عندما تبدأ قراءة كتاب الأكاديمي السوري، برهان غليون، “عطب الذات: وقائع ثورة لم تكتمل 2011-2012” (الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2019)، يشد انتباهك عنوانه الرئيس: “عطب الذات”، فتتساءل عن أي ذاتٍ يقصدها غليون، ويسمها بالعطب الذي يحيل إلى الفساد، والعطل، والخلل… هل هي ذات السوريين بشكل عام، أم ذات ناشطي الثورة السورية، أم ذات المعارضة، شخصياتها وقواها وأحزابها التي انخرطت في كيانات المعارضة السياسية وتشكيلاتها العسكرية، أم ذات المؤلف نفسه؟
مع التقدّم في قراءة الكتاب، يجد القارئ أن المقصود هو ذات المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، وخصوصا التي احتلّت المقاعد الأولى في المجلس الوطني السوري، الذي تشكل في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وتصدرت المشهد السياسي للمعارضة السورية في ذلك الوقت. وهنا تساؤل: إذا كان غليون يريد، من الكتاب، وضع يده على العطب الذي أصاب المجلس الوطني وسواه من تشكيلات المعارضة، فإن ذلك العطب يصيبه أيضاً، بوصفه كان فاعلاً رئيسياً فيها، عندما ترأس المجلس منذ لحظة تشكيله إلى أن اضطر إلى تقديم استقالته في الرابع والعشرين من مايو/ أيار 2012، ثم واصل حضوره في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، لكننا لا نعثر في الكتاب على أي إشارةٍ إلى نقدٍ لذاته هو، ولا أي إشارة ندم أو أسف، أو مراجعةٍ نقديةٍ لموقفٍ أو قرار اتخذه، ولا حتى مجرد اعتذارٍ من طرفه، بل خطّ غليون كتابه، وفق سرديّته الصغيرة التي بنى عليها روايةً، تنبري فيها الأنا، بوصفها قائدةً ومبادِرة، وصاحبة مشروعٍ أفشله الآخرون، وكأن الغاية الأساسية لرواية الكتاب تطهير أنا الراوي، ورمي العطب على ذوات الآخرين فقط، في محاولة لتبرئتها من الأخطاء والهفوات والنواقص التي اعترت عمل المجلس الوطني وممارساته، وما تلاه من كيانات سياسية للمعارضة.
يجمع الكتاب بين أجزاء أو مقتطفات منتقاة من السيرة الذاتية للمؤلف، ورواية وقائع سياسية جرت بمشاركته، بوصفه كان فاعلاً رئيساً فيها، وبين ما يشبه التدوين أو التأريخ اليومي والوقائعي للثورة السورية، إضافة إلى محاولات تحليل مواقف وقضايا سياسية وسوى ذلك.
ويبدأ غليون روايته من بدايات احتكاكه “بنخب المعارضة السورية” التي تعود إلى “حقبة الصراع السياسي والفكري، الذي فجره انهيار الوحدة السورية المصرية عام 1961″، ومشاركته في تحرير أول مجلة فلسطينية لحركة فتح، وذهابه مع “ميشيل كيلو في جولة على مكاتب المنظمات الفلسطينية في الأردن”، واكتشافه “القدرة الفائقة لنايف حواتمة على الاستغراق في النظرية”، واندهاشه بـ”الديناميكية الجسدية التي كان يفرض من خلالها ياسر عرفات نفسه وقيادته على الجميع”. وبعد أن أنهى دراسته الجامعية في دمشق، قرّر الذهاب إلى باريس لاستكمال دراسته العليا، خوفاً من أن يمضي سنوات في سجون حافظ الأسد. وحين أنجز رسالة الدكتوراة عام 1974، قرر العودة إلى سورية والعمل فيها، لكنه، وأمام تهديدات أزلام النظام، قفل عائداً إلى باريس، ومنها إلى الجزائر. وبعد غياب دام 26 عاماً عن سورية، شكلت وفاة والده مناسبة لاستعادة علاقته بسورية، فبدأ منذ عام 1996 يتردد عليها، ويقضي عطلته الصيفية فيها، لكن فترة “ربيع دمشق” شكلت فرصة عودته “إلى سورية بالفعل، وليس بالفكر فحسب”، وهي فترة دشنها بيان الـ99، الذي يقول برهان غليون إنه كاتب نصه، فيما يروي مثقفون وسياسيون سوريون أن ميشيل كيلو وعمر أميرالاي هما من كتباه، وربما أبدى غليون ملاحظات واقتراحات، والأمر نفسه ينطبق على روايته وقائع أخرى، أوردها في كتابه بما يتناسب مع سرديته الصغرى، وخصوصا ما جرى خلال فترة رئاسته المجلس الوطني السوري.
