مروة شبنم أوروج
وُلد عبد الله أوجلان، بحسب زعمه، في بلدة خلفتي التابعة لولاية شانلي أورفا جنوب غرب تركيا، من أمّ تركيّة وأبٍ كرديّ. وتذكر بعض التقارير أن مولده ما بين 1947 و1948، إلا أن السجلات الجامعية تُظهر أنه من مواليد 1951.
ومن المثير للاهتمام أن أوجلان، الذي لم يكن زعيمًا عاديًا بل كان معبودًا لأعضاء منظمة حزب العمال الكردستاني (PKK) الإرهابية ومؤيديها، كان يحلمُ بأن يكون جنديًا في طفولته، وفقًا لمصادر موثوقة. لكنه عندما لم يتمكن من اجتياز امتحانات الثانوية العسكرية، التحق بثانوية الأناضول للسجل العقاري المهنية.
والغريب أن زعيم المنظمة الماركسية اللينينية كان في السابق محافِظًا (يمينيًا إسلاميًا). وبحسب كتاب “الملفّ الكردي” للصحفي أوغور مومجو، وهو من أهمّ الصحفيين الأتراك وقد اغتيل عام 1993، كان أوجلان يصلّي في مساجد أنقرة أحيانًا، ويشارك في الأنشطة المناهضة للشيوعية، وينضمّ إلى اجتماعات جمعية مكافحة الشيوعية.بينما كان أوجلان يمارس عمله كموظف في ديار بكر عام 1969، التحق بكلية الحقوق، وفي العام ذاته نقل تعليمه إلى كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة. وخلال سنوات دراسته الجامعية، أصبح مهتمًا بالآراء الشيوعية.
انضمّ أوجلان في الجامعة إلى مجموعة لها صلة بـ “جبهة حزب التحرير الشعبي التركي” (THKP-C) الماركسية اللينينية، التي تبنّت حرب العصابات تحت قيادة معراج أورال، المعروف في سورية باسم علي كيالي، على الرغم من أنه لم يكن عضوًا في تلك الجبهة.ومن الأمور المثيرة للاستغراب، أن رئيس حزب وطن (vatan partisi) دوغو بيرينجيك، المعروف بتأييده الصريح لبشار الأسد والذي يدعو اليوم للتعاون مع النظام السوري لمواجهة حزب العمال الكردستاني (PKK)، اعتُقل عام 1972 مدة 7 أشهر، بتهمة توزيع منشورات للحزب الثوري الشيوعي الذي كان يترأسه في تلك الفترة، وكان قد التقى بأوجلان في تشرين الأول/ أكتوبر 1989 ونيسان 1991، في سهل البقاع اللبناني الذي كانت تحت سيطرة سورية.
أوجلان الذي بدأ يحلم بدولة كردستان اشتراكية بدأ يحشد المؤيدين لمشروعه عام 1973، ويجري اجتماعاته في منزلٍ استأجره مع أصدقائه في أنقرة. بعد عام، تحولت تلك الاجتماعات إلى منظمة سميت بـ “جمعية أنقرة الديمقراطية للتعليم العالي”.
وبعد وقت قصير، بدأت هذه الجمعية ممارسة أنشطة دعائية موجهة للشباب الكردي، وذلك من خلال نقل مقرّها إلى منطقة جنوب شرق تركيا حيث يوجد الأكراد بكثافة. ومن بين مؤسسي هذه الجمعية أسماء بارزة في إدارة تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK) الإرهابي، كـ جميل بايق ودوران كالكان ومصطفى كاراسو.تم إغلاق الجمعية عام 1975 بسبب دعاياتها الشيوعية، ومع ذلك استمرّت المجموعة الصغيرة التي انطلقت من أنقرة في النمو مع وجود المتعاطفين جنوب شرق البلاد، وذلك من خلال تسمية أنفسهم بـ “الآبوجيين”، وسمّيت أنشطتهم بـ “الآبوجية”، انطلاقًا من كلمة “آبو”، وهي اختصار لـ عبد الله (الاسم الأول لأوجلان) بين الأكراد.
بدء الآبوجيون عام 1978 بإبراز اسمهم عن طريق استهداف العشائر الكردية في جنوب شرق تركيا على وجه الخصوص، وكان الهدف من ذلك إيقاف وتخويف من سيعارضهم من الأكراد، أو قطع الطريق على المجموعات التي يمكن أن تكون بدائل عنهم. في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 1978، في اجتماع جرى في حي (فيس) في بلدة ليجة التابعة لديار بكر، تم تحديد اسم التنظيم الذي كان معروفًا بـ “أصحاب الأحذية العمالية”، بسبب ارتدائهم هذه الأحذية في أثناء هجومهم على عشيرة بوجاك الكبيرة، والمعروفة في بلدة سيفرك في أورفا، بـ “حزب العمال الكردستاني” (PKK).
وفي الاجتماع ذاته، أعلن التنظيم توسيع نطاق نشاطه، وأنه سيبدأ تطبيق أنشطته في المدن.حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي قتل 243 شخصًا، منهم 213 مدنيًا، في حرب المدن التي استمرت ثلاث سنوات وتوقفت بسبب انقلاب 12 أيلول/ سبتمبر 1980 وحكم المجلس العسكري، قرر عام 1984 بدء حرب شعبية طويلة الأمد، في إطار المفهوم الذي طرحه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ.
وقام التنظيم بأول هجوم كبير في 15 شباط/ فبراير 1984. حيث هاجم الإرهابيون مراكز الشرطة ومخازن الأسلحة في بلدتي (إروه) في سيرت و(شمدينلي) في هكاري، منذ ذلك الحين، لم يغب تنظيم PKK من أجندة الإرهاب في تركيا.منذ سنواته الأولى، استخدم تنظيم (PKK) الهجمات الإرهابية ضد المدنيين، وخاصة الأكراد منهم، كأسلوب للقمع.
