أنشأ الأمين العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية “OCPW” لجنة التحقيق وتحديد الهوية المعروفة ب”IIT” ،تنفيذا للفقرة 10 من قرار مؤتمر الدول الأطراف باتفاقية حظر استخدام وإنتاج السلاح الكيماوي الذي صدر في الاجتماع الاستثنائي للمنظمة بتاريخ 27 حزيران عام 2018 .
وكانت الفقرة 10 من قرار مؤتمر الدول الأطراف في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية قد نصت على أن تقوم الأمانة العامة للمنظمة بوضع ترتيبات لتحديد هوية مرتكبي استخدام الساح الكيماوي في سورية من خلال جمع المعلومات التي قد تكون ذات صلة باستخدام تلك الأسلحة والإبلاغ عنها في تلك الحالات التي تقوم فيها بعثة تقصي الحقائق بتقرير أنه من المرجح استخدام هذه الأسلحة وكذلك الحالات التي لم تصدر فيها آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر السلاح الكيماوي ومجلس الأمن تقريرا فيها، وتقدم تقارير هذه اللجنة إلى كل من المجلس التنفيذي لمنظمة حظر السلاح الكيماوي وإلى الأمين العام للأمم المتحدة.
بناء على هذا القرار بدأت اللجنة عملها في مطلع عام 2019 وتحديدا في شهر آذار منه، وأصدرت تقريرها الأول بتاريخ 8\نيسان\2020 والذي يؤكد مسؤولية النظام عن ثلاث من الهجمات التي تم استخدام الساح الكيماوي فيها.
تتمتع اللجنة بولاية قانونية مرنة وشبيهة بتلك التي تمتعت بها الآلية المشتركة وهي تتضمن التحقيق بالحالات التي يشتبه أن هجوما بالسلاح الكيماوي قد حدث، وكذلك تحديد الجهة المسؤولة عن الهجمات، مع التركيز على الهجمات التي وقعت في اللطامنة بتاريخ 24\25\30 آذار من عام 2017 .
مع ملاحظة أن اللجنة ليس من حقها أن تسمي الأشخاص المسؤولين عن إعطاء الأوامر باستخدام السلاح الكيماوي أو إسناد أي تهمة جنائية لهم بشكل فردي لأنها ليست لجنة قضائية، بل تنحصر مهتمها بتسمية الجهة التي استخدمت السلاح الكيماوي ، وكذلك ليس من حق اللجنة أن تحدد وجود خرق لاتفاقية حظر انتاج واستخدام الساح الكيماوي من عدمه، وهذا ما أوضحته اللجنة في تقريرها الأول الصادر بتاريخ 8 نيسان في الفقرة 2 منه .
خلصت اللجنة في تقريرها إلى أن هناك ثلاث هجمات تمت في اللطامنة في عام 2017 باستخدام السلاح الكيماوي، وهي :
1- الهجوم الذي وقع الساعة السادسة صباحا بتاريخ 24 آذار من عام 2017 على جنوب بلدة اللطامنة حيث قامت طائرة SU-22 تابعة للواء 50 من الفرقة الثانية والعشرين التابعة للنظام بالإقلاع من قاعدة الشعيرات الجوية وإسقاط قنبلة من نوع M4000 تحتوي على مركب غاز السارين.
2- الهجوم الذي وقع في الساعة الثالثة ظهر يوم 25 آذار عام 2017 حيث قامت مروحية عسكرية تابعة للنظام بإسقاط برميل متفجر يحتوي على غاز الكلور على مستشفى اللطامنة حيث تدم تدمير سقف المشفى وإطلاق غاز الكلور في داخل المشفى.
3- الهجوم الذي وقع في الساعة السادسة صباحا من يوم 30 آذار عام 2017 حيث قصفت طائرة حربية من نوع SU22 تابعة للواء 50 من الفرقة العسكرية الثانية والعشرين أقلعت من قاعدة الشعيرات وقصفت جنوب اللطامنة بقنبلة جوية من نوع M4000 تحتوي على مركب غاز السارين.
