Trt عربي //علاء رجب تباب
قانون قيصر الاقتصادي اليوم يقول: “لا أحد يمكنه أن يكون إنسانا في القرن الحادي والعشرين إلا إذا تعمَّد على أيدي شيوخ الكونغرس الأمريكي لتباركه وتقرّ حقوقه، فمن دخل البيت الأبيض فهو آمن وما سواه لا يعدو كونه إرهابا إسلاميا أو إنسانا من الدرجة العاشرة”.يفوق السلاح الاقتصادي الأمريكي المعاصر في تأثيره سلاح الرصاص والقتل المباشر، لكن في الوقت ذاته لا يحتل الفاعل الاقتصادي مركز القوة في معادلة السلاح الأمريكي المعاصر، التي ترتكز فاعليتها الحقيقية على الرصيد العسكري وقدرتها على استخدام السلاح التقليدي وإدارته بلا ضوابط أو قوانين دولية، في الغالب يكون الجانب الأمريكي هو من يحكمها وليس العكس.الأمر الذي جعل الولايات المتحدة بدورها تنتصر على العالم بالرعب العسكري والسلطوي من غير أن تطلق رصاصة بلا قُفّاز أو تقتل أحد جنودها، ما يعني أنّ السلاح الاقتصادي الأمريكي في حقيقته هو سلاح عسكري يضبط بسلطته حركة الرقابة والأموال والاقتصاد والمؤسسات والشركات في العالم انطلاقاً من مركزيته في معادلة الثقل العسكري وليس بموجب حضوره الاقتصادي الفاعل ولا الحقوقي أو الإنساني.في هذا السياق ولد “قانون قيصر” ليمنح الكونغرس الأمريكي به أمل محاسبة المتسبب في مقتل 11 ألف معتقل قتلهم النظام السوري على إثر الحراك الشعبي تحت التعذيب منذ عام 2011 حتى منتصف 2013 فقط، بعد تسريب ما يقرب من 55 ألف صورة توضح الأوضاع المزرية التي عاشوها قبل رحيلهم. جاء قانون قيصر ليحيي هذه القضية بعد أن غيَّبها المجتمع الدولي والأمم المتحدة مرة أخرى خلف قضبان التجاذبات والمصالح وتحت أنقاض القانون وأقبية السياسة ومسلسلات جنيف وأخواتها منذ 2014 حتى اليوم!ومع حصول مشروع قيصر على موافقة مجلسَي النواب والشيوخ في الكونغرس الأمريكي والتصديق عليه من جانب الرئيس دونالد ترمب في الشهر الأول من العام الحالي 2020م، يرى خبراء قانونيون أنّه أصبح قانوناً ملزماً لأي إدارة أمريكية لأنه تحول إلى جزء أساسي من القانون الأمريكي، وعليه لا يحق لأي رئيس مُقبل أن يوقف العقوبات الاقتصادية من دون موافقة الكونغرس مرة أخرى.يستهدف قانون قيصر الذي يدخل حيز التنفيذ في 17 من الشهر الحالي حسب خبراء فرض العقوبات الاقتصادية على أجهزة المخابرات والمصرف المركزي السوري والمؤسسات الحكومية السورية والأجنبية والشخصيات ذات الصلة بالنظام السوري.ويستهدف قانون قيصر الذي يدخل حيز التنفيذ في 17 من الشهر الحالي حسب خبراء، فرض العقوبات الاقتصادية على أجهزة المخابرات والمصرف المركزي السوري والمؤسسات الحكومية السورية والأجنبية والشخصيات ذات الصلة بالنظام السوري والذين يموِّلونه وحلفاءه من الروس والإيرانيين سواء أكان التمويل يتعلق بأنشطتهم العسكريّة أو في مساعي إعادة الإعمار وانتهاكات حقوق الإنسان.من هو قيصر؟قيصر هو لقب أُطلق على عسكري انشق عن النظام السوري وكانت وظيفته تصوير الحوادث الجنائية العسكرية، ليبقى بعد الحراك الشعبي يشغل الوظيفة ذاتها حتى أغسطس/آب 2013، حاملاً في جعبته بعد انشقاقه عشرات الآلاف من الصور لمعتقلين قضوا تحت التعذيب على إثر تظاهرهم ضدّ النظام السوري داخل أقبية الأمن السوري الموصوفة حسب المنظمات والتقارير الحقوقية الدولية بأنّها “مسالخ بشرية”.