يمكننا أن نتحدث طويلا حول تآكل الهوية الوطنية السورية الجامعة بسبب ممارسات العسكر الذين حكموا سورية منذ عام 1948 ومنعوا فرصة تشكل هذه الهوية، ويمكن الحديث مطولا عن المجتمع السوري وانقساماته الأفقية والعمودية والتي ساهمت إلى حد كبير في السماح لمافيا حافظ الأسد وبشار الأسد بحكم سورية طيلة نصف قرن من الزمان، ويمكن حشد عشرات المصطلحات والتعريفات والنظريات التي تشرح وتفصل كل ذلك، لكن شيئا واحدا فقط لم أهتدي بعد لنظرية أوتفسير مناسب له وهو مرض لا أستطيع توصيفه بشكل دقيق حتى اللحظة، هذا المرض الذي درجت على تسميته بمرض نقص المناعة الوطنية، بات يشكل أكبر من حالة فردية ليتحول إلى ظاهرة تستحق التوقف عندها رغم العجز عن تفسيرها.
ولنأخذ خمسة نماذج من هذه الحالات التي تحولت إلى ظاهرة، وهذه الحالات أو النماذج ليست أفرادا بل أصبحت أشبه بتيارات ينضوي فيها عدد كبير من الأفراد الذين يسعى كل منهم بطريقته لريادة التيار الذي يمثله:
1- النموذج الأول: مؤيد المجرم بشار:
هذا النموذج يبرر كل جرائم القتل التي ارتكبها بشار ويدعي أنه لا يدافع عن بشار وإنما عن الوطن الذي تتآمر عليه الدول وتتدخل فيه، هذا النموذج يقف صاغرا على حاجز يديره مرتزقة عراقيون وأفغان وإيرانيون ولبنانيون ويرفعون أعلامهم الطائفية التي جاؤوا للقتال تحت راياتها، وكذلك لا مانع لديه من رفع علم روسيا وإيران والتنظير بأنهم جاؤوا لحماية الوطن من المتطرفين الإسلاميين، هذا النموذج يوافق على أن ينتهك أجانب حرية وكرامة وسيادة وطنه بأعلامهم وجيوشهم وحقدهم الطائفي، ويوافق أن يقتل هؤلاء الغرباء أبناء شعبه من دون أن يرف له جفن ثم ينظر عن الوطنية وعن الوطن.
2- معارض ديمقراطي للمجرم بشار:
هذا النموذج يعارض المجرم بشار لأنه مستبد وطاغية ومجرم حرب، ويستند هذا المعارض الديمقراطي في معارضته على الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات التي يجب أن تتوفر للشعب، لكن في نفس الوقت يفتخر هذا المعارض الديمقراطي بأن إسرائيل وأمريكا ستفعل المستحيل من أجل وصوله للسلطة، ويفتخر بعلاقاته ولقاءاته مع أجهزة المخابرات الدولية بل يصل به الأمر إلى حد الكذب وادعاء أن رؤساء العالم “الحر” لا عمل لهم سوى الدفع بمشروعه للوصول إلى السلطة ليكون بديلا عن المجرم بشار، هذا المعارض الديمقراطي يحتقر الديمقراطية ويحتقر الشعب لأنه يسقط من حساباته أهم عنصر من عناصر الديمقراطية ومن عناصر بناء الدولة الوطنية التي يدعي أنه يسعى لبنائها وهو الشعب، فإرادة ضابط في الموساد أو ضابط في المخابرات الأمريكية أهم عنده من إرادة كل السوريين ومن آلاف الشهداء، وهذا الديمقراطي لا مانع لديه من أن تتحالف كل جيوش الأرض على أرض وطنه ما دامت ستوصله لقصر الشعب، بل إنه يهلل ويطبل ويزمر كل يوم ليبشر باقتراب تحالف الاحتلالات المختلفة لوطنه ليجدوا حلا سياسيا كما يتوهم يطيح بالمجرم بشار ويدفع به إلى واجهة الحكم.
