”غصن الزيتون” ومطب سوتشي: الفرص والتحديات
مطب سياسي ومفترق طريق عسكري تمر به ثورة سوريا، بينما تقترب من نهاية عامها السابع. فمع مباركة دي ميستورا مخرجات مؤتمر سوتشي، ونقلها إلى جنيف، يكون بوتين قد حقق إنجازاً استراتيجياً بفرض رؤيته للحل السياسي في سوريا، التي يصرّ فيها على أن الحل يبدأ بتعديل دستور 2012 وإجراء انتخابات يحق للدكتاتور بشار الأسد المشاركة فيها بعد نهاية فترته الرئاسية، متجاوزاً بذلك بيان جنيف والقرار 2118، الذي ينص على الانتقال السياسي للسلطة. ومما ساعد بوتين في ذلك هو بيان الدول الخمس، أميركا وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن، قبل يومين من انطلاق سوتشي، الذي أتى متوافقاً مع مضمون البيان المشترك الذي عقد في فييتنام بين بوتين وترامب، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وقريباً من الطرح الروسي للحل السياسي في سوريا. وبذلك، يكون بوتين قد حقق هدف التسليم لمبادرته من قبل اللاعبين الدوليين والإقليميين، بما فيهم أعضاء مجلس الأمن، مع ضمانه موقف الصين لانتزاع قرار جديد من مجلس الأمن يناسب المعادلة الجديدة وينسخ القرارات السابقة، ويبقى الاختلاف قائماً في تفسير موضوع بقاء الاسد بين روسيا وإيران من جهة، وباقي الدول من جهة ثانية، كما سيبقى الاختلاف مستمراً على مناطق النفوذ ومستقبل النظام الإداري في سوريا، بين إدارتي ترامب وبوتين. وما يزال نجاح هذا المسار مرهوناً باستمرار سكون الشارع الثوري الرافض لهذا الطرح، بعد أن بدأ كل من “هيئة التفاوض” و”الإئتلاف الوطني” بضبط تصريحاتهما على إيقاع سوتشي. في ظل هذه الأجواء، فإن إرهاب الدولة الذي يمارسه نظام الكيماوي، إلى جانب الإرهاب الذي يدار بالوكالة، والذي ساهمت فيه الولايات المتحدة الأميركية بعد إيران والنظام نفسه لملء الفراغ الناتج عن إنهيار الدولة، ما يزال يشكل تحدياً كبيراً أمام الشعب السوري واستقرار سوريا. فإلى جانب المجموعات الإرهابية التي أطلقها النظام من معتقلاته مع بداية الاحتجاجات في سوريا، والمليشيات الشيعية التي زجت بها إيران والتي ناهز عدد مقاتليها 80 ألفاً، عملت الولايات المتحدة الأميركية على استغلال الفراغ الناتج في الشمال وحوض الفرات، الذي يعتبر خزينة سوريا لما يحتويه من مصادر للطاقة والغذاء، ودخلت في حرب الوكالة عن طريق منظمة “PYD الارهابية”، التي لا تقل خطورة عن “داعش” و”النصرة”، لا في الأسلوب ولا في دورها الوظيفي، الذي يهدد لحمة المجتمع السوري ووحدة الأراضي السورية. لذلك، فرغم معارضة الشارع وقوى الثورة لمسار سوتشي، الذي يحظى بتأييد تركيا، أتى دعم عملية “غصن الزيتون” من أطياف ثورية واسعة، سياسية وعسكرية، لأهمية هذه العملية في محاربة الإرهاب في المنطقة، إلى جانب مساهمتها في إيجاد ممر يصل المناطق المحررة في ريف حلب بمدينة إدلب، التي تواجه خطر تكرار سيناريو حلب إثر بدء “جبهة النصرة” بالانسحاب من مساحات واسعة من ريفي حماة وإدلب. لنلق نظرة على مرحلة ما قبل عملية “غصن الزيتون”، والفرص والتحديات أمامها: دور إدارة أوباما في تأسيس وحدات حماية الشعب بعد اتخاذ قرار دعم الجيش السوري الحر خلال اجتماع نواة مجموعة أصدقاء الشعب السوري في اسطنبول عام 2013، عملت الولايات المتحدة الأميركية على الالتفاف على القرار بدعمها للمجموعات الإرهابية التي نزلت من جبال قنديل باتجاه القامشلي وعفرين، وانتظمت ضمن الفرع السوري لحزب “العمال الكردستاني PYD” مستفيدة من “عملية الحل”، التي أطلقتها الحكومة التركية قبل عامين من تلك الأثناء، والتي سمحت بمقتضاها لأفراد حزب “العمال الكردستاني” بمغادرة تركيا مقابل تسليم أسلحتهم؛ وبدأ البنتاغون بدعم تأسيس البنية التحتية لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية، الجناح المسلح لـ”PYD”، ومع الإعادة إلى الأذهان استعانة النظام بصالح مسلم زعيم “PYD” الذي توجه بدوره من جبال قنديل إلى دمشق في بداية الحراك الشعبي لقمع تظاهرات الأكراد في الشمال، ليتم بعدها اغتيال رئيس تيار “المستقبل” الكردي، المناضل