بسام يوسف
موقع تلفزيون سوريا:25/1/2022
يمكننا إلى حد كبير أن نتوقع ردود فعل السوريين، كلّما تم تداول خبر محاولة جهة سورية عن القيام بمشروع ثقافي أو اجتماعي أو سياسي، حتى قبل معرفة تفاصيل هذا المشروع، بعبارة أخرى ثمة مواقف أصبحت بمنزلة اللازمة التي يتم إطلاقها دائماً، ولا يغيّر فيها ظرف ما، أو اختلاف في تفاصيل ما تتناوله أو أهدافه، أو طريقة مقاربته.
لأصحاب هذه المواقف المسبقة مبرراتهم، فهم يعتبرون على مبدأ المثل القائل ( المكتوب واضح من عنوانه)، أن لا ضرورة لقراءة التفاصيل، ولا لانتظار نتائج هذا الفعل، ويدلّلون على صحة موقفهم بفشل كل التجارب السابقة، خصوصاً أن كل التجارب تتقاطع بأسماء كثيرة لأشخاص يتحملون مسؤولية فشل طويل متكرر، وتتقاطع بتفاصيل كثيرة أخرى.
تبدو المواقف المسبقة هذه مقنعة بروايتها وبحججها، لكنّها – بغض النظر عن صحتها أو عدمه – تضعنا جميعاً أمام أسئلة يجب الإجابة عنها، ولعلها إجابات متوجّبة على المنتقدين أولاً، أسئلة تبدأ بهل يمكن اعتبار حالة الانتظار هي الحالة الممكنة الوحيدة، وبالتالي فإن أي محاولة للفعل هي متهمة، ولا تنتهي عند التناقض الحاد بين المعايير التي يضعونها بحدودها المقصودة من دون الأخذ بعين الاعتبار مدى إمكانية تطبيقها، أو العمل بموجبها.ما ورد سابقاً لا يعني أن كل هذه الانتقادات نافلة، لا بل يمكنني القول إن معظمها محق، وإن طرحها عند إطلاق فكرة عمل ما هو ضرورة، لكن الأهم في كل الانتقادات، وفي كل الحالات هو غايتها، وهو مدى حضور الوعي المسؤول فيها،
ومدى جديتها في تهيئة المقدمات الضرورية لإنجاحها، وإن كان من غير العقلاني أن نعيد تكرار الفشل مرارا، لكنه أيضاً من غير العقلاني أن ندعو إلى حالة اللا فعل، وأن نبقى أسرى حالة الانتظار.أفترض أن إطلاق أي حوار أو لقاء بين سوريين يرون ضرورة البدء بمشروع وطني، يسعى لتجميع السوريين وتنسيق جهودهم من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا كخطوة أولى، وكمقدمة لاستعادة السوريين لسوريا كاملة، ولحقوقهم كاملة،
يجب أن ينطلق برأيي من حيثيات لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار:سوريا الآن هي أشلاء وطن بكل المعايير، وبالتالي فإن أي مبادرة للفعل في مثل هذه الظروف، يحتم اللجوء إلى آليات عمل استثنائية يجب أن تتناسب مع الظرف الراهن، خصوصاً أن الصراع الذي قام أساساً بين الشعب السوري وبين “النظام” الدكتاتوري الفاسد الذي يحكمه منذ عقود، تعقد كثيراً، وتداخلت خيوطه مع خيوط صراعات أخرى،
صراعات دينية وقومية وإقليمية ودولية.تعقّد الصراع في سوريا وركوب صراعات أخرى عليه تسبب -مع عوامل أخرى- في تشظي المجتمع السوري، وفي تبعثر السوريين وفي إضعاف مشتركاتهم الجامعة، هذا بدوره تسبب بإزاحة أولوية الهدف الأساسي الذي انطلقت الثورة السورية من أجله، والمتمثل بإنهاء صيغة النظام القائم، وبروز أهداف أخرى تموضعت في أولويات الحدث السوري من قبل بعض الأطراف السورية.
