توسيع هامش الحريات وتسهيلات للفلسطينيين على المعابر ومواجهة إيران قرب الحدود مع سوريا بنود غير معلنة
طارق ديلواني اندبندنت عربية:17/9/2022
يتساءل أردنيون باهتمام بالغ عن الأسباب الحقيقية التي تدفع الولايات المتحدة إلى تقديم أكبر منحة مالية في تاريخ علاقتها مع الأردن بوصفه الحليف الأهم لواشنطن في المنطقة، فمذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة والأردن التي وقعها وزير الخارجية أيمن الصفدي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في واشنطن، وصفت رسمياً بأنها “شاهدة على قوة العلاقة” بين البلدين وجاءت لدعم الوظائف والطاقة والمياه، لكن هذه المبررات لم ترض فضول الأردنيين الذين يرقبون منذ سنوات تقارباً متسارعاً في العلاقة مع الأميركيين بموازاة تراجع مقلق على صعيد الملفات الداخلية، بخاصة في ما يتعلق بملف الحريات العامة.
وكان الجانبان وقعا أول مذكرة تفاهم حول العلاقات الاستراتيجية لمدة خمس سنوات عام 2008، في حين تم توقيع اتفاق دفاع مشترك من دون موافقة البرلمان الأردني عام 2019 ولاقى آنذاك اعتراضاً كبيراً ووصف بأنه انتهاك للسيادة الأردنية.
10 مليارات في سبعة أعوام
يقول بلينكن إن مذكرة التفاهم تتضمن تقديم واشنطن نحو 10.15 مليار دولار على مدار سبعة أعوام مقبلة للمملكة وتعكس المصلحة المشتركة في كون الشرق الأوسط أكثر استقراراً وأماناً وازدهاراً. وتغطي مذكرة التفاهم هذه أطول فترة زمنية من بين الاتفاقات الأربعة كما تقدم مساعدات أكثر من كل سابقاتها وفقاً لبلينكن.
ويبرر بلينكن المنحة الجديدة بأنها تأتي لدعم الإصلاحات الرئيسة التي بدأتها الحكومة الأردنية وبهدف التركيز على تحسين حياة الأردنيين كالخدمات العامة الأساسية والتعامل مع أزمة المياه التي تتفاقم بفعل التغير المناخي وتوسيع الفرص الاقتصادية للأردنيين، بخاصة المرأة.
ويضيف “هذا الاتفاق يقدم أكثر من مليار دولار من المساعدات كل عام ولمدة سبعة أعوام ويمكن للأردنيين أن يعتمدوا على دعم الولايات المتحدة وجعل هذه الإصلاحات واقعاً”.
بدورها، تفيد عمان بأن مذكرة التفاهم الجديدة زادت الدعم الاقتصادي بنسبة 38 في المئة مقارنة بمذكرة التفاهم السابقة، كما يدور الحديث عن دعم أميركي سنوي يقدر بـ 600 مليون دولار للخزانة الأردنية.
حصة وازنة للحريات
في المقابل، توضح مصادر دبلوماسية لـ”اندبندنت عربية” أن حصة وازنة من هذه المنحة خصصت للتوسع في إطلاق الحريات العامة التي بدأت قبل نحو عام باستدارة سياسية كبيرة تمثلت في تشجيع وإطلاق العمل الحزبي بعد سنوات من التضييق والتأسيس لتشكيل أول حكومة برلمانية حزبية في المستقبل القريب عبر تعديل قانوني الأحزاب والانتخاب.
لكن هذا التوجه يتعارض مع ما يدور على أرض الواقع، بخاصة خلال الأشهر القليلة الماضية التي شهدت قفزة في تنفيذ اعتقالات بحق معارضين وإبداء شراسة أمنية غير معهودة تجاه ناشطين سياسيين وتعرض بعضهم للضرب والتعذيب، وفيما تقول الحكومة الأردنية إنها مقبلة على مرحلة تاريخية من الانفتاح، ترى تيارات سياسية بينها التيار الإسلامي أن ما يحدث يمثل ردة سياسية وعودة إلى الوراء على الصعد كافة.
