عمر كوش موقع تلفزيون سوريا:10/1/2022
تنطلق دراسة “إعادة الائتلاف الوطني السوري”، المنشورة على موقع مركز جسور، من اعتبار أن هذا الجسم السياسي هو الممثل السياسي الرئيسي للمعارضة السورية في مفاوضات الحل السياسي، وفي أية تسوية داخل أو خارج الأمم المتحدة، وعليه فمن الواجب أن يكون الائتلاف مناسبا للاستحقاقات السياسية بمختلف سيناريوهات حل القضية السورية المرحلية أو النهائية، وتقترح من أجل إعادة إنتاجه اللجوء إلى تضخيم جسمه، أو بالأحرى تكبير عدده، ليتراوح عدد أعضائه بين 100 و 150 عضواً، وذلك عبر ضم أعضاء جدد من باقي القوى السياسية الفاعلة إليه، إضافة إلى ضم كتل جديدة، بعضها لا يمثل قوى سياسية، والذريعة هي أن إعادة الحيوية إلى الائتلاف، التي تفترض أنه كان حيوياً في السنوات السابقة، تقتضي تزويده بأعضاء جدد غير مستهلكين بالتجارب السابقة، مستثنية ضم الأعضاء المستقيلين من الائتلاف، سواء أولئك الذين استقالوا منه بمحض إرادتهم أم أولئك الذين أخرجوا منه، من منطلق أن لا فائدة من ذلك، وهذا معيار لم يذكر في الدراسة، التي تحدد معاييرها لضم الأعضاء الجدد في الكفاءة والتأثير وتوسيع التمثيل مع وجوب توفر الولاء والفاعلية، ثم تقترح إعادة النظر في تمثيل الكتل وإعادة إنتاجها من القوى السياسية والمكونات المؤثرة، منها ما هو موجود في تشكيلة الائتلاف منذ تشكيله إلى اليوم، ومنها بعض القوى الجديدة.
غير أن اللافت هو أن كتاب الدراسة، أو بالأحرى كتاب التقرير ومحرريه، لم يكلفوا أنفسهم عناء التدقيق في تاريخ تأسيس الائتلاف، الذي صادف في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2012، وليس في “نهاية 2013” حسبما ورد في دراسة مركز جسور، فالدقة من المفترض أن تكون عنواناً في جميع مخرجات مراكز الدراسات والبحوث أو أن تغلّب المعرفي على الإيديولوجي فيها.
وإذا نظرنا إلى المعايير الواردة في التقرير، نجد أنه يركز على العمومية في السمات الفردية للأعضاء، المتمثلة في الكفاءة والتأثير والتمثيل وتوفر الولاء والفاعلية، من دون تحديد كيفية تجسدها الشخصي، إلى جانب الارتباك في تعريفها واجتراح مفهومها، فمثلاً يجري تعريف الولاء بأنه “الانتماء للمشروع الوطني العام للمعارضة السورية، والمشترك مع حلفاء المعارضة الإقليميين والدوليين”،
حيث يجري فيه الخلط ما بين الانتماء والولاء مع حصر الانتماء بمشروع المعارضة، والأدهى من ذلك أنه يتضمن تلفيقاً مزعوماً عن تشارك حلفاء المعارضة الإقليميين والدوليين مع المشروع الوطني العام لها، إذ إن القاصي والداني يعلم أن حلفاء المعارضة الإقليميين والدوليين، الذين لا يسميهم التقرير، لديهم مشاريعهم القومية الخاصة بمصالحهم وصراعاتهم مع القوى الأخرى، وبالتالي ليس صحيحاً أنهم يشاركون المعارضة مشروعها الوطني العام حسبما يزعم التقرير، وخاصة فيما يخص “مرتكزات ذلك الالتزام بالديمقراطية والتعددية ومدنية الدولة، وضمان الحريات، ومواجهة الاستبداد، ووحدة سوريا”.
ويتحدث التقرير عن وجوب أن يكون الولاء للمشروع الوطني الجامع للشعب السوري، “والذي يجب أن يكون الولاء له مقدماً على أي ولاء آخر غير معارض ولا مغاير، حيث وجود ولاء آخر معارض أو مغاير يفقد العضو الشرط الواجب لعضوية الائتلاف”.
وهنا يجري الحديث عن مشروع وطني جامع للشعب السوري، بوصفه الشرط الأول للعضوية في الائتلاف، من دون أن تحدد الدراسة ماهية هذا المشروع، وهل هو نفسه المشروع الوطني العام للمعارضة؟ ثم إن الشرط الثاني “الواجب في جميع الأعضاء هو الفاعلية، بحيث يتم استبعاد كل عضو يتغيب عن الاجتماعات الدورية والطارئة، ومن ذلك استبعاد الأعضاء غير القادرين على المشاركة بحكم العامل الصحي مثلاً”، حيث يتم حصر الفاعلية في حضور الاجتماعات، ومن يتغيب يستبعد من الائتلاف، لكن فيما يخص الشروط الثلاثة الأخرى، وهي الكفاءة والتمثيل والتأثير، يكتفي التقرير بضرورة “توفر اثنين منها على الأقل في كل عضو في الائتلاف”.
