حسن النيفي
موقع تلفزيون سوريا:21/5/2021
يشهد الشارع السوري المناهض لنظام الأسد ردّات فعل متوالية حيال خطوة النظام المزمعة بإجراء انتخابات رئاسية في 26 أيار الجاري، ويوما بعد يوم تتعدد أشكال ردّات الفعل وتزداد تنوّعاً وتمظهراً، فهي تتراوح ما بين الأحاديث العامة في الأوساط الشعبية، مروراً بالمواقف التي تجسّدها النخب السياسية والثقافية والناشطون في الشأن العام، وصولاً إلى الحملات المنظمة التي يقوم بها ويتولّى الإعداد لها ويشرف على تنظيمها ناشطون وسياسيون وأحزاب ومنظمات حقوقية، وذلك بهدف كشف زيف تلك الانتخابات المزمع إجراؤها وفضح بطلانها ومخالفتها لمضامين القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية.
وتجدر الإشارة إلى أن (الإخراج المسرحي) للانتخابات المفترض إجراؤها قد اختلف من حيث الشكل عما قبله من دورات انتخابية، فعلى مدى نصف قرن من حكم الأسدين كانت الطقوس الانتخابية هي أقرب للكرنفالات الاحتفالية، وغالباً ما تبدأ الاحتفالات قبل ظهور نتيجة الاستفتاء بأيام، لأن النتيجة معروفة سلفاً، إذ لا يوجد سوى مرشح واحد هو رأس النظام، ومن يجرؤ على أن يكون ندّاً له؟ولكن يبدو أن نظام الأسد لديه من الثقة ما يكفي بقدرته على تطوير دجله وزيفه وكذبه وفقاً لما تتطلبه المرحلة، فأمام افتضاح مسعاه في عدم جدّيته بالتفاعل مع المسار السياسي ذي المرجعية الأممية، وكذلك أمام إصراره على الاستمرار في السلطة ولو على جماجم السوريين وأنقاض خراب بلادهم، لجأت المنظومة الأمنية الأسدية إلى استجلاب شخصين اثنين ممّن يُحسبان على (المعارضة المُدجَّنة أمنياً) بعد أن رسمت لهما الصورة التي تريد، ليكونا ندّين مسخين لرأس النظام، وهي تعلم أن بشار الأسد سيكتسح هذين القزمين المسخين اللذين رضيا أن يكونا كبش فداء كرمى لعيون سيّدهم الذي سيوهم المجتمع الدولي بوجود عملية انتخابية ديمقراطية في سوريا، وربما لاعتقاده بأن هذا الإخراج السمج من شأنه أن يكون بديلاً مقنعاً للمجتمع الدولي عما تضمنته القرارات الأممية بخصوص الحل السياسي في البلاد، وليس من المُستبعد أن يكون الروس هم الأكثر دعماً وتشجيعاً لهكذا إجراء.
لعلّه لا حاجة لمزيد من الحديث عن الدوافع التي تكمن وراء الإخراجات الجديدة للمسرح الانتخابي المقبل، فهي من الوضوح الذي لا يحتاج إلى إيضاح، لكن الأهم كما أعتقد، هو النظر في طبيعة وأشكال الحراكات التي يبادر بها السوريون ردّاً على المهزلة الموعودة،
وفي هذا السياق يمكن التأكيد على أن مجمل أشكال الحراك الشعبي السوري المناهض لانتخابات الأسد، إنما يمكن حصر معظمه في الجانب الإعلامي فحسب، فجميع الحملات التي تنظمها قوى وتجمعات وأحزاب ومنظمات، وحتى الأنشطة الفردية على وسائل التواصل، فإنها برمتها تهدف إلى إعلاء الصوت رفضاً وتنديداً بما سيقدم النظام على إجرائه.
ومن جانب آخر، فإن الجميع إنما يتوجه بصوته إلى المجتمع الدولي، أي كأنه يريد بناء قناعة في أذهان العالم ببطلان وزيف ما سيقوم به نظام الأسد، إلّا أن سؤالاً، بل أسئلةً كثيرة تتداعى إلى الذهن بالتوازي مع هكذا حراك، دون أن تقلل من أهميته، لعل أبرزها: هل كان المجتمع الدولي يعتقد أن نظام الأسد ديمقراطي ثم جاءت هذه الانتخابات لتبيّن بطلان تلك القناعة؟ ثمّ أيّهما أشدّ فظاعة وإجراماً في نظر المجتمع الدولي: قتل السوريين بالسلاح الكيمياوي والبراميل وتهجيرهم من بيوتهم أم انتخابات مزيفة وباطلة؟ وهل سيترجم المجتمع الدولي تعاطفه مع السوريين برفضه نتائج انتخابات الأسد إلى مواقف عملية تستهدف هذا النظام، أم سيكتفي بمواقف الشجب ورفض شرعية تلك الانتخابات إعلامياً فقطربما أدّت مثل تلك التساؤلات وسواها إلى الإقرار بمسألتين اثنتين: تكمن الأولى في أن مجمل حراك السوريين المناهض لإعادة تعويم الأسد إنما يتوجه نحو العالم الخارجي، ربما لقناعة بدأت تتعزّز يوماً بعد يوم، بأن مفاتيح حلّ القضية السورية باتت بيد الأطراف الدولية النافذة في الشأن السوري، وما لم تتفق الدول ذات المصالح المتصارعة على الأرض السورية، فمن غير المجدي أي عمل داخل المجال الخاص بالسوريين، ولا شكّ أن هذا التصوّر يجعل من السوريين كمن يتسوّل الحلول على أبواب رحمة الدول وشفقتها، دون أن يُطرح السؤال التالي: إذا طالبنا المجتمع الدولي بنصرة قضيتنا فماذا علينا أن نفعل نحن أيضاً، وليس فقط ماذا نقول وبماذا نرغب؟.