ويلجأ برهان غليون في كتابه إلى منطق الإحالة والفصل والتقابل، حيث يضع أناه في مواجهة أطراف المعارضة السورية، وقواها السياسية والعسكرية. ويمتد ذلك إلى تقابلات ثنائية تتغذّى من سرديته الخاصة بشكلٍ جعله يحيل إغلاق النظام الأسدي جميع المنتديات، والإبقاء على منتدى جمال الأتاسي، إلى مكافأة لرئيس تكتل التجمع الوطني الديمقراطي، حسن عبد العظيم، وهي إحالة مجافية للحقيقة، فيما يعلي كثيراً من أثر محاضرته في منتدى الحوار الوطني الذي كان يديره رياض سيف. والأدهى من ذلك مقارنته بين رياض الترك وحسن عبد العظيم، وفق تقابل مجحف، وبما لا يتسق مع تاريخ الترك ومكانته ومواقفه. ثم تصويره انقسام المعارضة، وكأنه نتيجة خلافٍ شخصيٍّ ما بين الرجلين، وأن ضغوطا قام به غليون نفسه، وغيره من الناشطين والسياسيين، أفضت إلى استجابة كل منهما لها، وقبلا بالعمل في تجمع “إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي”. ثم يبرّر رفضَه التوقيع على إعلان دمشق، باعتراضه على فقرةٍ، أصرّ عليها جورج صبرا، وتنص على أن “الإسلام دين الأكثرية وينبغي أن يحظى باهتمام خاص”، الأمر الذي حدا بجورج صبرا إلى أن يوضح في مقاله “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي.. القصة الكاملة” (العربي الجديد، 6/4/2019)، ما يخالف رواية غليون الذي أظهر علمانية لافتة حيالها، وأكثر تشدداً من العلمانية الفرنسية، في حين أن نص الفقرة: “الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها، بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء، يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب. تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه، وبالتفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى في مجتمعنا، ومن خلال الاعتدال والتسامح والتفاعل المشترك، بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء. مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين، وثقافتهم وخصوصيتهم، أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، والانفتاح على الثقافات الجديدة المعاصرة”.
يسرد برهان غليون بعض وقائع الثورة السورية ويومياتها بانتقائية شديدة، بينما يُسهب في ذكر تفاصيل عقد المؤتمرات والاجتماعات، الباحثة عن تشكيل كيان سياسي، يمثل الثورة السورية، والتي شارك، في معظمها، راوياً تفاصيل جلّها معروفة ومتداولة في الوسط السياسي للمعارضة السورية. وفي المقابل، لم يبذل غليون جهدا في كشف خبايا مداولاتها وكواليسها التي جرت، بينما أفاض في الحديث عن دوره وعن شروطه التي كان يضعها مسبقاً للمشاركة في أي مؤتمر أو اجتماع للمعارضة، ويرجع ذلك إلى أن كتابه يتعلق بما شاهد وسمع وعرف، وليس بحثاً أو تأريخا، إنما روايته فقط، وليس رواية الآخرين.
ويكتفي غليون بذكر المناورات التي قامت بها بعض أطراف المعارضة، لانتزاع أكبر حصة في مداولات تشكيل المجلس الوطني الذي دُعي إلى قيادته، مع شعوره، بعد التوافق على تشكيله، بأنه “لم يكن أحد من المشاركين يريد فعلاً العمل مع الآخرين، أو يشعر بمعنى إقامة جبهة عريضة للمقاومة، وأن أغلب الأطراف قبلت التوقيع على الاتفاق من باب الحسابات الخاصة”!
