• الأحد , 24 نوفمبر 2024

لماذا تتعمد أمريكا إبقاء موقفها من الانسحاب من سوريا غامضاً ؟

أورينت نت – عقيل حسين أعاد النشاط الأمريكي في شمال شرق سوريا مؤخراً، الجدل مجدداً حول نوايا الولايات المتحدة المستقبلية في سوريا، خاصة مع استمرار وجود مؤشرات متناقضة.

فبينما كانت كل المعطيات تشير إلى تبني الإدارة الأمريكية فكرة الانسحاب العسكري من سوريا، أطلقت واشنطن عدة تصريحات مؤخراً تشير إلى عكس ذلك، بالتزامن مع مجموعة زيارات ولقاءات أجرتها وفود من الخارجية مع مسؤولين عسكريين ومدنيين في الإدارة الذاتية.

حراك أمريكي شرق الفرات

وشهدت الأيام الأخيرة الماضية حراكاً أمريكياً لافتاً في شمال شرق سوريا، سواء ميدانياً، من خلال إبراز استمرار تواجد قواتها، أو سياسياً حيث التقى مبعوثي الإدارة مع العديد من المسؤولين العسكريين والمدنيين في المنطقة.

فقد أكدت مصادر محلية يوم الاثنين إن الجيش الأمريكي يعمل على إنشاء مطار عسكري جديد في ريف الحسكة الغربي، مشيرة أن دورية أمريكية يرافقها عناصر من “قسد” وصلت إلى منطقة تقع على بعد نحو 15 كيلومتراً جنوب غربي الحسكة، بهدف إنشاء قاعدة عسكرية للتحالف الدولي هناك.

وتقع هذه النقطة على مقربة من فوج “الميلبية” الذي كانت تتخذه قوات النظام مقراً له قبل عام 2011 ، لكنها اليوم تخضع لسيطرة قوات “قسد”.وفي السياق، وصلت قافلة عسكرية لقوات التحالف الدولي قادمة من قواعدها في إقليم كردستان العراقي من خلال عبر معبر الوليد الحدودي، وقال ناشطون إن الرتل الذي ضم 40 شاحنة وسيارة نقل كبيرة، اتجه نحو القواعد العسكرية الأميركية في ريف الحسكة، علماً أن هذه هي القافلة كانت الثالثة خلال الشهر الحالي.

زار وفد يضم نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش، إلى جانب عدد من الدبلوماسيين والقادة العسكريين الأمريكيين المنطقة يوم السبت، والتقى القائد العام لميليشيا سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي، والرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطي “مسد” إلهام أحمد.وأكد الوفد الأمريكي خلال الاجتماع الذي انعقد في مقر قيادة “قسد” في مدينة الحسكة “أهمية الحفاظ على اتفاقية خفض التصعيد ووقف إطلاق النار”، وكذلك “مواصلة الجهود لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش”، وفق بيان صادر عن “قسد”.

وأضاف البيان” أن الطرفين بحثا “الصعوبات الأمنية والاقتصادية التي تعاني منها مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، وسبل زيادة تقديم الدعم الإنساني لها، بما يضمن الحفاظ على الأمن والاستقرار فيها”.موقف من الواضح أن واشنطن تتجنب فيه الإعلان الصريح عن موقفها من مستقبل الوجود العسكري لقواتها في سوريا، مقابل التركيز مجدداً على أولوياتها المعلنة.وسبق للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية ديفيد برايس، أن أعلن يوم الثلاثاء الماضي أن جهود بلاده تركز في سوريا على تحقيق ثلاثة أهداف هي: الحفاظ على خفض التصعيد، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، ومنع عودة داعش.

وتنسجم هذه التصريحات مع الاستراتيجية التي تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض، والتي تم الإعلان عنها بشكل رسمي خلال اجتماع ممثلي دول التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي عقد في روما في حزيران/ يونيو الماضي. وكان هذا الإعلان قد شكل “دلالة شبه قاطعة “بالنسبة للكثيرين حول توجه الإدارة الديمقراطية نحو “التخلص من عبء الملف السوري، وتلزيمه بشكل تدريجي للروس، مقابل بعض الشروط التي تعمل أمريكا على ضمان تحققها قبل مغادرة الأراضي السورية”.
رؤية بدا أن هناك الكثير من التطورات التي تدعمها، ابتداء من الاتفاق على تمديد قرار السماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا، الذي تم إقراره في مجلس الأمن في تموز/يوليو الماضي، مروراً بالتغاضي الأمريكي عن اتفاق خط الغاز المصري وشبكة الكهرباء الأردنية المارين عبر الأراضي السورية إلى لبنان، واستثناء المشروعين من قانون قيصر، الذي عطلت واشنطن العمل به جزئياً فيما يخص كذلك وصول مساعدات أخرى، مالية وعينية إلى النظام من قبل العديد من الدول.
وبالإضافة إلى ما سبق، يعتقد أصحاب هذا الرأي أن سماح الولايات المتحدة للروس بتمرير التسوية الجديدة في درعا، وكذلك بالتمدد في مناطق النفوذ الأمريكي في شمال شرق سوريا، ما كان ليحدث لولا وجود اتفاق بين الدولتين، ورغبة أمريكية بطيّ ملف الصراع في سوريا، أو على الأقل إلغائه من جدول اهتمامات واشطن بعد الآن، وهذا يعني بالضرورة انسحاباً عسكرياً كان قد بدأ العمل عليه رسمياً
العقدة التركية
لكن هؤلاء يرون أن تهديدات تركيا بشنّ هجوم عسكري جديد ضد “قسد”، والتي تصاعدت بشكل قوي خلال الشهر الماضي، أخّر تطبيق خطوات إضافية على طريق تنفيذ هذا الانسحاب، الأمر الذي جعل القادة الأكراد يروجون لوجود تطمينات أمريكية بعدم مغادرة القوات الأمريكية مناطق سيطرتهم.
 
