منير الربيع
المدن:27/11/2020
يبحث لبنان عن أي فرصة تدفع عنه العزلة الدولية التي يعيشها. وعلى طريقة التاجر المفلس الذي يعود إلى دفاتره القديمة، تعمل السلطة اللبنانية على فتح ملفات واستخدام عناوين لبعث الاهتمام الدولي بالبلد المنكوب، بعد فشل أركانها المديد في إدارته، وفشلهم المتجدد في كسب ذلك الاهتمام الذي أفشلوه: المبادرة الفرنسية.عون ومؤتمراته الدوليةشطر كبير منهم يعتبر أن الولايات المتحدة الأميركية بشروطها وعقوباتها، هي التي أجهضت مبادرة إيمانويل ماكرون، لأن واشنطن تريد للبنان أن يستمر قابعاً في الحصار.
وفشل رئيس الجمهورية ميشال عون في تعويم نفسه وتسويفها، كان قد دفعه إلى اتخاذ قرار برفع مستوى التمثيل في المؤتمر الدولي الذي نظمته روسيا في دمشق، لبحث عودة اللاجئين السوريين.وعلى الرغم من فشل المؤتمر الروسي – الدمشقي، كان لقرار عون ذاك تبعات سياسية سلبية على لبنان. لكن العادة العونية في العناد والمكابرة، أبت على الرئيس العنيد إلا أن يتقدم بمبادرة جديدة بخصوص اللاجئين السوريين: حماسته لاستضافة مؤتمر دولي على الأراضي اللبنانية، للبحث في إعادة اللاجئين السوريين من لبنان.ويستخدم لبنان جملة عناوين في التحضير لهذا المؤتمر، الذي اقترحه وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني رمزي مشرفية على المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف. فوافقت موسكو لأسباب متعددة: الدخول إلى الساحة اللبنانية المتاحة في هذه المرحلة، طالما أنها ترتبط عضوياً وجغرافياً وسياسياً وجتماعياً واقتصادياً بسوريا الخاضعة للسيطرة الروسية شبه الكاملة.
وقد أعلن رئيس “مقر التنسيق الروسي – السوري لعودة اللاجئين” ميخائيل ميزينتسيف، تأييد روسيا للمبادرة اللبنانية في شأن عقد المؤتمر الدولي، على غرار المؤتمر الذي عقد في دمشق يومي 11 و12 تشرين الثاني الجاري حول عودة اللاجئين السوريين. واعتبر ميزينتسيف أن انعقاد المؤتمر هو “العنصر الأول في تنسيق الجهود الدولية لحل واقعي لمشكلة عودة السوريين من الخارج”، مشيراً إلى أن روسيا تؤيد مبادرة الجانب اللبناني بعقده على الأراضي اللبنانية، وفق ما نقلت عنه وكالة “سبوتنيك” الروسية.التحالف المشرقيويعيد الاقتراح اللبناني إلى الأذهان نظريات التحالف المشرقي أو التوجه شرقاً، ذاك الذي طرحه مسؤولون لبنانيون بعد الانهيار والعقوبات والضغوط الأميركية. واستُخدم شعار التوجه شرقاً في محاولة لابتزاز القوى الدولية، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.لكن واشنطن لم تغير من سياستها، واستمرت بضغوطها، مقتنعة أن توجه لبنان شرقاً لن يؤدي إلى تحقيق أي مكسب للبنان. فالدول الشرقية غير قادرة على تقديم أية مساعدة لبلاد منكوبة. والذريعة المشرقية اللبنانية جزء من سياسة الضعفاء في الابتزاز الذي يجيده الزعماء اللبنانيون. والسياسة هذه توسعت بعد فرض العقوبات على جبران باسيل، الذي أصبح يطالب السفيرة الأميركية بالكف عن التدخل بالشؤون اللبنانية.
استفزاز أميركاأما الاقتراح اللبناني لعقد مؤتمر يبحث إعادة اللاجئين السوريين في لبنان بناء على المبادرة الروسية، فله أكثر من هدف: الاستمرار في استفزاز الأميركيين. وحسابات متباينة داخل الفريق الواحد. فالفريق الذي ينتمي إليه مشرفية يريد تحسين علاقته بالنظام السوري وروسيا، طالما أن الآخرين لا يؤمنون بعودة اللاجئين في ظل بقاء نظام الأسد على رأس السلطة السورية، لا بل يعتبرون أنه لا يريد عودة اللاجئين.أما رئيس الجمهورية وفريقه فيريدون القول للأميركيين: لدينا خيارات بديلة عنكم.
وهذا في محاولة للحصول على اهتمام روسي بلبنان، بعد نكسات كثيرة أصيبت بها العلاقة بين الطرفين. فلبنان لم يتجاوب مع الكثير من المبادرات الروسية، على الرغم من توجيه دعوات كثيرة إلى مسؤولين لبنانيين للبحث في تقديم مساعدات عسكرية روسية للجيش اللبناني، فرُفضت بسبب العلاقة مع الأميركيين تجنباً لاستفزازهم. لكن لبنان اليوم يريد تحسين العلاقة مع روسيا، بعد نكبة باسيل الأميركية، ونكبة سواه أيضاً.ويظن زعماء لبنانيون أن مجرد اقتراحهم مبادرة تتعلق باللاجئين السوريين، تستدعي فوراً اهتماماً أوروبياً ومشاركة فيها. فهم يطمحون بأن تشارك الدول الأوروبية في مثل هذا المؤتمر الذي يعقد في لبنان، على الرغم من عدم مشاركة الأوروبيين في مؤتمر دمشق.ويظن مقترحو المؤتمر أن لبنان وضعه مختلف، وأن المقاطعة الأوروبية لمؤتمر دمشق سببها القطيعة مع النظام السوري. ويظنّ دعاة المؤتمر اللبنانيون أن مؤتمرهم المزمع يعيد الاهتمام الأوروبي بهم من بوابة اللاجئين السوريين.
في أحضان الأسد وإيرانوهذا المسار الذي يدفع السلطة اللبنانية إلى البحث عن أية فرصة للإيحاء بأن لديها حضوراً إقليمياً ودولياً، ولو كان مسرحه سوريا وروسيا وإيران فقط، يجعل البلد في عزلة أكبر. لانه لن يستدرج أي اهتمام، لا بل سيكون دافعاً للمزيد من الضغوط.إنها لعبة خطرة يقودها لبنان، وقد تدفع إلى ممارسة المزيد من الضغوط الممنهجة على اللاجئين السوريين، ودفعهم إلى التظاهر أمام المقرات الدولية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أو إلى البحث عن مهرب من لبنان ولو عبر البحر في اتجاه أوروبا. ولعلّ هذا يستدرج الاهتمام الدولي
.وحادثة بشري التي حصلت قد تستخدم في هذا السياق، خصوصاً بعد أن حصلت عملية تهجير للاجئين السوريين من منازلهم.