4- توصلت اللجنة أن هذه الهجمات الاستراتيجية لا يمكن أن تتم إلا بناء على أعلى سلطة في القوات العسكرية التابعة للنظام، مع أن اللجنة قالت بأنها لم تتمكن على وجه اليقين من تحديد سلسلة القيادة المحددة للأوامر في الحوادث الثلاث الماضية.
5- ستقدم اللجنة تقريرها إلى المجلس التنفيذي لمنظمة حظر استخدام السلاح الكيماوي وكذلك للأمين العام للأمم المتحدة وأيضا” للآلية الدولية المحايدة المستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف القانون الدولي في سورية” وهي الآلية التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 17\248 تاريخ 21\كانون أول عام 2016.
أهمية تقرير اللجنة :
خلافا لما روجته بعض وسائل الإعلام من أن تقرير الIIT هو أول تقرير دولي يحمل النظام مسؤولية استخدام السلاح الكيماوي، فإن تقارير الآلية المشتركة بين مجلس الأمن ومنظمة حظر السلاح الكيماوي التي صدرت في عام 2016 قد حددت مسؤولية النظام عن استخدام السلاح الكيماوي في ثلاث هجمات،وذلك في تقريرها الثالث الصادر بتاريخ 24\8\2016 في الفقرات 47-54-58 وأيضا في تقريرها الرابع الصادر بتاريخ 21\10\2016 وخاصة في الفقرات 18-19 -27 منه حيث نص التقرير بوضوح على مسؤولية النظام عن استخدام السلاح الكيماوي في تلمنس في 12 نيسان عام 2014 وقمين في 16 آذار عام 2015 وسرمين في 16 آذار عام 2015 ، وبالتالي تقرير الIIT ليس التقرير الدولي الأول الذي يحمل النظام مسؤولية استخدام الساح الكيماوي.
لكن من المؤكد أن هذا التقرير يحمل أهمية كبرى من ثلاث جوانب، وهي:
1- الارتباط الوثيق بين عمل هذه اللجنة المنشأة بناء على قرار منظمة حظر السلاح الكيماوي وبين القرار رقم 2118 الصادر عن مجلس الأمن في عام 2013، ذلك أن النظام وقع اتفاقية حظر السلاح الكيماوي واتفاقية تسليم مخزونه من هذا السلاح بتاريخ 27 أيلول عام 2013 وصدر القرار 2118 ليصادق على اتفاقية تسليم الساح الكيماوي وأيضا لينص على مجموعة من الضمانات بعدم استخدام السلاح الكيماوي،حيث نصت الفقرة 15 منه على ضرورة العمل على محاسبة ” الأفراد الذي استخدموا السلاح الكيماوي” وكذلك الفقرة 21 من القرار 2118 قد أوضحت أن” مجلس الأمن يقرر اتخاذ تدابير بناء على الفصل السابع أي التي تجيز استخدام القوة في حال قام النظام باستخدام السلاح الكيماوي أو خرق اتفاقية حظر انتاج واستخدام الساح الكيماوي.
2- على الرغم من أن اللجنة نأت بنفسها عن تحديد ما إذا كان النظام قد خرق اتفاقية حظر انتاج واستخدام السلاح الكيماوي أم لا، إلا أن مجرد البت بأن النظام قد استخدم السلاح الكيماوي بناء على تقرير لجنة ذات ولاية من منظمة حظر السلاح الكيماوي فهذا يعني أن الاتفاقية قد تم خرقها، والبت بهذه النقطة سيكون ضمن احتمالين :
أ- أن يقوم المجلس التنفيذي لمنظمة حظر السلاح الكيماوي بناء على تقرير اللجنة باتخاذ القرار بأن النظام قد خرق اتفاقية حظر وإنتاج الساح الكيماوي ويرفع الأمر إلى مجلس الأمن لاتخاذ تدابير رادعة وفق ما نصت عليه الفقرة 21 من القرار 2118 ، وهذا ما أرجحه للقفز فوق الفيتو الروسي المتوقع في مجلس الأمن في حال ترك الأمر لمجلس الأمن لتقرير حالة عدم الامتثال .
