك من خلال النقاط التالية:
عفرين جغرافيا وديمغرافيا
تحتل منطقة عفرين موقعًا جغرافيًّا متميزا في شمالي سوريا، وتبعد عن مركز مدينة حلب نحو ستين كيلومترا في الجهة الشمالية الغربية، وهي منطقة حدودية مشاطرة لولاية “هاتاي” التركية.
وتمتاز بتنوع تضاريسها بين الجبال والسهول، ويمر منها نهر عفرين، الذي يعتبر من أهم المصادر التي تمد الأراضي الزراعية السورية في تلك المنطقة بالماء، ويتراوح ارتفاع المدينة بين 700 و1296 مترا، ويعتبر الجبل الكبير أعلى قممها، وتبلغ مساحتها 2% من مساحة سوريا.
أطلق عليها اسم “كورداغ” خلال حكم الدولة العثمانية، وبعد استقلال سوريا عقب الجلاء الفرنسي عنها، أصبح اسم المنطقة “عفرين”.
وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن عدد سكان عفرين بلغ قبل الثورة السورية نحو نصف مليون نسمة، يتوزعون في مركز المدينة وسبع نواحي رئيسية: جنديرس, معبطلي, راجو, بلبل, شيخ الحديد, شران، ومركز المدينة عفرين, كما تتبع لها 366 قرية.
ومع قيام الثورة السورية, نزح إليها مئات الآلاف من المدن والقرى السورية هربا من طائرات الأسد, فاكتظت عفرين بالسكان قبل سيطرة ميليشيا “ب ي د”, وتوافد نحو نصف مليون نازح من المدن المجاورة، ليتجاوز عدد سكانها مليون نسمة, فرضت عليهم الميليشيا المتنفذة قرارات تعسفية وطردت قسما منهم.
عفرين في أجندة المتحاربين
تبرز الأهمية بالنسبة لأطراف الحرب المتمثلة في “ميليشيا ب ي د, ونظام الأسد” ومعهما قوى دولية (روسيا والولايات المتحدة) من جهة, وبين تركيا والجيش السوري الحر من جهة أخرى, في ضوء الأهداف التي يسعى كل طرف إلى تحقيقها، وذلك كما يلي:
زعزعة الأمن القومي التركي
تدرك ميليشيا “ب ي د” بالتعاون مع نظام الأسد وبدعم القوى الإقليمية والدولية, حجم التهديد الذي يمكنهم إحداثه تجاه أمن وسلامة الدولة التركية، وتنفيذ مصالح القوى الدولية الداعمة لهما كالولايات المتحدة وروسيا، لذلك قاموا خلال الحرب السورية بمضاعفة جهودهم لخلق حالة تهديد مستمرة قبالة الحدود التركية, وحولوا منطقة عفرين إلى ميدان نشط لتدريب المقاتلين الانفصاليين, والدفع بهم لتنفيذ مهام قتالية في العمق التركي، واستطاعوا أن يجعلوا من هذه المنطقة قاعدة تهديد مرعبة لتركيا, وحليفها الجيش السوري الحر, بعد تمددهم في منطقة اعزاز المجاورة لهم, حتى باتت عفرين تحتل أهمية إستراتيجية في المشروع الكردي، نظرا لأنها تشكل الجسر الجغرافي لوصل هذا المشروع الانفصالي بالبحر الأبيض المتوسط إذا كانت الظروف سانحة لها، كما صرح بذلك العديد من مسؤولي الميليشيا الانفصالية.
غير أن هذه المنطقة تعد خطا أحمر بالنسبة لتركيا التي تؤكد أنها لن تسمح بإقامة كيان كردي على حدود تركيا الجنوبية مع سوريا، وقال الرئيس التركي أردوغان في تصريح له إنه لن يسمح بإقامة “ممر إرهابي يبدأ من عفرين ويمتد إلى البحر المتوسط”.
وهذا النهج الذي مارسته “ب ي د”, أحدث ردود أفعال عكسية عليهم، كان من أبرزها قيام تركيا باستهداف عدد من مواقعهم العسكرية في مطار “منغ” العسكري وفي جنديرس, وغيرهما من مواقع أخرى, كما نشر الجيش التركي قواته العسكرية على تخوم عفرين من ثلاث جهات, إيذانا بهجوم مرتقب لطرد الميليشيا الموصوفة تركياً بالإرهاب.