إذا، منذ لحظة التأسيس ولد المجلس الوطني ميتاً أو مشوهاً على الأقل، حسبما يشير غليون، وإن كان الأمر كذلك، فلماذا قبل رئاسته؟ الجواب في مراهنته “على الثقة الكبيرة التي منحها إياه جمهور الثورة الواسع وناشطوها”. ومع ذلك، يتغنّى غليون بمقولة إنه “لم يكن لأي دولة أو قوة أجنبية دور في تشكيل المجلس الوطني”، ثم بـ”نجاح تأسيسه، بوصفه حدثاً بارزاً في مسار الانتفاضة السورية بمقدار ما عبر عن انتصار المعارضة على انقسامها وتجاوز خلافاتها”. وهذا يخالف ما ذهب إليه آنفاً، بالقول إن الأطراف التي اتفقت على تشكيله لم تكن تريد فعلاً العمل مع الآخرين، وأنها قبلت التوقيع لحساباتٍ خاصة!
ويتمسّك برهان غليون بشعار “المجلس الوطني يمثلني”، الذي رُفع في تظاهراتٍ بعد تشكيل المجلس، ويورده في عدة صفحاتٍ من الكتاب، لكنه يتغافل عن رفض أعضاء كثيرين في المجلس الوطني تمديد فترة رئاسته المجلس، ومن بينهما كتلة إعلان دمشق، ولجان التنسيق المحلية التي هدّدت بالانسحاب من المجلس في 17 مايو/ أيار 2012، بعد تمديد فترة رئاسة برهان غليون، وطالبته بالاستقالة. لكن غليون المثقل بشعوره أنه وقع ضحية حرب ضده منذ لحظة رئاسته، يتحدّث عن مؤامرة من أطراف في المجلس حيكت ضده، وأفضت إلى إفشال أهداف المجلس الوطني، مع أنه يرفض القول بوجود مؤامرة من القوى الدولية ضد الثورة السورية وناسها. ويرى أن المؤامرة التي حيكت، والحرب التي شُنّت ضده، وخصوصاً من “إعلان دمشق”، كانت سبباً رئيساً في إخفاقات المجلس، منطلقاً من سرديته الخاصة، سيما في كل تحليلاته للعقد الشخصية والأخلاقية لقوى المعارضة والثورة السورية، التي انشغلت بالصراع على زعاماتٍ وهمية، بدلاً من العمل الجماعي المنجز، الأمر الذي أفشل مشروعه المؤسساتي، في حين أن أعضاء في المكتب التنفيذي للمجلس الوطني (هيثم المالح في بيان استقالته، ورواية آخرين مثل سمير نشار)، قدّموا شهادات عن نزعة انفراد غليون بقرارات المجلس، من دون استشارة أحد، وانصياعه وممالأته القوى الإسلامية فيه، وأنه لم يكن يحمل أي مشروع، بل كان يقود المجلس، في بعض الفترات، عبر “سكايب” من باريس، حسبما روى أكثر من عضو في المجلس.
لعل الإشكال الكبير الذي رافق المجلس الوطني السوري (الذي أراد معظم أعضائه أن يولد شبيها بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي)، يتمثل في استعجال تشكيله، ومبدأ المحاصصة الذي نهض عليه، حيث يشير غليون إلى ثلاث قوى رئيسية تقاسمت النفوذ داخل المجلس، وتنازعت على قراره: إعلان دمشق وجماعة الإخوان المسلمين ومجموعة العمل الوطني أو مجموعة الـ 74 التي انقسمت إلى مجموعتين، بعد أسابيع من ولادة المجلس. لكن الأهم أن مبدأ التوافق الذي شيّدت تركيبة المجلس بناء عليه، يجمع بين أحزاب وقوى وشخصيات غير حزبية، وسميت مستقلة، والأضعف في هذه التركيبة كانت الشخصيات المستقلة، وغليون كان أحدهم، ولذلك كانت تضطر إلى الانضواء تحت ظل هذه الكتلة أو تلك، وكان وزن الإسلاميين هو الطاغي على تركيبة المجلس. والأدهى أن المجلس لم يشكل جبهة تحالف أو توافق على خدمة الثورة وناسها، بقدر ما شكل كياناً للاستحواذ والهيمنة والاستغلال الحزبي والاستثمار الشخصي، ولذلك لم يتمكن قادة المجلس من تشكيل مؤسسة حقيقية، تنهض على مبدأ العمل الجماعي الممأسس. وبالتالي من الطبيعي أن يتحدث غليون بمرارة عن ممارسات جماعة الإخوان المسلمين ومراوغاتهم، ودور بعض شخصيات كتلة العمل الوطني، الذين يصفهم بالشخصيات “النشطة والذكية والكفؤة”، وأبرزهم أحمد رمضان الذي يكتب غليون عن عدم دفاعه “عن المجلس ورئيسه أمام الهجمات متعددة الأطراف التي تعرّض لها”. والغريب أن غليون يتناسى، بشكل مقصود، البيان، الذي أصدره رمضان باسم المكتب الإعلامي للمجلس، ونعى فيه أخاه، بوصفه شهيداً للثورة، في حين أن كتيبة “أبو عمارة”، التي تنتمي إلى “الجيش الحر”، أخبرت المجلس الوطني أنها هي من قتلته، بوصفه كان مع النظام الأسدي في حلب.
