منصب مفتي الجمهورية مستحدث في القرن الماضي، ويخضع منذ تأسيسه إلى ارادة من يتحكم بمفاصل الدولة، وغالبا ما يستخدم لإضفاء شرعية على حكمه ومهاجمة خصوم السلطة باسم الدين. الأمثلة لتطويع الدين لأغراض الدولة من خلال وظيفة الافتاء كثيرة، رأيناها مؤخرا في مواقف المفتين الرسميين في مصر والسعودية وسورية، ولعل أبرزها تلك التي قدمها احمد حسون خلال السنوات العشر الماضية الذي استخدم منصبه للدفاع عن تجاوزات النظام ومحاربة المطالبين بالإصلاح.
وكما هو متوقع لكل من يستخدم الكذب والتضليل أداة لكسب لقمة العيش فقد وقع حسون اخيرا في حبائل كذبه، في محاولته الاخيرة لتضليل السوريين بادعائه إن سورة التين تحدد خريطة سورية وتجعل من يعيش في حدودها “في أحسن تقويم” بينما يتحول من يغادرها وينتقل إلى مناطق أخرى إلى “أسفل سافلين.
” ما لم يدركه الحسون في استماتته لتطويع معاني القرآن الكريم لخدمة سيده هو أنه بهذا التفسير أخرج أيضا أوصياء نظامه في طهران من دائرة من يستحق وفق تفسيره الصفة التي حصرها في مناطق النظام، وبذلك حلت عليه لعنة سيده وأوصياء سيده.ورب ضارة نافعة، ففي الغاء منصب المفتي الرسمي خطوة مهمة نحو حماية الدين من التوظيف السياسي الكريه الذي شوه الدين والسياسية معا في دول المشرق.
ولعل الخطوة الحاسمة تكمن في العودة إلى تحقيق استقلال الوظيفة والمؤسسة الدينية عن هيمنة السلطة والتي بدأت مع تحويل الاوقاف إلى وزارة خاضعة للسلطة السياسية، في حين أن مؤسسة الاوقاف أنشأت تاريخيا للحفاظ على استقلال منظمات المجتمع المدني عن السلطة، وحمايتها من تدخل السلطان من خلال توفير دخل مالي مستقل.
الخطوة الطبيعية التالية تتطلب تحقيق استقلالية المجلس العلمي الفقهي عن السلطة التنفيذية بتطوير آلية لاختيار اعضائه عبر انتخابات يشارك فيها الفقهاء ورجال الدين ممن يتولى مهام الخطابة والتعليم وادارة المؤسسات الدينية.
دون هذه الخطوة سيبقى المجلس اسيرا لمواقف السلطة التنفيذية ومن يتولى الوصاية عليها. فهل سنسمع اصواتا من داخل المجلس الحالي تدعو إلى بناء مجلس علمي مستقل عن املاءات النظام؟ أم أن الصمت المصم سيستمر ليؤكد رضا من يتصدر المشهد الديني في سورية بإملاءات صاحب السلطة وولي النعمة؟