2020 / 7 / 19 دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات تبدو أهمية إعادة صياغة المفاهيم النظرية وبفصل المعرفة عن السياسة، وتمييز الثقافة، الموجَّهة إلى حقل أوسع بكثير من السياسة بمعناها التحزّبي الضيق، عن السياسة. ولعل اتخاذنا هذه المسافة النقدية من السياسة يساعدنا على المساهمة في الغربلة الثقافية المطلوبة لـ ” إعادة تأسيس المشروع السياسي على أقدام قادرة على النهوض ” (1). وفي سياق ذلك يبدو التساؤل مشروعا عن موقع الحداثة في كل من مشروعي التيارين القومي والماركسي في العالم العربي.إننا نتطلع إلى الكشف عن الأبعاد النهضوية (العقلانية، التقدم، التنوير، الديمقراطية، العلمانية)، التي كانت تنطوي عليها حركة النهضة العربية الحديثة، والتي أُهدرت لاحقا في مشروعي التيارين القومي والماركسي، واختُزلت إلى مستوى خطاب سياسي محكوم بالاعتبارات الديبلوماسية الدولية، لا بضرورة الوعي بإشكالية التأخر العربي التي قادت إلى الهزائم المتكررة.إنه من المفارقات الملفتة للنظر أنّ القضايا الأساسية، التي شكلت عماد فكر النهضة العربية في القرن التاسع عشر، مازالت حية قائمة كمطالب وطموحات عربية في بداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين. والسؤال هو: لماذا هذا الانفصال بين الخطاب المُعلَن والممارسة السياسية في المشروع العربي خلال التاريخ المعاصر؟ هل ثمة تعارض بين مصالح وطموحات المحكومين والحاكمين؟ هل ثمة تعارض بين خطاب التقدم وإرادة الحاكمين؟ هل ثمة انفصام بين القول والعمل لدى التيارات السياسية العربية؟ هل ثمة قصور في وعي الأحزاب الشيوعية في العالم العربي؟إنّ التساؤلات السابقة تفرض علينا أن نعيد طرح قضايانا على نحو جديد، منطلقين من أنّ مسألة إنجاز الأمة – الدولة الحديثة هي جوهر تلك القضايا. ومن هنا تبدو أهمية تجديد الخطاب النهضوي العربي على قاعدة: أنّ الدولة الوطنية الديمقراطية تشكل أساس دولة الأمة الحديثة.وتبدو أهمية إعادة طرح قضايا المسألة القومية، من وجهة نظر تحاول أن تكون جديدة، حين نعرف أنّ عالم اليوم سوف يشهد إعادة طرح واسعة لمشكلة الأمة والقومية. ففي مقابل العولمة تبرز النزعات القومية بشكل كبير، ففي الوقت الذي ينزع فيه العالم، أكثر من أي وقت سبق، إلى أن يتعولم وإلى أن يخترق حدود الدول وسياداتها، وفي الوقت الذي تتعاظم فيه التبعية المتبادلة ما بين أمم العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميا، وفي الوقت الذي تتسارع فيه حركة الرساميل والبضائع وتتضاعف السيولات المالية العابرة للقومية، وتتحكم الشركات المتعددة الجنسيات في الاقتصاد العالمي إنتاجا واستهلاكا. وبكلمة واحدة في الوقت الذي يتحول فيه العالم إلى” قرية كبيرة”، في هذا الوقت يُرَّدُ الاعتبار، على نحو لم يسبق له مثيل، إلى عدة مصطلحات قومية مثل: الهوية، والأصالة، والخصوصية. وتدب حيوية في النزعات القومية والإثنية التي يبدو أنّ قلق العولمة قد أيقظها في كل مكان من العالم.كما أنّ العالم يتجه نحو قيام تكتلات بشرية كبرى، قبل التداعيات المحتملة لجائحة كورونا، سواء على مستوى قومي أو قاري، تشكل مجالا حيويا في الاقتصاد، وعنصرا رئيسيا في الأمن، وضمانة فعلية للاستقلال السياسي، وشرطا ضروريا للتحرر من الهيمنة الخارجية.لذلك نعتقد أنّ الحاجة تزداد إلى بحوث ودراسات عديدة، تتناول إشكاليات المسألة القومية من الوجهتين التاريخية والنظرية، وقد يساهم ذلك في منح الوعي والعمل السياسيين رؤى مستقبلية مفيدة. وتبدو أهمية ذلك، إذا عرفنا أنّ استعمال المفاهيم والمصطلحات قد أُحيط بالغموض والالتباس، فاستُعملت المفاهيم في غير محلها، وساد الاضطراب بعضها الآخر. فمفاهيم مثل: الأمة، القومية، الوطن، الحركة الوطنية، الحركة القومية، لم تُستعمَل بدلالاتها الحقيقية دائما. ولم يكن هذا الخلط للمفاهيم بريئا تماما، بل ارتبط – في أغلب الأحيان- بتغطية موقف سياسي لدى استعمالها.1 – ميشيل كيلو: ( ثورة الفكر… وثورة الواقع) – عن : مجلة الوحدة -الرباط، المجلس القومي للثقافة العربية، العدد(66) – مارس/ آذار1990، ص 105.