تسخير عفرين اقتصاديا لدعم “ب ي د” وحلفائه في الحرب
يُدرُّ كانتون عفرين لميليشيا “ب ي د” إيرادات جمركية ورسومًا خدمية كبيرة، إلا أنه لا تتوفر بيانات دقيقة بشأنها، ويمكن تقدير ذلك من خلال ملاحظة حركة الشحن والتفريع اليومي الذي يقع تحت المراقبة اليومية للمهتمين بحركة التجارة, بين المناطق المحررة وتلك الواقعة تحت نفوذي نظام الأسد وميليشيا “ب ي د”, ويضاف إلى ذلك، ما تحصله الهيئات الإيرادية الأخرى؛ كرسوم الضرائب، والخدمات، والمخالفات، وما يُفرض من ضرائب غير قانونية على الواردات التجارية, وبالأخص تجارة النفط الخام المستخرج من آبار الجزيرة وبيعه للمناطق المحررة بأسعار مرتفعة, والذي يذهب ريعه بغالبيته إلى خزينة الحرب لمواصلة قتل السوريين بثرواتهم.
من هنا يدرك الأتراك وحليفهم الجيش الحر, أن خروج عفرين من سيطرة ميليشيا “ب ي د” بأية طريقة، إنما يمثِّل بداية لانهيار كيان سلطتهم التي تواجه قضايا شائكة مع السكان المحليين, ولذلك يعد كانتون عفرين جبهة مستقلة بذاتها، يدافع عنها “ب ي د” ومعه نظام الأسد بكل الوسائل وفي كافة الاتجاهات، وتساندهم في ذلك قوى إقليمية ودولية تقدم صورة مأساوية عن الوضع المتوقع إذا اقتحمت القوات التركية المنطقة.
التقطيع الاستراتيجي التركي لأوصال ميليشيا “ب ي د”
تمثل منطقة عفرين الواقعة في الخطوط الأمامية لميليشيا “ب ي د” الانفصالية رأسا تكتيكيا يرتبط مصيرها بمصير الكانتونات المتلاحقة على طول الشريط الحدودي مع تركيا مثل “منبج وكوباني وتل أبيض والقامشلي”, كما تعتبر الميليشيا الكردية منطقة عفرين مركزا متقدما لمناطقها الحيوية في كل من أحياء مدينة حلب التي تتقاسم النفوذ فيها مع نظام الأسد, وكذلك في القرى والبلدات في ريف حلب الشمالي, وعن عمقها الاستراتيجي المتمثل بالمدن والمناطق الواقعة إلى الخلف من ذلك, ذات الأهمية والثقل السكاني والعسكري، التي تعتمد عليها الميليشيا الانفصالية وقوات الأسد المساندة لها.
من هنا, فإن استيلاء الجيش التركي ومعه الجيش الحر على عفرين، وبسط نفوذهما عليها, يعني حالة من التشرذم ستصيب الأنساق الخلفية الدفاعية لميليشيا “ب ي د” ونظام الأسد المساند لها، وسيزداد معها وضع هذا الحلف سوءًا، حين تكون منطقة منبج، كذلك، هدفًا تاليًا للقوات المهاجمة، عند ذلك ستضيق مساحة الأرض تحت أقدام “ب ي د”، وتصبح مناطق العمق الاستراتيجي المتمثلة في “منبج وكوباني وتل أبيض” مهددة تمامًا, رغم أن الحديث التركي يدور بمجمله حول عفرين ومنبج.
عفرين في إطار التنافس الدولي الجيوسياسي
في الحديث عن البعد الجيوسياسي للحرب المثارة في منطقة عفرين, فإن الحرب لا تتوقف عند دحر الميليشيا الانفصالية, إنما تتجاوزها إلى أهداف أخرى ذات صلة بتنافس دولي (الولايات المتحدة وروسيا), وإقليميّ (إيران وتركيا), على النفوذ في سورية وما يواجهه الأمن القومي التركي من تهديدات أميركية عبر وكلائه في ظل تسريب معلومات عن عزمها تشكيل قوة مؤلفة من ثلاثين ألف مقاتل من قوات “قسد ” ذات الأغلبية الكردية للسيطرة على المنطقة الحدودية مع تركيا والعراق, فكانت إيران الأسبق في بناء قواعدها العسكرية في مناطق نفوذ الأسد, وامتدادها في سورية الداخلية, ومحاولة عرقلة الاستقرار ورفض أية تسوية سياسية لا تلبي مصالحها.