المهام المطروحة الآن على السوريين محكومة بشدة بعامل الزمن، فكلّما تأخر تلاقي السوريين على إنقاذ وطنهم تعقّدت إمكانية الفعل، وكلّما ازدادت الصعوبات التي تواجههم فُرِضت عليهم السرعة في التحرك مع الانتباه جيداً إلى المخاطر الكبيرة التي يولّدها الارتجال والتسرع.لا بدّ من الخروج من النزعة المدمّرة التي وسمت عمل السوريين خلال السنوات العشر الماضية، والمتمثّلة بقناعة امتلاك كل مجموعة للرؤية الصائبة الوحيدة، وبالتالي قناعة كل مجموعة أنها وحدها القادرة على قيادة الفعل السوري، وأنه على الآخرين الالتحاق بها، باختصار لا يهمّ في أي مشروع مَن الذي يُطلقه، ولا من يؤسسه، والمعيار الوحيد الذي يجب أن يحكم العمل في أي مشروع، هو مدى تمثيله لمصلحة السوريين الراهنة والاستراتيجية.
كان من الواضح في كل التشكيلات السياسية التي تصدّرت المشهد السوري، غياب عنصرين مهمين في المجتمع السوري، أقصد الشباب والمرأة، وفي معظم الحالات لم يكن هذا التغييب لأسباب موضوعية، بل كان متعمداً، وحتى في حالة حضوره فقد اتسم هذا الحضور بضعفه وعدم جدّيته، ترافق هذا مع تكرار دائم لأسماء أشخاص قد يصعب كثيراً إيجاد أي جدوى من وجودهم، ويسهل كثيراً إيجاد محطات كثيرة فشلوا في إدارتها، قد يفسّر هذا إلى حد كبير موجة الاستياء الكبيرة التي تسبق أي مشروع جديد تتصدر واجهته الأسماء إياها.من الصادم والغريب، ومن غير المجدي، أن يكون لدى “المعارضة” السورية أكثر من 1200 مؤسسة مدنية، وأكثر من 400 تشكيل سياسي وعسكري، هذه الأرقام تخبرنا بوضوح وبما يشبه الفاجعة أننا بحاجة كبيرة لإعادة النظر بكل آليات العمل السابقة، وإن كان لغياب ثقافة العمل الجمعي، دوره المهم في الوصول إلى هذه الحالة،
إلا أن فشل المعارضة في خلق المؤسسات الشفافة وذات الصدقيَّة، والناجحة هو السبب الرئيسي.إن أي مشروع سياسي، أو ثقافي، أو اقتصادي لا يمكنه أن ينهض من دون بنية تنظيمية حاملة له وقادرة على النهوض به، ولعل نقطة الضعف الأساسية التي تسببت باستفحال الكارثة هي غياب الصيغة التنظيمية الحقيقية لمؤسسات المعارضة السورية، وإحلال الاعتبارات المناطقية والطائفية والشخصية محلها، الأمر الذي تسبب بتصدّر أعداد كبيرة من شخصيات غير مؤهلة لواجهة الثورة السورية، وبغياب أي آلية للمحاسبة، أصبحت الثورة السورية ساحة يجرب فيها من يشاء بلا أي ضابط أو معيار.
إن تأسيس بنية تنظيمية قادرة على تجميع وحشد جهود وإرادة السوريين الوطنيين الديمقراطيين، على اختلاف آرائهم وأحزابهم وتياراتهم هو أيضا حاجة ماسّة وبالغة الأهمية.
إنْ كنا غيرَ قادرين على الفعل في اللحظة الراهنة، فإنّ هذا يجب أن لا يعفينا من ابتكار الآليات، ومن السعي الدؤوب لكي نكون قادرين على الفعل في اللحظة القادمة، خصوصا أنّنا أصبحنا – كما هو مفترض – بعد سنوات طويلة من التجارب المرة أكثر خبرة ودراية بأسباب فشلنا.