وكان مظلوم عبدي، قائد قوات “قسد” قد أعلن في مقابلة مع موقع المونيتر الأمريكي، في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري أن “واشنطن أعطت ضمانات ضد عملية تركية محتملة في سوريا”. تصريحات جاءت بالتزامن مع حديث جهات إعلامية مرتبطة بـ”قسد” عن حصول مسؤولين في الإدارة الذاتية، زاروا الولايات المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، على ضمانات من قبل برايت ماكغورك، مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي، بتخلي إدارته عن فكرة سحب قواتها من سوريا.لكن بعد ساعات على تصريحات عبدي، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي ” إن شراكة الولايات المتحدة مع قسد تقتصر فقط على مكافحة تنظيم داعش”.ورغم أنه استدرك خلال مؤتمر صحافي وهو يرد على سؤال حول صحة ما جاء على لساني عبدي بالقول: “إن هذه الشراكة مستمرة لأن تهديد داعش ما زال مستمراً”، إلا أنه أكد عدم علمه بإعطاء واشنطن ضمانات لـ”قسد” بدعمهم ضد أي عملية تركية محتملة في سوريا.”
 
ضبابية متعمدة 
 
موقف أمريكي يرى البعض أنه مرتبك، بينما يرى آخرون أن الهدف منه في الواقع إرباك الآخرين، لجهة عدم وضوح هذا الموقف بشكل حاسم.ضبابية عززتها مزيد من التصريحات والتحركات الأمريكية خلال الأيام الأخيرة الماضية، حيث التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى شمال شرق سوريا ديفيد براونشتاين مع رئاسة المجلس الوطني الكردي افتراضياً عبر الإنترنت، كما زار وفد الخارجية مجلس مدينة الرقة المحلي التابع للإدارة الذاتية، والتقى أيضاً مع رئيسي المجلس المدنيين.أنشطة ذات دلالة تؤكد استمرار عناية واشنطن بمنطقة شمال شرق سوريا، لكن في الوقت نفسه لا تعبر عن الكثير، بدلالة المستوى المنخفض للمسؤولين الأمريكيين الذين يقومون بها.
 
ولتفسير هذا الغموض، يرى السياسي والإعلامي السوري أيمن عبد النور، أن الموقف الأمريكي من مناطق شمال شرق سوريا هو “موقف الحماية” وهذا لا يتطلب وجوداً عسكرياً كبيراً، لكنه في الوقت نفسه لا يسمح بالانسحاب الكامل.ويقول في تصريحات لـ”أورينت نت”: الرئيس الأمريكي جو بايدن أبلغ المسؤولين الأكراد من خلال موظفين بإدارته التقوا معهم أنه طالما بقي في منصبه فإن “الحماية” الأمريكية لمنطقة نفوذهم باقية، وبالتالي فالوجود العسكري الأمريكي سيستمر بالتأكيد “لكن هذا لا يمنع سحب قسم من القوات وتخفيف الاعداد”. 
 
إلا أن عبد النور، المقيم في الولايات المتحدة، يؤكد أن لدى الديمقراطيين خطة شاملة للانسحاب العسكري المدروس والمنظم من كافة المناطق التي يوجدون فيها خارج البلاد تقريباً، وليس فقط من سوريا، مع الإبقاء طبعاً على المظلة الأمريكية التي تكفي لضمان أمن حلفائها، وقادة قسد قد يكفيهم مجرد رفع العلم الأمريكي في مناطق سيطرتهم ليستفيدوا من هذه الحماية، إلى حين التوصل لاتفاق بين الأكراد من جهة، والنظام وروسيا من جهة أخرى، وهو ما تدفع واشطن لتحقيقه دفعاً.
 
انسحاب أمريكي محسوم من شمال شرق سوريا، لكن التوقيت يبقى هو النقطة التي لا يمكن حسمها، لذلك تريد الدول الأخرى الاستفادة من رغبة الولايات المتحدة بوضع حد لوجودها العسكري في سوريا بتحقيق أكبر قدر من المكاسب، بينما تريد واشنطن عدم ترك حلفائها في قوات “قسد” لقمة سائغة لأي من تركيا أو النظام.لذلك يعتقد الصحفي والمحلل حسن محفوظ أن “أمريكا تريد تثبيت الوضع الراهن وعدم السماح لروسيا بالاستفادة بشكل كامل من انتصاراتها العسكرية سياسياً واقتصادياً إلى أن يتم التوافق معها على اتفاق شامل يبعد إيران عن حدود الجولان”.ويضيف في حديث لـ”أورينت”: عملياً ليس هناك انتصار كامل لأي طرف دولي أو إقليمي في سوريا، سواء أمريكا أو روسيا أو تركيا أو إيران، أما التمدد الروسي بمناطق نفوذ الولايات المتحدة شرق الفرات فهو بالواقع تمدد بالقرب من مناطق النفوذ التركي، وواشنطن تريد وضع الطرفين بمواجهة بعضهما البعض، أما في مناطق النفط فغير مسموح للروس الاقتراب منها.تعمل الولايات المتحدة بقوة وبتعجل ربما على أن يتوصل قادة “قسد” إلى اتفاق شامل مع النظام بضمانة روسيا، قبل أن تطلب من قواتها مغادرة سوريا، ضمن خطتها الشاملة لسحب قواتها من الخارج، وهي الاستراتيجية التي يتبناها الديمقراطيون لكن بشرط أن تكون مدروسة وألا تؤدي إلى استفادة خصومها وتهديد أمن أمريكا القومي بالنهاية.

مقالات ذات صلة

USA