في هذا السياق، يصعب إنكار الاستفزاز التركي الذي خلَّفته التسريبات الأميركية عن تشكيل قوة حدودية تضمن مصالح واشنطن, وتعزيز ذلك بدعم عسكري للميليشيات الكردية الانفصالية, لذلك دعا الرئيس التركي لتطهير عفرين من الأكراد، وقال إنه “من الضروري جدا بالنسبة لنا تطهير منطقة عفرين من المنظمة الإرهابية، حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه وحدات حماية الشعب الكردية”.
كما أعلن الرئيس التركي في التاسع كانون الثاني 2018، أن جيش بلاده سيوسع عملية “درع الفرات” لتشمل منطقتي عفرين ومنبج (شمالي سوريا)، وقال لأعضاء حزبه “إن الوقت قد حان للقضاء نهائيا على مشروع إنشاء الممر الإرهابي الذي ينوي التنظيم الإرهابي تنفيذه في سوريا”.
وكشفت العلاقات التركية الروسية احتقانا واضحا من أبرز أسبابه: انكشاف نوايا كل منهما تجاه الآخر، وما تحمله تلك النوايا من تهديد وجودي للأتراك، رغم تعاونهما، سياسيا في آستانة.
إلى ذلك، يعترض الأتراك على جملة من ممارسات الثنائي الروسي والإيراني التي يعدونها شكلًا من أشكال التصعيد أو بابًا للخلاف معهم، ويتصدر هذه الممارسات, الحملة الهمجية على مناطق خفض التصعيد فيما يسمى شرق سكة حديد الحجاز وغربها, وفق خلافات رعاة وضامني آستانة على كيفية إدارة وتبعية منطقة خفض التصعيد, وفي هذا الإطار جاء التوتر التركي الروسي الذي تجسد في الاتصال الهاتفي بين الرئيسين أردوغان وبوتين, وما سبق ذلك من تصريحات تركية أدلى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، على ضرورة أن تتحمّل إيران وروسيا مسؤولياتهما إزاء هجمات نظام الأسد على محافظة إدلب المشمولة باتفاق مناطق “خفض التوتر”.
هذه المعركة التي تحمل في أبعادها الاستراتيجية مصالح شركاء آستانة, تشير في تفاعلها العسكري إلى رفض الضامن التركي سيطرة نظام الأسد على كل هذه المنطقة قبل انطلاق معركة عفرين, وتفرد نظام الأسد بدعم روسي بملف ميليشيا “ب ي د” الكردية التي يستخدمها في تهديد الأمن القومي التركي, ويبدو أن الهدوء النسبي الذي يسود محاور القتال في ريفي ادلب وحماة, جاء نتيجة تفاهم مبدئي روسي تركي, قابل للانهيار في أية لحظة في حال تدخل اللاعب الأميركي, وهذا ما ستظهره لحظة اندلاع معركة عفرين.
عفرين والمصير المنتظر
إن إمكانية محاولة القوات التركية وحليفها الجيش الحر السيطرة على عفرين, يمكن وصفها بالصعبة السهلة, لوجود عوامل مختلفة من الحوافز والعوائق, لذلك لا ينبغي الإفراط في الذهاب بعيدا بنتائج المعركة التي بدت ملامحها واضحة بعد اجتماع مجلس الأمن القومي التركي, والأضواء الخضراء المنبعثة من واشنطن بعد لقاء رئيسي الأركان التركي والأميركي في بروكسل.
تكتيك المعركة
المتتبع لموازين القوى بين الطرفين يلاحظ بديهيا تفوق الجيش التركي عسكريا, ولعل لحظة التحرك باتجاه عفرين سيجعل الجيش التركي يتخطى المعوقات إن استطاع استغلال ذلك استغلالا ذكيا, فالمعوقات التي تواجه ميليشيا “ب ي د” تتضح من خلال تباعد تموضع قواتها العسكرية وهشاشة سيطرتها على البلدات والقرى العربية التي تحتلها كـ”منبج وتل رفعت ومنغ ودير جمال” وغيرها, يضاف إلى ذلك خلو منطقة عفرين من الحراك الشعبي بعد سيطرة الميليشيا الانفصالية على المنطقة وقمعها للصوت الآخر.