يحيل السؤال السابق إلى غياب أمرين اثنين لهما بالغ الأثر في إثبات أي مصداقية يمكن أن تكون حافزاً للمجتمع الدولي نحو وقفة عملية مناهضة لانتخابات الأسد، كما يمكن أن تكون عامل إقناع له في الوقت ذاته بجدّية مسعى المعارضة السورية لعمل ما يتوجب عليها، لعل الأمر الأول يتمحور في غياب كيان جامع أو مظلة تتموضع في ظلالها القوى السورية المعارضة الفاعلة، وهذا يحيل بداهةً إلى غياب مشروع وطني موحّد تجمع عليه القوى المتعددة التي تدّعي تمثيل السوريين، فها هي هيئة التفاوض، الكيان الذي من المفترض أن يكون جامعاً للمعارضة السورية ومُجسّداً لمطالب السوريين، إلّا أن هذه الهيئة – وكما هو واضح للجميع – تنقسم إلى منصّات متعددة،
وكل منصة تجسّد وجهة نظر جهة إقليمية ما، ولا يجمع بين تلك المنصات سوى اسم الهيئة.والجدير بالذكر أن تعدّد المنصات لم يكن مبعثه تعدد وجهات النظر القائم على حالة من التعددية التي تعكس تنوع القوى وشرائح المجتمع السوري، بل مبعث تلك الانقسامات هو النفوذ الذي تملكه الأطراف الدولية داخل هيئة التفاوض، من خلال الولاءات التي تبديها كل منصة للجهة الراعية لها.
أما الأمر الثاني، ولعله الأهم، هو عدم حيازة المعارضة السورية لمصداقية البديل الديمقراطي، فإذا كان أحد مآخذ المعارضة السورية على الانتخابات التي سيجريها نظام الأسد بأنها بعيدة عن حقيقة تطلعات السوريين بل هي مفروضة عليهم فرضاً بحكم هيمنة المنظومة الأمنية للنظام، فضلاً عن كونها مخالفة لفحوى القرار 2254، فهل جسّدت الكيانات الرسمية للمعارضة السورية البديل الأفضل في عملية تبادل المسؤولية أو تولي المناصب داخل تلك الكيانات، أو حتى في تشكيلها بشكل عام؟ ألا يجسّد كيان الائتلاف المثال الأسوأ من حيث النأيُ الكلّي عن أي عملية ديمقراطية في تشكيله الحالي وكذلك في تبادل المسؤوليات أو المناصب فيما بين القائمين عليه؟ ألم يطالب السوريون،
ومنذ سنوات، بمأسسة الائتلاف وإعادة تشكيله وتجديد لوائحه التنظيمية والإدارية بما يتناسب والمرحلة الراهنة، ليكون الكيان الموجه لحراك جميع السوريين ومعبراً عن تطلعاتهم، وإطاراً لمجمل أنواع حراكهم؟.
لعل الدعوة إلى بعث الحياة في كيانات الثورة، باعتبارها أطراً قائدة لثورة السوريين، لم تعد حاجة سياسية فحسب، بل حاجة أخلاقية بالدرجة الأولى، يمليها الشعور بالمسؤولية حيال ثورة شعب بلغت تضحياته الملايين من الأرواح،
وأمثالهم من المهجرين والنازحين والجرحى، بل إن المراجعة النقدية الشاملة لعمل مؤسسات المعارضة بعد مرور عقد كامل من عمر الثورة، بات أولويّة تتجاوز جميع المصالح ما دون الوطنية.مما لا شك فيه أن ما نشهده من حراك إعلامي مناهض لانتخابات الأسد من جانب العديد من الفعاليات الوطنية السورية، سواء أكانت قوى أو أحزاب أو تجمعات أو شخصيات أو منظمات حقوقية وإنسانية، لهو أمرٌ في غاية الأهمية،
فضلاً عن كونه يجسّد إرادة سورية جمعية برفض منظومة الاستبداد الأسدي، إلّا أن هذا الحراك كان من الممكن أن يكون أكثر تأثيراً وإيجابية لو أنه اقترن بمُنجز عملي تجسّده الكيانات الرسمية للمعارضة على الواقع، ويكون منسجماً مع مطالب السوريين بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ورفضهم للاستبداد والشمولية.