محمود الوهب
موقع تلفزيون سوريا:12/11/2020
ترددت قبل أن أكتب عن مؤتمر عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم وإعادة إعمارها.. فهذا الموضوع لا يثير الدهشة والاستغراب فحسب، بل لعله يدعو إلى البكاء فعلاً إذ هو أشبه بالحراثة في الهواء أو بالكتابة على الرمال لكن الأمر الأكثر غرابة أن المنافقين ممن تبقى داخل سوريا من شبيحة وأثرياء حرب جدد يتحدثون على هواء القنوات الفضائية على نحو إيجابي لمؤتمر لا ينتظر غير الفشل الذريع لأسباب سيأتي ذكرها..لا شك في أن مؤتمراً لعودة اللاجئين ضرورة موضوعية تستدعي التأييد إذ يشكل مفتاحاً لحلِّ المسألة السورية، ولكن أي مؤتمر يريده الشعب السوري ومن المعني بعقده؟!
إنه المؤتمر الذي يجيء على أرضية نظيفة خالية من كل من تسبب بما حصل لسوريا وشعبها ولبيان ذلك لا بد من عودة إلى الوراء قليلاً لا إلى بداية عام 2011 بل إلى السنوات العشر التي سبقتها إذ هي جاءت امتحاناً للوريث الذي أتى حاملاً شعار “التطوير والتحديث ومكافحة الفساد” فلم يفعل إلا أن زاد الطين بلة، بنقله ظاهرة فساد الأسرة الحاكمة من السرِّ إلى العلن، ومن خلال إطلاق يد ابن خاله رامي مخلوف لنهب الدولة والشعب وفق القانون أو اللعب عليه أحياناً، وغالباً وفق تعليمات شفهية، فكم من مستثمر سوري أو عربي شكا أمر التعقيدات التي تواجهه للقصر الجمهوري كحل أخير مستعجلاً البدء ببناء مشروعه فكان الترحيب به وافراً، ويعطى لأجل ذلك رقم هاتف رامي مخلوف لحل ما يعترضه من مشاكل، وكان “الرحيم” رامي جاهزاً بشرط بسيط، هو مشاركة صاحب المشروع أرباحه، تحت مزاعم مختلفة، وبنسب تتراوح بين 15 و 25% كحد أدنى! وهكذا جاء تنفيذ شعار التطوير والتحديث زيادة في الخراب على غير صعيد وحين هب الشعب محتجاً على تلك الأوضاع وفي مقدمتها تأصيل الفساد وقوننته لا في ميادين الاقتصاد ومفاصل الدولة الرئيسة بل فيما يسمى بالمحرمات كالجامعات والقضاء والمؤسسات الدينية حيث أصابع الأجهزة الأمنية تعيث فساداً في كل مجال..
لعلَّ روسيا تلح على انعقاد المؤتمر أكثر من غيرها إذ هي بحاجة ماسة لما أنفقته من أموال ولا سبيل أمامها لاستردادها غير عودة الأمن والاستقرار إلى سوريالعلَّ روسيا تلح على انعقاد المؤتمر أكثر من غيرها إذ هي بحاجة ماسة لما أنفقته من أموال ولا سبيل أمامها لاستردادها غير عودة الأمن والاستقرار إلى سوريا والتجديد لبشار الأسد ضمانتها لتثبيت ما ابتزته من اتفاقات في المجالين العسكري والاقتصادي..
وتدرك روسيا الحال الذي وصل إليه الاقتصاد السوري، بتجاوزه الخط الأحمر أي التهديد بعدم القدرة على تقديم رغيف الخبز، بينما وصل السوريون الذين فضَّلوا البقاء داخل وطنهم، أو لم يجد بعضهم سبيلاً إلى الهجرة بمعاناتهم حدَّ الاختناق! وبغض النظر عن موقفهم مع أو ضد النظام، فهؤلاء جميعاً قد بلغ بهم التحمل حدوده القصوى، وأن هذا اللغط الذي يجري حول الغلاء ما هو إلا عتبة أولى للانفجار! وما تعلمه روسيا علم اليقين، وتتجاهله عن عمد، هو أن أمر إعادة الإعمار منوط بتوافق دولي، والتوافق الدولي لن يتحقق ما لم يتفق السوريون جميعاً على حل دائم يؤمن لهم الأمن والاستقرار..