وبناء على تحقق هذه المعايير أو الشروط في أعضاء الكتل يتم تقييم الكتل والمكونات في عملية إعادة إنتاج الائتلاف، وقبل ذلك يجري تقييم “قوة تأثير الكتلة ونشاطها كقوة سياسية في القضية السورية”.
المشكلة هي في النظر إلى الائتلاف الوطني المعارض بأنه يحتاج إلى عملية إعادة إنتاج، وهي بالأحرى عملية إصلاح لا أكثر، الغاية منها ضم أعضاء جدد وكتل جيدة، والظن بأنها ستفضي إلى إعادة الحيوية للائتلاف من خلال ضم شخصيات دينية إليه، ولا نعرف هل الائتلاف بالنسبة لواضعي التقرير كيان سياسي أم مرجع ديني؟ أم أن السياسي يجب أن يكون خاضعاً لمرجع ديني بالنسبة إليهم؟ الأمر الذي جعلهم يعتبرون أن “من الضروري أن تمثل المرجعيات الدينية بتمثيل مؤسساتي صحيح وليس ضمن كتلة المستقلين أو ضمن روابط محددة”، حيث يتم حصر المرجعيات الدينية في مكون واحد في موقف إيديولوجي فاقع، يشي بأن الإيديولوجي يطغى على المعرفي، من خلال اعتبار المجلس الإسلامي السوري من “أهم مؤسسات المعارضة السورية الجامعة”. ولا يُعرف على أي أساس أصدروا حكمهم بأنه مؤسسة جامعة، مع أنه لا يضم سوى شخصيات دينية من مكون مذهبي واحد فقط. وعليه تتبادر إلى الأذهان أن الغاية من عملية إعادة الإنتاج هي “أن يكون للمجلس الإسلامي تمثيل رسمي في الائتلاف”، أما الاقتراحات الأخرى حول إضافة كتلة السوريين الأميركيين والسوريين الأوروبيين، فتبدو لوصفها ليست ذات أهمية بالنسبة إلى واضعي التقرير.
ويتزامن التقرير مع الحديث عن إصلاحات يقوم بها الائتلاف نفسه، عبر إجراء تعديلات في نظامه الداخلي، لكن لم يتضح شيء منها، لأن الائتلاف كعادته تغيب الشفافية عن جميع خطواته، بوصفه أقرب إلى النادي المغلق، الذي تقتصر عضويته على مجموعة محددة من الأشخاص والقوى، لكن بالرغم من أن الحديث عن إصلاح الائتلاف يجري تداوله منذ عدة سنوات، فإن محاولات الإصلاح لم يتمخض عنها أي تغير في طبيعة الائتلاف وتركيبته، ولم تفضِ إلى إنهاء حالة الاهتراء والانقسام والتكتلات والتناقضات التي تعصف به، ودون أن يتم الارتقاء به إلى مستوى مؤسسة جامعة تمتلك لجانا ومكاتب تخصصية فعلية، وتحتكم إلى العمل البرامجي الممنهج، ولها خطاب سياسي واضح يخاطب جميع السوريين.
ويرجع أساس المشكلة، التي يجري التغاضي عنها، إلى أن الائتلاف غير قابل للإصلاح، كونه تشكل بناء على إرادة قوى دولية وإقليمية التي قدم بعضها – وما يزال – دعماً لوجستياً ومالياً له، وقام على مبدأ المحاصصة بين أحزاب وقوى وشخصيات سياسية، وعلى اشتراط الاحتكام إلى مبدأ التوافق بينهم في قراراته، لذلك بقي الائتلاف مرتهناً لتدخلات وأجندات القوى الدولية والإقليمية، وفقد استقلالية قراره السوري.
وأظهر كل ذلك حجم الأزمة البنيوية التي تعتريه منذ لحظة تشكيله، والتي أفضت إلى أن مجموعة من الشخصيات لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليدين باتت تتحكم به، بعد أن جرى تسويقها كي تتصدر المشهد السياسي للمعارضة السورية، حيث تنطحت لمهمة تمثيل قوى الثورة السورية والمعارضة، لكن واقع الحال أثبت أنها بعيدة كل البعد عن الثورة وناسها، وأنها لم تستثمر الفرص التي أتيحت أمامها لخدمة الثورة وناسها، كما لم تعمل على تجيير علاقاتها الإقليمية والدولية لصالح القضية السورية، بل جيرتها لصالح استثماراتها الشخصية والحزبية، وكان همها الانشغال بترتيبات وصفقات للاستحواذ على المناصب والمواقع داخل هيئات الائتلاف وخارجه.