مواجهة تركيا لمعوقات المعركة
أهم المعوقات أمام الأتراك البعد الإنساني الذي سيؤجل اقتحام المدينة لما قد يثيره الإعلام من وقوع المعركة في مركز حضري ذي كثافة سكانية عالية, وفي ضوء ذلك تشير المعطيات إلى أن استراتيجية القوات التركية وحليفها الجيش الحر تسير باتجاه خوض المواجهة بأسلوب التفتيت الاستراتيجي, وخلق اضطرابات في تشكيلات “ب ي د” ما يجبرها على تغيير محاور الجبهة, ومن نتائج ذلك اختلال توزيع وتنظيم مقاتليه,وتقسيمها, وتهديد خطوط تموينها, وتراجعها عن مواقعها المتقدمة إلى قواعدها الرئيسية في محيط المدينة, وفي هذا الإطار اختارت أنقرة أولى نقاط تثبيت قواتها في أعلى القمم التي تشرف على منطقة عفرين، في خطوة استكمال تسوير عفرين عسكريا، وتشديد الخناق الاقتصادي عليها مما سيزيد من وضع ميليشيا “ب ي د” سوءا، وبالأخص حين تكون هدفا تاليا لمجاميع المعارضة السورية، عندها ستضيق مساحة الأرض تحت أقدام الميليشيا الكردية، وتعتبر مهددة تماما.
محاور القتال
اضطرت الميليشيات الكردية إلى توزيع وتنظيم قواتها بنقل العدد الأكبر منها إلى المنطقة المحررة المحاذية، بينما رفع “درع الفرات” المتمركز في اعزاز من جاهزيته، بهدف قطع خطوط تموين الميليشيات المهددة لاحقا بالتحركات العسكرية التركية، عبر ثلاثة محاور: الأول معبر قلعة سمعان، والثاني منطقة أطمة، والأخير اعزاز، وسيكون أكثر المحاور أهمية محور “منغ – دير جمال”، أي شريط القرى العربية التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية، وإذا ما حدث أن توغل “درع الفرات” في عمق هذا المحور فسيتصل بنقطة قلعة سمعان، وبذلك يستكمل تطويق ميليشيا “ب ي د” في عفرين.
قبل هذا سيعمل الأتراك على إنهاك نقاط الاستناد التي تعتمد عليها دفاعات “ب ي د” من خلال التنكيل بها على طول محور السور العسكري الذي تعمل على إنشائه.
خاتمة
من هنا، يبدو أن خيار الحسم العسكري لتقرير مصير عفرين بات راجحًا، وفقا للاستراتيجية التركية، وما تعرضه من مبررات، فضلا عن الغاية من التدخل التركي العسكري المتمثلة بدحر التهديدات الأمنية عن عمقها القومي، سواء بخيار القوة العسكرية، أو بالخيار السياسي، الذي لا يتعارض مع الأهداف التركية المعلنة في دعمه لعملية “درع الفرات”.
في ظل هذه الخيارات تجدر الإشارة إلى أن الجيش التركي لن يتولى وحده تنفيذ سيناريو التخلص من تهديد ميليشيا “ب ي د” الانفصالية، فهنالك ما يشير إلى مشاركة فعلية لتشكيلات فصائل المعارضة السورية المسلحة التي سيوكل إليها مهام معينة في سياق الهجوم البري.
ومن المرجح أن موسكو وأنقرة توصلتا إلى مقايضة إدلب بعفرين كما فعلت سابقا في حلب، عندما قايضتها بشريط جرابلس – اعزاز، ولكن هذه المرة سيكون الثمن مرتفعا فيما لو تدخلت واشنطن للحؤول دون وقوع عفرين خارج دائرة حلفائهم مما يعتبر تفريطا بحمايتهم، لذلك ستطالب بوضع عفرين تحت سلطة “ب ي د” لفترة محدودة تقتضيها خطة معينة تتحول عفرين بمقتضاها لعبء ثقيل على الميليشيا الكردية، ويصبح استمرار التمسك بها غير ذي جدوى.
ومن المهم الإشارة إلى البيان الصادر عن نظام الأسد الذي اعتبر دخول القوات التركية إلى سوريا، انتهاكا صارخا للقانون والأعراف الدولية، وأنه سيعمد إلى إسقاط أي طائرة تركية تدخل الأجواء السورية, ولكن هذا البيان يأتي من باب رفع العتب وفق السياق العام لشعارات المقاومة الزائفة.
وبالتالي تنتظر ميليشيا “ب ي د” في عفرين سيناريوهات مختلفة أحلاها أمر من الآخر
المصدر: بلدي نيوز