نصر الحريري
القدس العربي:25/8/2020
يستمر السوريون بتكبد الخسائر ودفع الأثمان جرّاء بقاء هذا النظام جاثماً على حاضرهم ومستقبلهم، سواء عبر تعرضهم المستمر للقصف ونزوح وتهجير الملايين من أبنائهم، أو بسبب اضطرارهم للعيش في مناطق سيطرة النظام في ظل الغلاء والفقر ومخاطر الاعتقال والتعذيب، إضافة إلى التدهور الرهيب في الأوضاع الصحية والخدمية.يشكل الانتقال السياسي في سوريا ضرورة سياسية واقتصادية وإنسانية واجتماعية وأمنية وقانونية ودولية أيضاً، ما يعني أيضاً أن تعطيل هذا الانتقال، وعرقلته وتأجيله المستمر، يكبد كل هذه المحاور أثماناً متصاعدة.ويكاد المجتمع الدولي أن يكون منعدم الوجود بما يخص الشأن السوري، فمجلس الأمن معطل، والجمعية العامة بلا مخالب، والأمم المتحدة بكل مؤسساتها ومكاتبها عجزت طوال عشر سنوات عن اتخاذ أي خطوة فعلية وعملية ضد نظام مستبد ارتكب كل ما يمكن ارتكابه من جرائم وتسبب بسقوط نحو مليون شهيد سوري وهجّر نصف الشعب من منازلهم.واليوم يتساءل السوريون، ما هي بالضبط حدود الإجرام التي يجب على النظام أن يتجاوزها لكي يتحرك المجتمع الدولي بشكل حاسم ونهائي؟ألم يرتكب النظام حتى اليوم ما يستدعي ذلك التحرك؟ ما مقدار الدماء التي يجب أن تسيل؟؟ وكم مليوناً يجب أن يقتل ويهجّر؟؟! وكم من السنوات أو العقود يجب أن يستمر هذا القتل والتدمير قبل أن ينطق المجتمع الدولي بكلمة «كفى».النظام الاستبدادي: هل العالم مستعد للتعايش مع هذا النظام الاستبدادي الإرهابي لنصف قرن آخر؟!! وهل يدرك العالم فعلاً معنى بقاء مثل هذا النظام لكل ذلك الوقت، وحجم الأثمان التي سيدفعها العالم جرّاء ذلك؟!للأسف، ليس من إجابة عن هذه التساؤلات إلا داخل المنظمة الدولية، الأمم المتحدة مسؤولة، كمؤسسة دولية أخذت على عاتقها مهمة صون السلم والأمن الدوليين، أن تأخذ دورها الحقيقي تجاه الملف السوري، وأن تضع الأولوية القصوى لدعم حل سياسي يستند إلى قراراتها، وأن تضع جميع الدول الفاعلة في المجتمع الدولي وأطراف الصراع أمام مسؤولياتها بشكل إلزامي ومباشر.إن الأطراف المتورطة في الجرائم لن تغير سلوكها ومواقفها طواعية، المجرمون لا يتوقفون عن إجرامهم انصياعاً لأي وازع داخلي أو أخلاقي، وإنما بقوة القانون، واليوم لم تعد للمجتمع الدولي أعذار قانونية، فالإطار القانوني للخروج من حالة العطالة موجود، وهو قائم على القرار 2118 والقرار 2254، باعتبارهما يضعان الأسس اللازمة لتحرك دولي يمكن أن يفرض على النظام الالتزام بالحل السياسي وصولاً لعملية انتقال سياسي حقيقية. فالقرار 2118 يفتح الباب أمام تحرك دولي تحت الفصل السابع في حال خرق النظام القرار المتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية، والتي بالمناسبة تمر الذكرى السابعة في 21 آب/ أغسطس لاستخدام نظام الأسد لغاز السارين الكيميائي في مذبحة الغوطة الشرقية بدمشق سنة 2013.حيث قرر مجلس الأمن الدولي في المادة 21 من القرار 2118، في حال عدم الامتثال، بما يشمل نقل الأسلحة الكيميائية دون إذن، أو استخدام أي أحد للأسلحة الكيميائية في سوريا؛ أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مشدداً على إبقاء هذه المسألة قيد نظره الفعلي!!ولكي تبقى المسألة قيد النظر فعلاً، فإن من واجبنا أن نذكّر المجلس بتقرير فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الصادر في نيسان-إبريل الماضي والذي أكد مسؤولية قوات النظام عن استخدام الأسلحة الكيميائية، غاز السارين على وجه الخصوص، ضد المدنيين، في قصف بلدة اللطامنة شمالي محافظة حماة خلال شهر آذار- مارس من عام 2017.