وفي وقت يتحدث فيه الصفدي عن أن مذكرة التفاهم الأردنية الأميركية محورية من أجل التنمية الاقتصادية في المملكة، تقول مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف إن مذكرة التفاهم ناقشت بيئة حقوق الإنسان وحرية التعبير والحريات المدنية في الأردن وهو ما لم يشر إليه المسؤولون الأردنيون ومن ضمنهم الصفدي في تصريحاتهم.وتضيف باربرا ليف “دعونا إلى تعزيز مساحة الحريات المدنية وتوسيع نطاقها، سواء كنا نتحدث عن مواطنين عاديين أو صحافيين يمارسون عملهم، والقيام في الوقت عينه بما بوسعنا لمساعدة الأردن في البدء بمسار اقتصادي مستقر جداً”.
تمكين اللاجئين إلى جانب الحريات، تحاول الولايات المتحدة وفقاً للمصادر توفير دعم للأردن لقاء مواقفه المنفتحة حيال اللاجئين السوريين ودمجهم في المجتمع المحلي، بخاصة مع تراجع فرص العودة الطوعية لمعظمهم إلى بلادهم وتزايد حجم الاعتراض على وجودهم في دول مستضيفة أخرى.
وفي هذا السياق، خصصت واشنطن مساعدات إضافية بقيمة 756 مليون دولار للاجئين السوريين الموجودين في الأردن بعد تقارير محلية تحذر من أزمة كبيرة قد تواجههم خلال الأشهر المقبلة تجعلهم غير قادرين على تأمين الحياة الكريمة وبموازاة تدني الاستجابة العالمية لتمويل كلف استضافة اللاجئين التي شكلت عبئاً كبيراً على مرافق البنية التحتية.ومنذ أشهر قليلة فقط قدم الأردن تسهيلات لدخول السوريين إلى أراضيه بغرض الزيارة ممن يقيمون في دول الخليج العربي والدول الغربية بحيث تمكنوا من الدخول مباشرة ومن دون الحصول على تأشيرة مسبقة بعد أعوام من المنع والرفض لكثيرين.
الأمن الإقليمي
وفي كل مرة تقدم فيها واشنطن مساعدات إلى الأردن، تتبعها بالحديث عن دوره في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، وخلف هذه العبارة تقف تفسيرات كثيرة يقول مراقبون إنها في حقيقتها تمثل السبب الأساس للمساعدات وهي قيام عمان بأدوار عسكرية مهمة غالبيتها غير معلن، سواء على الحدود مع سوريا لمواجهة التمدد الإيراني أو ضد تنظيم “داعش”، أو في إطار العلاقة التكاملية مع القوات الأميركية التي تنتشر اليوم في 10 قواعد عسكرية بطول البلاد وعرضها، في وقت اختتمت قبل أيام مناورات عسكرية سنوية تقام للمرة العاشرة في الأردن وتعرف باسم” الأسد المتأهب”.
وهنا يتحدث وزير الخارجية الأميركي عن مستوى غير مسبوق من التمويل العسكري الوارد في مذكرة التفاهم كاشفاً عن نحو 400 مليون دولار سنوياً ستقدم إلى الجيش الأردني.على سبيل المثال وخلال العام الماضي، استلم الأردن 12 مروحية من طراز “بلاك هوك” من الولايات المتحدة ومنذ عام 1987 درب برنامج مساعدات الحكومة الأميركية لمكافحة الإرهاب أكثر من 7150 شرطياً أردنياً.
ووفق المعلومات فإن جانباً من هذه المنحة التي وصفت بأنها “سخية” سيخصص لتسهيل مرور الفلسطينيين عبر المعابر الحدودية مع الأردن ضمن تعهدات وحزمة تسهيلات أطلقتها واشنطن للفلسطينيين خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة للأراضي الفلسطينية.وهنا لا يشير الإعلام الرسمي الأردني بتاتاً إلى وجود بعثة أميركية كاملة من عشرات الموظفين في عمان مهمتها العمل مع الفريق الوزاري الاقتصادي الأردني ومراقبة وتقييم أدائه والقنوات التي ستصب فيها أموال هذه المساعدات، مما يؤكد أن هذه المنح مشروطة ولديها أهداف محددة.