يخصّص غليون عدة صفحات من كتابه لوصف ممارسات شخصيات عديدة، في جماعة الإخوان المسلمين وعدنان العرعور. ويستفيض في تلمس الخلافات بين الفصائل العسكرية، وخصوصا بين مصطفى الشيخ ورياض الأسعد، اللذين يحمّلهما مسؤولية عدم توحيد فصائل الجيش الحر. كما يخوض غليون نقاشاً عن سلمية الثورة وعسكرتها، من دون أن يحسم الأمر لصالح إحداهما، وكذلك فعل حين تناول الإسلاميين والعلمانيين، ومقولة أسلمة الثورة، مع أنه حاول رصد الخيارات السياسية والأيديولوجيات المأزمة، التي كانت تكمن وراءها، والصراعات التي دارت حولها. وينسحب الأمر نفسه على تناوله المواقف والسياسات الدولية والعربية من الثورة السورية، التي أحاطها بكثير من التفهم والتبرير، من دون أن يشير إلى دور إسرائيل وتدخلات ساستها وجنرالاتها لدى الإدارة الأميركية، من أجل الإبقاء على بشار الأسد في السلطة. ولعل التركيز على تباين المواقف الدولية والإقليمية وتبدلاتها، ظهر وكأنه محاولة لتفهم مواقفها وساسياتها، المبنية على صراع المصالح والنفوذ، وجعل غليون يركز في كتابه على العوامل الذاتية، وعلى عطب الذات، دون تحميل القوى الخارجية مسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع في سورية، وخذلان الثورة وناسها.
يتحدث برهان غليون مطولاً عن زياراتٍ قام بها، مع أعضاء في المكتب التنفيذي، إلى عواصم دولية، ويتناسى مسألة انتقال المجلس إلى الداخل السوري الذي كان مطلباً ضرورياً كي يوجد من نُصِبوا ممثلين للثورة وقادتها في الميدان، مع الثوار والحاضنة الشعبية للثورة في المناطق الخارجية عن سيطرة النظام، لكنهم رفضوا ذلك، وآثروا البقاء في الخارج، وأخذ الصور التذكارية مع شخصيات ومسؤولين أجانب. والأدهى أن نجاحات المجلس يحصرها غليون في “الإنجازات السياسية والدبلوماسية والإعلامية التي حققها في الأشهر الأربعة الأولى”، ويعتبرها “الحقبة الأنصع في تاريخ المعارضة السورية”، في حين أن رئيس المجلس وأعضاء المكتب التنفيذي لم يقوموا بأي زيارة للداخل السوري، ولا إلى مخيمات اللجوء السوري في دول الشتات. والغريب أن يحصر غليون خطأ المجلس الوطني، ويُبرئ نفسه منه، في أنه “بعد أن تأكد من انعدام إرادة التدخل الدولي، استمر يراهن على احتماله وعلق نفسه بالدعم النوعي الذي يمكن أن يحل محله”. وقد يمتلك هذا القول وجاهة، لكنه لا يحصر أخطاء المجلس ورئيسه، التي من بينها، الافتقار للعمل المؤسساتي والقيادة الجماعية، وسيادة منطق الانفراد باتخاد القرارات. واللافت أن غليون يكشف عن أنه كان يتواصل مع نظام الملالي الإيراني، وبالتحديد مع صادق خرازي، مستشار الولي الفقيه، علي خامنئي، عبر وسيط فرنسي، عندما كان رئيساً للمجلس، في حين أن جميع أعضاء المكتب التنفيذي لم يكونوا على علم بهذا التواصل، ولم يضعهم رئيسه في صورته وفحواه، في حين أن غليون يقلل من أهمية ذلك، ويعزو لقاءه خرازي إلى معرفة ما يفكّر به