يجب فعلاً أن نذكّر مجلس الأمن الدولي بهذا التقرير، خاصة وأن موقع الأمم المتحدة باللغة العربية لم يتكبّد عناء تناول هذا التقرير أصلاً، ولا ترجمة أي خبر عنه، ولا حتى الإشارة إليه عرضاً، والحديث هنا طبعاً عن التقرير الصادر في 8 نيسان- أبريل 2020، والذي خلص إلى مسؤولية قوات النظام عن استخدام غاز السارين في هجوم على مدينة اللطامنة. الأمر الذي يزيد من الشكوك التي تدور حول غياب المنظمة الدولية عن متابعة موضوع في غاية الخطورة بقدر كاف من الجدية والمهنية. وما يعني فعلياً أننا مطالبون بتذكير المنظمة ومجلس الأمن أيضأً بنتائج هذا التقرير كل يوم وكل ساعة وفي كل مناسبة.المناخ الدولي: يجب أن تكون هذه المعطيات حاضرة أشد الحضور خلال اجتماعات اللجنة الدستورية، المناخ الدولي يجب أن يكون صارماً وعلى كل الأطراف أن تدرك أن الخيارات قليلة ويجب التمسك بالحلول العادلة وتعزيز فرصها بالنجاح، أو تكون البدائل صعبة وعسيرة.تمثل اللجنة الدستورية واحدة من بوابات الحل في سوريا، وهي بحاجة إلى دفع دولي وتعزيز لدورها بما يضمن بدء عملها الحقيقي ومنع أي فرصة لتعطيل عملها من قبل النظام. كلنا نأمل بأن لا تتأثر الاجتماعات بأي شيء خارجي وأن يلتزم المجتمعون بالعمل على إنجاح مهمتهم.ونحن ملتزمون وسنسعى لدعم جدول الأعمال كما هو، وليس لدينا في الوقت نفسه أي شكوك أو أوهام تجاه نوايا النظام، إننا نعرفه جيداً، ونتوقع أنه سيلجأ لكل وسيلة ممكنة لعرقلة جدول الأعمال، سواء عبر التصعيد على الأرض أو عبر توجيه ممثليه لحرف جدول أعمال الاجتماعات، وهنا يأتي دور الدول الراعية للعملية السياسية والأمم المتحدة لتضع حداً للتلاعب المستمر بجدول الأعمال والتهرب المتكرر من استحقاقات العملية السياسية من قبل النظام.القرارات الدولية: المعارضة السورية بكل إمكاناتها ومؤسساتها جاهزة للانتقال السياسي في سوريا، وهي ملتزمة بمبادئ الحل السياسي وفق القرارات الدولية، ولم تضع أي شروط مسبقة للتفاوض، وهي مدعومة بإصرار شعبي على رفض النظام، فالتطورات تؤكد أن الشعب السوري ملتزم بخياراته وقادر على مواصلة صموده، وأن النظام بالمقابل عاجز عن تحقيق أي تقدم حقيقي على الأرض، وأن المجازر وجرائم الحرب وقصف الأحياء السكنية هي الإستراتيجية التي تقوم عليها كل خطط النظام والاحتلال الروسي والميليشيات الإيرانية.وكل الأطراف تدرك أن الجيش الوطني السوري والفصائل المنضوية تحته لم تبادر إلى خرق أي اتفاق أو تفاهم للتهدئة، وأن الحل السياسي كان ولا يزال المسار الذي وافقت عليه قوى الثورة والمعارضة السورية لاستعادة حقوق الشعب السوري وتحقيق أهداف ثورته وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة.إن الاستعصاء القائم حالياً ما بين انهماك النظام اليائس بالنهج العسكري، وما بين الصمود الاستثنائي للشعب السوري يعيد وضع المسؤولية على عاتق المجتمع الدولي باعتباره الطرف الوحيد القادر على لجم النظام وحلفائه وإرغامهم على التوجه نحو حل سياسي حقيقي.لقد كانت السنوات العشر الماضية صعبة وعسيرة، وعلى الجميع أن يتكاتف لمنع استمرارها ووقف أسبابها، يحتاج السوريون إلى مجتمع دولي يقف بجانبهم ليحققوا نهاية مشرفة لنضالهم الطويل، وليفتحوا أبوابهم نحو المستقبل، ويتمكنوا من العودة إلى وطنهم وبنائه والمساهمة في إعادة إعماره، في ظل حكم رشيد يختارونه بحرية ووعي.إن السوريين وبكل عزيمة وإصرار يرفضون خيار الرضوخ للاستبداد، وهم يرفضون في الوقت نفسه استمرار الألم والقتل والتجويع والإجرام وسلب الثروات، وكل ما يحتاجونه من المجتمع الدولي يقتصر على التزام هذا المجتمع بتفعيل قراراته وتعهداته.رئيس الائتلاف الوطني السوري