وحسب مصادر خاصة ومقرّبة من قيصر تحدث مع TRT عربي، فإن المدعو قيصر مجهول الهوية هو شاب أربعيني بسيط للغاية شغل رتبة مساعدٍ أوّل في الأمن العسكري، ولا يجيد فنّ المناورة، ويتصرف بعفوية المواطن العادي من دون غايات أو مطامع على المستوى الشخصي، وهو لا يزال فقيراً ينفق على عائلته من خلال مساعدات اللجوء المقدّمة له من إحدى الدول الأوروبية التي تتحفظTRT عربي على ذكرها حفاظاً على سلامته.فلا شكّ أن شخصية قيصر معلومة بدقة لدى النظام السوري بغض النظر عن مكانه اليوم الذي لا يزال يحاول إخفاءه هروباً من بطش عصابات الأسد في الخارج، وعليه يبدو أنّ عدم ظهوره ليس بدافع الخوف بل بهدف إعطاء الملف قوة أكبر على المستوى الإعلامي، فإنّ غيابه تبعاً لصفاته المسردة أعلاه يعطيه حضوراً وكاريزما وهالة إعلامية هوليوودية ربما سرعان ما ستتلاشى إذا ما ظهر إلى الرأي العام.وفي حديثه لـTRT عربي يؤكد المصدر المقرب من قيصر أن “أحد المقربين من قيصر والمرافقين له دوماً هو الذي يحاول قيادته من الخلف، واستغلال عفويته وطيبته وبساطته ليتكلم ويفاوض بلسانه بغية استغلال الملف لتحقيق المكاسب الشخصية.القلق السياسي..عماد الدين الرشيد الأكاديمي السوري والفاعل السياسي المشرف على إيصال ملف قيصر إلى المحافل السياسية والقضاء الدولي الذي يعتبر حسب مراقبين بمثابة العراب لهذا الملف الجنائي، يرى في حديثه لـTRT عربي “أن الخوف والقلق اليوم يسيطر بقوة على الفاعل السياسي الإقليمي خشية تنفيذ قانون قيصر، لأن هذا القانون يقوّض دور الفاعل الإقليمي السياسي والاقتصادي في دعم النظام السوري والتعامل معه”.القلق يسيطر بقوة على الفاعل السياسي الإقليمي خشية تنفيذ قانون قيصر لأن هذا القانون يقوّض دور الفاعل الإقليمي السياسي والاقتصادي في دعم النظام السوري.عماد الدين الرشيد، أكاديمي وفاعل سياسي سوريوفي هذا إشارة منه إلى الدول التي تستقبل شخصيات النظام السياسية والاقتصادية التي أعلنت سابقاً عن فتح السفارات وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري. وأضاف الرشيد: “بل يمكن لهذا القانون أيضاً أن يفضح جهات معينة تزعم أنها تدعم المعارضة السورية والحراك الشعبي لكن في الحقيقة لديها أجندات أخرى خلاف ذلك”.وفي سياق متصل، يضيف الرشيد أن “القلق السياسي لبعض الدول في الإقليم دفعها إلى التشويش، وتبنِّي الهجوم الإعلامي على ملف قيصر والتشكيك فيه وفي مصداقيته من خلال مهاجمة الأشخاص المعنيين في المعارضة السورية والطعن فيهم، لكن في الواقع نحن مطمئنون لأن الملف بمأمن من العبث ومستقر في المحاكم الدولية بل وتجاوز دائرة الملف ذاته وأصبحت في هذا الإطار ادعاءات شخصية داخل المحاكم الدولية، ما يعني أنّ هذا الملف لم يعد ينطق بذاته فقط”.من جانبه، أعرب عبد المجيد بركات عضو الهيئة السياسية والمنسّق العام لفريق عمل متابعة قانون قيصر في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في حديثه مع TRT عربي، عن أسفه لعدم تقويض قانون قيصر للواقع الدبلوماسي بين النظام السوري والدول الأخرى مبيّناً الأمر بقوله: “مع الأسف إن القانون لم يمنع البعثات الدبلوماسية مع النظام وبطبيعة الحال يستثني القانون بعثة النظام السوري في مقر الأمم المتحدة”.