مشعل تمو، وقمع التظاهرات في مدينة عامودا، ففُتح الطريق أمام منظمة “PYD” لكي تلعب دور الوكيل لأكثر من لاعب في الساحة السورية. إلاّ أن إدارة أوباما كانت أكثر تأثيراً من بين اللاعبين على هذه المنظمة، ونتيجة لدعم إدارة أوباما تم تأسيس الجناح العسكري لها “YPG” وتجهيزه بالعتاد والذخيرة اللازمة لنشرها مباشرة في المناطق الشمالية، تحت غطاء دعم المعارضة المعتدلة التي حملت اسم “قوات سوريا الديموقراطية”، ضمن حملة علاقات واسعة في الغرب لصالح الـ”PYD”، بينما عمل البنتاغون على تحييد الجيش الحر ومنع هيكلته بشكل يظهره كبديل لجيش النظام. وكان برنامج التدريب والتجهيز مثالاً حياً على انحياز إدارة أوباما إلى “قوات سوريا الديموقراطية”، على حساب الجيش الحر، إذ كانت المعايير التعجيزية توضع أمام المرشحين من الجيش الحر إلى البرنامج المذكور، بينما كانت “قوات سوريا الديموقراطية” معفاة من نفس المعايير، ما أدى إلى إنهاء ذلك البرنامج واستمرار الدعم الى “YPG” تحت غطاء “سوريا الديموقراطية”، رغم صدور تقارير دولية من منظمة حقوق الانسان التابعة للأمم والمتحدة والشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت جرائم حرب ارتكبتها هذه المنظمة، وتحدثت عن حرق القرى بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية للمناطق التي سيطرت عليها، واغتيال المعارضين السياسيين، وتجنيد الأطفال، والتعذيب في السجون، وكذلك وثق “الإئتلاف الوطني” عمليات التهجير القسري عن طريق اللقاء المباشر مع ضحايا هذه المنظمة. ونتيجة لسياسات الولايات المتحدة الاميركية، عملت هذه المنظمة على توظيف الدعم الذي تلقته من البنتاغون بما يخدم دورها الوظيفي وطبيعتها الارهابية. وتم فضح الدعاية الإعلامية لهذه المنظمة بأنها تحارب الإرهاب، عندما كشف تقرير لـ”بي بي سي” عن عبور آمن لنحو 250 مقاتل من “داعش” وفرته “YPG” لهم مع 3500 من أفراد عوائلهم إلى مناطق يسيطر عليها الجيش الحر. دخول تركيا كلاعب إقليمي إلى الساحة السورية الفرص والتحديات تركيا تشاطر سوريا في حدودها الجنوبية مسافة 911 كم، وتعاني منذ 35 عاماً من حرب الوكالة التي ينفذها حزب “العمال الكردستاني” لصالح أطراف دولية، ودخولها المتأخر كلاعب إقليمي في الساحة السورية مع بدء عملية “درع الفرات”، ثم نشر قواتها في إدلب وعملية “غصن الزيتون” الأخيرة حظي بدعم الحاضنة الشعبية في الشمال. وفي حال تحولت المناطق التي تقع تحت سيطرة مشتركة بين الجيش التركي والجيش الحر إلى مناطق آمنة، في إطار هذه العملية،فإن ذلك سيساعد قوى الثورة في إعادة هيكلة الجيش الحر مع اكتسابه خبرة القتال مع جيش نظامي للمرّة الأولى، ومحاربة الإرهاب الذي يعمل بالوكالة إلى جانب إرهاب القاعدة وإرهاب الدولة، والانتقال من وضع الدفاع إلى استراتيجية الهجوم نحو ريفي حماة ومدينة حلب، وفتح الطريق لعودة المهجرين وتقنين توزيع المساعدات الإنسانية للمناطق المحررة، وتأسيس نموذج حكومي مدني تحت قيادة وطنية ثورية، وتعزيز موقف الثورة في عملية الحل السياسي والحفاظ على وحدة الأراضي السورية. ولكن ما تزال تكمن تحديات كبيرة أمام تلك الفرص، أهمها استمرار كل من النظام و إيران وأميركا في حرب الوكالة عن طريق دعم المنظمات الإرهابية، مما يهدد وحدة الأراضي السورية، ثم الإحتمال المتوقع لاستدارة روسيا نحو منظمة “PYD” وإنقاذها في عفرين، عن طريق تكرار عرضها تسليم المدينة للنظام، ما يعني وضع حد لعملية “غصن الزيتون”، وبالتالي استمرار حالة الهشاشة في المشهد السوري؛ فلا النظام رغم محاولات تعويمه قادر على الاستمرار بعد انقطاع حبل العلاقة بينه وبين الشعب، ولا قوى الثورة المتشتتة تبدي استعدادها لإعادة تشكيل نفسها سياسياً وعسكرياً. الامتعاض الحاصل في الحاضنة الشعبية للثورة تجاه هذا الوضع بدأ بالتبلور على شكل محاولات لإعادة تشكيل المعارضة، ولا بد من أن تنتج تلك المحاولات إطاراً سياسياً أكثر التصاقاً بأهداف الثورة وارتقاءً لمستوى تضحياتها، والتحديات المتراكمة على طريقها، بعد وضوح المواقف الإقليمية.