ففي التسعينيات استهدف تنظيم (PKK) المعلّمين الذين عينتهم تركيا جنوب شرق البلاد، وأحرق العديد من المدارس، وأعدم المعلمين رميًا بالرصاص، بعد زعم أوجلان أنهم “جزء من مشروع دمج الأكراد”. وفي الثمانينيات والتسعينيات أيضًا، اقتحم تنظيم (PKK) القرى، وارتكب فيها مجازر راح ضحيتها العديد من المدنيين.
في المرحلة التي بدأ فيها تنظيم (PKK) بشنّ حملة كبيرة لتدمير جنوب شرق تركيا حيث باتت ممارسة الحياة الطبيعية على إثر الهجمات مستحيلة، كانت مجلة (SERXWEBUN) التابعة للتنظيم تصوّر المجازر على أنها “قتل عملاء الدولة والمتعاونين معها”، في حين كان من بين القتلى نساء وأطفال ورضّع. حتى يومنا هذا، تسبب تنظيم (PKK) في مقتل ما لا يقل عن 40 ألف شخص في تركيا.
بالرغم من اعتقال عبد الله أوجلان زعيم تنظيم (PKK) بعملية في كينيا، في 15 كانون الثاني/ يناير 1999 ومن ثم سجنه، أعاد التنظيم الإرهابي ترتيب صفوفه، واستمر في نشاطاته الإرهابية، بفضل عناصر رفيعي المستوى قد درّبهم في أثناء وجوده في سورية.لا تستغربوا من ذلك، فأوجلان عاش في سورية 19 عامًا، وذلك عندما علم أن المخابرات التركية وقوات الأمن تلاحقه، بعد حادثة سرقة مشفى “غوفان” التي شارك فيها كـ مستطلع عام 1978، هرب من أنقرة واختبأ في منطقتي “فيران شهير” و”سوروج” قرب الحدود التركية السورية، ومن ثم انتقل إلى سورية.
في مقابلةٍ أجراها مع إحدى القنوات الإعلامية التركية عام 2011، بالتزامن مع ازدياد قمع التظاهرات، قال نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام (الذي كان يُعدّ الصندوق الأسود لحافظ الأسد وهرب عام 2005 لخلافه مع بشار الأسد) واصفًا مجيء أوجلان إلى دمشق: “لعب شقيق حافظ الأسد جميل الأسد، الذي توفي في كانون الأول/ ديسمبر 2004، دورًا مهمًا في تثبيت إقامة عبد الله أوجلان في سورية، في تموز/ يوليو 1979.
أظن أن جميل الأسد جلب أوجلان ليستخدمه ضد تركيا، على الرغم من معارضتي لذلك، بصفتي نائب الرئيس والمسؤول عن السياسة الخارجية. كان جميل الأسد مقرّبًا من أوجلان، ولم يكن حافظ الأسد يلتقي بأوجلان بشكل مباشر، لكنه كان يتلقى المعلومات التي تخص أوجلان من شقيقه جميل بشكل دوري”.معلومة أخرى قدّمها عبد الحليم خدام كانت لافتة للنظر: “خلال هذه الفترة، كان أوجلان يقيم في مبنى واحد مع الملحق العسكري التركي وسط دمشق.
كانوا في طوابق مختلفة في المبنى نفسه. ولم يكن الملحق التركي على علم بذلك. وعندما قال ضابط استخبارات النظام لأوجلان: أنت تقيم في مكان خطير، أجاب أوجلان: أعلم منذ اليوم الأول أنني في المبنى الذي يسكن فيه الملحق العسكري التركي، لكنه لا يعرف أنني هنا، أنا مرتاح جدًا، لن يخطر في بال أحد أنني في المبنى الذي يقيم فيه مسؤول تركي رفيع المستوى، وهذا يعني أنني أعيش في أكثر المباني أمانًا في سورية”.عمل زعيم تنظيم (PKK) الإرهابي عبد الله أوجلان الذي عاش تحت حماية النظام السوري، من عام 1979 حتى 1998، على إدارة جميع الأنشطة الإرهابية التي استهدفت تركيا من داخل الأراضي السورية طوال 19 عامًا.
واضطرت إدارة حافظ الأسد التي لم تكترث للتنبيهات التركية، إلى إخراج زعيم التنظيم الإرهابي من الأراضي السورية عام 1999، خوفًا من تلميحات أنقرة بشن حربٍ على دمشق، عقب الرسالة التي وجهها قائد القوات البرية التركي أتيللا أتيش، إذ قال: “لقد نفد صبرنا”.
إن عملية إعدام تنظيم (PKK) الإرهابي لـ 13 مواطنًا تركيًا، كانوا قد أُسروا سابقًا، بالتزامن مع إطلاق تركيا عملية (مخلب النسر-2) ضد التنظيم الإرهابي في منطقة (غارا) شمال العراق، جعلت الحزن يخيّم على كل البلاد.وبهذه المناسبة، أردت تسليط الضوء على تنظيم (PKK) الإرهابي، وعلاقته بالنظام السوري التي هي من العوامل التي تؤثر بشكل مباشر في سياسة تركيا تجاه الحرب في سورية.
إذا اتضحت تفاصيل هذه العلاقة من الماضي حتى الحاضر، فستتّضح بعض المواقف الغامضة، لكن شرحها كلها غير ممكن هذه المقالة، لذلك سأستكمل الكتابة في المقالة المقبلة من حيث انتهيت.