ويضيف بركات: “لهذا أوصينا من خلال جهود سياسية مكثّفة بنزع الصفة التمثيلية عن النظام، والعمل على تعليق مزايا العضوية في الأمم المتحدة. ولكن في النهاية على الرغم من أن القانون يركز على العقوبات الاقتصادية فإن ذلك سينعكس يقيناً بشكل سلبي على واقع النظام السياسي وعزله وتقويضه لتصبح البعثات الدبلوماسية بلا عمل مجدي على الأرض”.تعطيل الحامل السياسيهذا، وحذر الرشيد في حديثه لـTRT عربي من الوقوع في فخ تعطيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على الرغم من يقينه في هشاشته وضعفه وجموده، مبيّناً ذلك بقوله: “إن الائتلاف أهم الجهات التي حملت الملف سياسياً وكان ذلك واضحاً في الجلسة الأولى لجنيف حين رفع رئيس الائتلاف الوطني الصور الأولى للمعتقلين والمعذبين المدرجين بملف قيصر، لكن لا يخفى على عاقل تحوُّل الائتلاف إلى كائن ضعيف أحرج نفسه ولم يصلح ذاته”.الكثير من الفاعلين بالملف السوري لا يرغبون في وجود معارضة سورية موحَّدة أو ذات دور أساسي بإدارة الحراك الشعبي والسياسي السوري.عبد المجيد بركات، عضو الهيئة السياسية والمنسق العام لفريق عمل متابعة قانون “قيصر”ويستدرك الرشيد بقوله إن “من واجبنا الحفاظ على الائتلاف السوري المعارض كمولود ثوري بغض النظر عن واقعه، لا سيما في هذه اللحظات الحرجة التي نحتاج فيها إلى روافع لحمل الحل السياسي، ولا شك أن الجهات السياسية التي لا تريد للحل السياسي أن يستقيم هي التي تسعى اليوم لإضعاف هذه المؤسسات المعارضة والطعن فيها خوفاً من تنظيم الصيحات القانونية سياسياً”.ويضيف الرشيد لـTRT عربي في السياق ذاته محذراً، بأنه توجد “هيئات أخرى في المعارضة السورية “سكر خفيف” تحاول إزاحة الائتلاف السوري المعارض لتتصدر المشهد وتطرح ضرورة الحوار السوري-السوري في دمشق بطريقة أو بأخرى، وإنّ مثل هذا الجهات والمنصات تريد أن تضرب الائتلاف المعارض السوري حتى لا يتحرك”.وفي السياق نفسه، يرى بركات المنسق العام لمتابعة فريق قيصر في الائتلاف السوري المعارض خلال إفادته لـTRT عربي، أنّ “الكثير من الفاعلين بالملف السوري لا يرغبون في وجود معارضة سورية موحَّدة أو ذات دور أساسي بإدارة الحراك الشعبي والسياسي السوري”.ويستدرك بركات بقوله: “في النهاية دور الائتلاف المعارض في هذا الملف سياسي غير إقصائي. بل يهدف فريق العمل المكلَّف من قبل الائتلاف بإدارة ملف قانون قيصر، بالانطلاق من مبدأ التعاون والتكامل مع كل الفاعلين القانونيين والمدنيين المسؤولين عن التوثيق والمتابعة، فالائتلاف هو السلطة السياسية الشرعية التي تمكّن كل مكونات المجتمع السوري والمؤسسات في إيصال صوتهم إلى مراكز صنع القرار السياسي في العالم. باختصار لا يمكن لأحد تحقيق النجاح وإصابة النظام في مقتل بمعزل عن الآخر”.إن قانون قيصر يعدّ خطوة واحدة في مسيرة الانتصار لضحايا الثورة السورية على يد النظام السوري وزبانيته. إن ما يجب البناء عليه هو الاستمرار في التماس جميع السبل الدبلوماسية والقانونية والشعبية من أجل محاسبة مجرمي النظام السوري والمليشيات التابعة له الموغلين بدماء السوريين. إن تحقيق العدالة للضحايا حق لا مفرّ منه وواجب وطني.