ب- الاحتمال الثاني هو أن تكتفي منظمة حظر السلاح الكيماوي بإحالة التقرير للأمين العام للأمم المتحدة وتترك أمر تحديد ما إذا كان النظام قد خرق القرار 2118 ، لمجلس الأمن، وهذا الاحتمال استبعده لأنه من الواضح أن هناك رغبة غربية في إعادة الزخم لملف محاسبة النظام كأحد أوراق الضغط بعيدا عن الفيتو الروسي المتوقع.
3- في حال قرر المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الساح الكيماوي استنادا لما ورد في تقرير اللجنة بأن النظام قد خرق القرار 2118 ، فإن مجلس الأمن ملزم باتخاذ تدابير بناء على الفصل السابع للأمم المتحدة أي الفصل الذي يسمح باستخدام العقوبات الاقتصادية والقوة العسكرية لفرض الامتثال، وهنا سنكون أمام أحد تفسيرين:
أ- التفسير الروسي : الذي يقول بأن ما ورد في الفقرة 21 من القرار 2118 والتي تلزم مجلس الأمن باتخاذ تدابير بناء على الفصل في حال خرق أي بند من بنود القرار، لا تعني أن المجلس سيتخذ هذه الإجراءات بطريقة آلية ،بل إن الأمر يحتاج إلى قرار آخر يخضع في آليات إصداره للقواعد المنظمة لعمل مجلس الأمن، ،وهذا التفسير الذي سيسمح لروسيا بممارسة حق النقض على أي مشروع قرار بهذا الصدد.
ب- التفسير الآخر : يقول بأن قرار مجلس الأمن رقم 2118 كان واضحا في لغته حيث أن الفقرة 21 قد بدأت بكلمة “يقررمجلس الأمن” وهذه لغة جازمة في القانون الدولي وتعني أن القرار باتخاذ تدابير بناء على الفصل السابع ليس محل نظر في حال قام النظام بخرق القرار 2118 أي اذا استخدم السلاح الكيماوي.
ت- حقيقة قد يكون هناك طريقا ثالثا وهو: أن الدول الغربية قد تستند إلى الفقرة 21 لطرح مشروع قرار باتخاذ تدابير ضد النظام بناء على الفصل السابع والتي أتوقع أن تكون منظومة عقوبات تصدر عن مجلس الأمن وتشكل غطاء قانونيا للعقوبات الأمريكية أو استكمالا لها، وفي حال قامت روسيا باستخدام حق النقض فإن الباب سيكون مفتوحا أمام نقل الأمر للجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على قرار الاتحاد من أجل السلام، لأن الفيتو الروسي هنا سيكون معطلا لفعالية وقوة مجلس الأمن باعتباره سيشكل خرقا للفقرة 21 وتعطيلا لها.
وفي مطلق الأحوال فإن تقرير ال IIT نقل ملف محاسبة النظام على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها إلى مرحلة جديدة وإن لم يكن التقرير سالف الذكر هو الخطوة الأولى في هذا الاتجاه إلا أنه بلا شك الخطوة الأولى الجدية التي ستقود حتما لوصول النظام للمحاسبة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
يجب أن ندرك جميعا ومن دون إفراط في الأمل أو من دون أن نسخف من أهمية هذه الخطوة أن معايير العدالة الدولية قاسية وشاقة وأيضا متراخية في الزمن، وهذه حقيقة يجب أن لا تغيب عن بالنا، لكن من المهم أن نشجع أي خطوة تضيق الخناق على عنق المجرم بشار الأسد وأن نساند أي عمل مهما كان يوضح حجم وبشاعة الجرائم التي ارتكبها هذا المجرم النازي، هتلر العصر الجديد.
محمد صبرا
12/4/2020