الإيرانيون وحدود تطلعاتهم في سورية، وماذا ينتظرون من السوريين ومن المعارضة. كما أن غليون وقّع “وثيقة القاهرة” مع ممثل هيئة التنسيق في الخارج، هيثم منّاع، من دون الرجوع إلى استشارة المكتب التنفيذي للمجلس، وسرّبها منّاع إلى وسائل الإعلام، الأمر الذي جعل غليون ينكر الواقعة، لأنها استجرت خلافات حادة بينه وبين أعضاء المجلس. وكذلك حين سجّل خطاباً متلفزاً للشعب السوري، طلب منه أحد أعضاء المكتب التنفيذي، أن يطلعه على نص الخطاب المكتوب قبل بثه تلفزيونياً، فرد على غليون: ستطلع عليه بعد قليل، عندما يبث عبر شاشة التلفزيون، وحين استهجن ما سمعه من غليون، رد عليه الأخير قائلاً: “نفذ ثم اعترض” (روى الواقعة سمير نشار، أكثر من مرة، بحضور أعضاء في المكتب التنفيذي، منهم خالد خوجا وفاروق طيفور وحسين السيد وسهير أتاسي وجورج صبرا).
غير أن التحدّي الأكبر للمعارضة السورية، في مختلف تشكيلاتها السياسية، وبشخصياتها السياسية التي تصدّرت المشهد، وكان غليون أحدها، يكمن في عجزها عن طرح بديل ديمقرطي حقيقي، لأنها لم تكن ديمقراطيةً بالمعنى المعروف للكلمة، في الممارسة، إذ بيّنت تجاربها عدم تمكّنها من طرح مشروع ديمقراطي بديل وجامع لكل السوريين، ولم يكن خطابها السياسي جامعاً، أو موجّهاً إلى جميع السوريين، بل أصابت معظم أفرادها أمراض نظام الاستبداد نفسها، الشخصنة والممارسات الفردية العمل السياسي، وخصوصا في اتخاذ القرار، وعدم الاستناد إلى العمل الجماعي، فضلاً عن الفساد الذي لعبه المال السياسي في أوساطها.
وعندما تشكلت الهيئات والتشكيلات السياسية السورية للمعارضة، كانت الشخصيات والقوى والحركات الإسلامية، إضافة إلى شخصياتٍ وقوى أخرى، ادعت أنها ليبرالية وديمقراطية، سبّاقة للانخراط بقوة فيها، مستفيدة من علاقاتها الإقليمية والدولية المتعدّدة، ومن الحاجة لتشكيل كيان يمثل مظلة للثورة وناسها في ذلك الوقت، بدءاً من المجلس الوطني السوري، وصولاً إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وانتهاء بالهيئة العليا للتفاوض وسواها. وتحولت هذه الكيانات إلى نواد مغلقة، ومتعالية على عموم السوريين، وتمارس الهيمنة والاستحواذ، وكانت جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب رصيفاتها الأخريات، تسعى إلى الهيمنة على مختلف الفصائل العسكرية، مستفيدةً من مصادر دعم مالية عديدة، عربية وإقليمية ودولية.
الإطلاقية في “عطب الذات.. “، والتعميم أحياناً، وعدم امتلاك الجرأة في النقد الذاتي والمراجعة النقدية الموضوعية، أفضى ذلك كله إلى التنصّل من مراجعة الذات ونقد الأخطاء وتعلّم الدروس، مع أن الكتاب يأتي في سياق حاجة الثورة السورية لكتابة السير الذاتية النقدية، والدراسات والأبحاث والمؤلفات، لأن المتغيرات التي حملتها الثورة تمثل تحولات كبرى في تاريخ سورية، وسطّرت مرحلة جديدة، لم تهدأ رياحها بعد.
المصدر: العربي الجديد