“نحن كثوار على الأرض عاجزون تمامًا عن أي توقع”، عبارة أجاب بها قيادي في “الجبهة الوطنية للتحرير” (طلب عدم ذكر اسمه) تحدثت معه عنب بلدي لاستيضاح تطورات الوضع الميداني في محافظة إدلب، والمستقبل الذي ستكون الجبهات عليه.
يعكس جواب القيادي الواقع العام للشمال السوري والذي لا يزال ضبابيًا إلى اليوم، فقوات الأسد بدأت عملية عسكرية ضد فصائل المعارضة في ريفي حماة الشمالي والغربي، بتغطية من الطيران الحربي الروسي، ورغم السيطرة على عدة مناطق لا يزال الهدف الذي ترنو إليه غير واضح، خاصة مع الحديث عن عملية عسكرية محدودة بتوافق روسي- تركي في الشمال السوري.
المناطق التي تمت السيطرة عليها من قبل قوات الأسد حتى الآن هي كفرنبودة في الريف الشمالي الغربي لحماة، والتي تعتبر بوابة محافظة إدلب وخط الدفاع الأول عنها من الجنوب، وإلى جانبها قلعة المضيق والقرى المحيطة بها، والتي دخلتها قوات الأسد دون أي قتال، بعد انسحاب فصائل المعارضة السورية منها.
وبحسب ما توضحه خريطة السيطرة الميدانية، تركز قوات الأسد عملياتها العسكرية على الخاصرة الغربية لحماة، في منطقة سهل الغاب وجبل شحشبو، وهي المنطقة التي كانت روسيا قد هددت، في آذار 2018، بالسيطرة عليها، ليتم التوصل إلى اتفاق فيما بعد قضى بوقف أي عمل عسكري باتجاهها.
ويترافق ما سبق مع قصف مكثف من الطائرات الحربية الروسية والمروحية التابعة للنظام السوري، وبشكل خاص على الريف الجنوبي لإدلب، وصولًا إلى الريف الشمالي والغربي لحماة، والذي تتركز فيه العمليات.
بين الانسحاب والعمل الجدي
على مدار الأيام الماضية من بدء العملية العسكرية لقوات الأسد، لم تضع الفصائل العسكرية البارزة والعاملة في الريف الشمالي والغربي لحماة ثقلها الكامل على الجبهات، واقتصر التصدي لهجوم قوات الأسد على المقاتلين من أبناء المنطقة.
ويقول القيادي في “الجبهة الوطنية” لعنب بلدي، إن النظام السوري عاجز عن التقدم لأي شبر في المناطق “المحررة” في حال لم يكن هناك اتفاق بين الروس والأتراك “تحت الطاولة”، مضيفًا أن تقدم قوات الأسد أو توقفها عند مناطق معينة مرتبط بالخريطة المتفق عليها بين الأتراك والروس والفصائل العسكرية.
وأوضح أن قياديي الفصائل العسكرية الموجودين على الأرض لا علم لديهم بما سيحصل في المنطقة، على عكس قيادة “الجبهة الوطنية” التي يتصدرها فصيل “فيلق الشام”.
وفي أثناء الهجمات التي قام بها النظام السوري على كفرنبودة ومحيطها، لم تتوقف إعلانات الفصائل، وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير”، عن التصدي لقوات الأسد ومقتل عناصر منها، عدا عن تدمير الآليات والدبابات والعربات العسكرية.
لكن الوضع في قلعة المضيق كان مختلفًا، إذ شهدت المنطقة دخول قوات الأسد إليها دون قتال، بعد انسحاب الفصائل منها، وبحسب ما نقل مراسل عنب بلدي عن قيادي في “الجيش الحر” فإن مقاتلي قلعة المضيق لم ينسحبوا، لأن التصدي في الأساس اقتصر على “جيش النصر” وقسم من أبناء المنطقة.
وأضاف القيادي أن تمثيل الفصائل في قلعة المضيق كان “قليلًا ومخزيًا”، موضحًا، “بقي في القلعة قسم صغير من أولاد المنطقة، دون وجود سلاح ثقيل أو متوسط”.
وتعتبر “هيئة تحرير الشام” القوة الضاربة في ريفي حماة الشمالي والغربي، وسبق أن سيطرت على كل مناطق ريف حماة من يد فصائل “الجيش الحر”، ضمن العمل العسكري الذي بدأته مطلع العام الحالي.
سيناريوهات متوقعة
تكثر التحليلات عن المصير الذي ستكون عليه محافظة إدلب في الأيام المقبلة، دون الأخذ بها كحالة مؤكدة، لكن يمكن استشراف السيناريوهات التي ستكون عليها الجغرافيا، استنادًا لما يفرضه الواقع الميداني.
بوصول قوات الأسد إلى بلدة كفرنبودة، غدت على أبواب بلدة الهبيط التابعة لمدينة خان شيخون، وبالتالي من المحتمل أن تتابع عملياتها العسكرية لإحكام طوق كامل على الريف الشمالي لحماة الذي يضم اللطامنة وكفرزيتا ومورك، وينشط فيه فصيل “جيش العزة” الذي رفض تسيير الدوريات الروسية في المنطقة منزوعة السلاح مؤخرًا.
على بعد كيلومترات قليلة إلى الغرب في ريف حماة، يبدو أن قوات الأسد تريد المتابعة على جبهاته بنية أكبر، فقد سيطرت على عدة مناطق بعد إحكامها السيطرة على منطقة قلعة المضيق، وبينها باب الطاقة، الشريعة، المستريحة في جبل شحشبو، لتمسك الطريق الذي كان الجيش التركي يسيّر دورياته فيه، في الأيام الماضية.
محدودية العمل العسكري لقوات الأسد، الذي يدور الحديث عنه، من المتوقع أن تكون ترجمة لسيناريو عمليات قضم، تبدأ من سهل الغاب لتأمين معسكر جورين ومنطقة السقيلبية، وصولًا إلى منطقة جسر الشغور الموصولة مع الريف الشمالي للاذقية، والتي تعتبر المنطقة الأبرز التي تزعج روسيا، كونها بيد تشكيلات تتبع لتنظيم “القاعدة” من جهة، وتخرج منها الصواريخ على قاعدة حميميم من جهة أخرى.
وحتى اليوم يمكن القول إن العملية العسكرية لقوات الأسد مسحت الحدود الجيوسياسية فقط في الشمال السوري، دون وضوح ما ستكون عليها في الأيام المقبلة، خاصة مع غموض الموقف التركي، والذي علق لمرة واحدة على التصعيد في إدلب، من خلال وزير الدفاع، خلوصي آكار، وقال إن النظام السوري يحاول توسيع سيطرته في جنوبي إدلب، مضيفًا، “على النظام وقف هجومه جنوبي إدلب، وإعادة عناصره إلى الحدود المتفق عليها في أستانة”.
المصدر: عنب بلدي