ومن هنا لا يمكن لروسيا أن تقوم بأعباء الإعمار بقرار منفرد، اللهم إلا إذا استطاعت أن توظف مئات مليارات الدولارات، ولكن هؤلاء القادرين لا يأتمرون بأمرها حتى وإن كانت لهم مصلحة، أما هي بالذات فمن أين لها، إذ يعاني اقتصادها ما يعانيه وربما وضعت ما لديها في حربها الوحشية ضد سوريا والسوريين، فهي المسؤول الأول عن خراب سوريا، وتهجير أهلها لا منذ دخولها في 30 أيلول من العام 2015 بل منذ الفيتو الأول في الرابع من تشرين الأول عام 2011، ذلك الفيتو الذي رفعته روسيا والصين ضد إدانة بشار الأسد، وفرض عقوبات على نظامه ما شجعه على الاستمرار في قتل السوريين، ومع ذلك لم تكتف بمواقفها ضد كل ما يهيئ الأمن والسلام للسوريين، فما إن فشل الأسد وجيشه “الباسل” ومعه حزب الله، وبقية الميليشيات الإيرانية، لم تتوان عن المجيء بسلاحها وضباطها ومرتزقتها ومراوغاتها السياسية، لمتابعة أسلوب التوحش ذاته الذي بدأه الأسد إلى أن غدا ثلث السوريين في المخيمات والمهاجر ناهيكم بمئات ألوف القتلى ومثلهم في المعتقلات وأضعاف أضعافهم من اليتامى والمعوقين والمفقودين وحرمان ثلاثة ملايين طفل على الأقل من التعليم الابتدائي..! وعدة احتلالات تلعب اليوم دور “المايسترو” في ترتيب خراب بلد كان مقدراً لشعبه أن يكون الرائد والنموذج في منطقته والعالم..لا شك في أن الوضع القائم في سوريا الآن لا يشجع أحداً على العودة فلا الوضع المعيشي ولا الوضع الأمني يشجعان على العودة، ورغم ذلك يمكن أن يعقد المؤتمر ويعطي نتائجه الإيجابية وذلك في حالتين اثنتين:
الأولى أن تكون لروسيا القدرة على إقناع النظام وإيران بتطبيق القرار 2254 ثم تذهب إلى مجلس الأمن وتقول: إن النظام في سوريا مستعد لتطبيق ذلك القرار وتعالوا نتفق مع الشعب السوري على الكيفية. وهذا أمر قد يبدو صعباً لكن احتماله وارد وممكن..
أما الحال الثانية فهي أن يصدر بشار الأسد عدة مراسيم يتم تنفيذها بضمانات دولية منها: الإفراج عن المعتقلين السياسيين كافة، والإعلان عن مصير المفقودين، ومرسوم آخر يقضي بسحب الأسلحة من الميليشيات كافة، وإعادة الجيش إلى ثكناته ما دامت الحرب قد انتهت بحسب بوتين الرئيس الروسي..أما ما يساعد السوريين على استعادة وحدتهم ووحدة وطنهم وإعماره، فمرسوم ثالث يفرض على من نهب البلد خلال خمسين عاماً أن يعيد ما اختلسه بطرق شتى بمن في ذلك عائلة الأسد طبعاً السابقون منهم واللاحقون، وعائلة مخلوف، وشركاء العائلتين، إضافة إلى الأثرياء الجدد وأثرياء الحرب الذين تاجروا بدم الشعب ولقمة عيشه ودفئه وصحته ويمكن استرداد هذه الأموال عبر محاكم داخل سوريا وخارجها..
أعرف أن هذه المطالب أشبه بحلم مستحيل، ولكنها الحقيقة التي لا حل دائم من غيرها في سوريا، ويمكن أن تكون استقالة أو إقالة بشار الأسد، على نحو ما، بداية مناسبة..!