3- معارض مافيوي للمجرم بشار:
هذا المعارض جنى ثروته من لعبة الفساد التي أنشأها المجرم حافظ الأسد ومن بعده المجرم بشار ودخل بشراكات مع رموز هذا الفساد وأصبح وكيلا لشركات روسية وممثلا للسلاح الروسي، هذا المعارض يشتم أمريكا وتركيا وإيران لتدخلهم في سورية لكنه يطبل ويزمر للتدخل الروسي الذي قتل من أبناء شعبه مائة ألف شهيد باعتراف المجرم بوتين نفسه، هذا المعارض يجد أن مصالحه كلها بانتصار روسيا على وطنه وأبناء شعبه لأنه يحلم بعقود إعادة الإعمار مع شركائه الروس ويحلم بأن روسيا ستعتمده وكيلا لها في المرحلة المقبلة ولذلك يغض بصره بالكامل عن كل جرائم المجرم بشار وجرائم روسيا في سورية ولا مانع لديه من الاحتلال الروسي لسورية الذي يراه نعمة وفرصة تلوح أمامه لإكمال نهبه وسرقاته وتجارته السوداء التي جنى ثروته من خلالها في السابق.
4- معارض إسلامي للمجرم بشار:
هذا المعارض لا يعارض المجرم بشار لأنه مستبد وطاغية، بل يعارضه فقط لأنه مجرم علوي ارتكب مذابح ضد السنة، ولذلك لا يمانع هذا المعارض من الاحتلال التركي لبلده ولا يرى في رفع العلم التركي أي شيء يعيبه بل يفتخر به ويعتز ” بالشقيقة تركيا” تحت ذرائع شتى منها قصة أنها تؤوي ثلاث ملايين لاجئ وهذا كلام صحيح لكنه لا يصلح تبريرا لانبطاحه أمام التركي ولا يصلح تبريرا لتفضيل مصالح تركيا على مصالح وطنه، لأن هناك دولا كثيرة تؤوي لاجئين سوريين ويعيشون بكرامة وبشكل أفضل ربما من حياتهم في تركيا ومع ذلك هذا المعارض يشتمهم لأن أنظمة حكمهم ليست إسلامية.
5- معارض علماني أقلوي للمجرم بشار:
هذا النموذج متردد وبلا طعم ولا رائحة، يدعي العلمانية لكنه لا يرى فيها سوى محاربة تدين الآخرين، وفي نفس الوقت يرى الثورة على المجرم بشار مجرد ثورة قام بها السنة الذين يشكلون خطرا على الأقليات، هذا المعارض يشتم الثورة وبشار وكل شيء لأنه لا يريد أن يقول شيئا، يغض بصره عن جرائم بشار ويفتح عينيه جيدا على جرائم الحركات المتطرفة، فميليشيا بشار بالنسبة له جيش الوطن بينما من يحمل السلاح ليدافع عن نفسه هو مجرد إرهابي سني متطرف.
هذه النماذج الخمسة السابقة ليست سورية التي أعرفها والتي يعرفها الملايين، هذه النماذج ليست الثورة السورية التي خرج فيها الملايين، هؤلاء للأسف من نسمع صوتهم لأن أهل الثورة المشردين والمهجرين والمعتقلين والمعذبين لم يعد أحد يلتفت إليهم، هذه النماذج مجرد أعداد قليلة وإن بانت بجعجتها وصياحها ورسائلها وتسجيلاتها وإطلالاتها الإعلامية ومرتزقتها أنهم كثير، لكنهم قلة قليلة سيلفظها السوريون وسيلفظها الشعب السوري وستلفظهم سورية وستبصقهم الثورة ، لأنهم عار على سورية وعلى حاضرها ومستقبلها.
محمد صبرا
29\5\2020