• الإثنين , 25 نوفمبر 2024

منطقة “درع الفرات”: تنظيم “الدولة الإسلامية” يخلق فوضى أمنية ويخترق الجيش الوطني

منهل باريش

القدس العربي:14/2/2021

عادت الفوضى والفلتان الأمني ليخيما على منطقة “درع الفرات” مجددا، مع اقتراب الذكرى الخامسة لبدء المعركة التي أعلنتها تركيا ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في آب (أغسطس) 2016 وانتهت في 29 آذار (مارس) بعد السيطرة على مدينة الباب وريفها، وتوقفت العملية عند حدودها المتوافق عليها مع روسيا.ومنذ السيطرة التركية وفصائل المعارضة السورية على المنطقة، لم تشهد استقرارا أمنيا على الإطلاق، باستثناءات قليلة كحال بلدة مارع جنوب المنطقة.

ولا تقتصر الفوضى على منطقة ريف حلب الشمالي التي وسمت باسم معركة “درع الفرات” وإنما تتعداها لتشمل منطقة عفرين أيضا، وهناك تعتبر منطقة الشيخ حديد الأكثر انضباطا أمنيا، ولكنها الأكثر تسجيلا لحالات الانتهاكات حسب ما ترصد تقارير حقوقية.

ففي تقريره المعنون “مؤشرات الاستقرار الأمني في سوريا والعودة الآمنة” الذي أصدره “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية” نهاية العام الماضي، رصد المركز الوضع الأمني في مدينتي عفرين وجرابلس وحوادث الاختطاف والاعتقال خلال الفترة الممتدة بين تشرين الأول (أكتوبر) 2019 حتى آذار (مارس) 2020

. وحول مؤشري الاعتقال والاختطاف في المدينتين حدد التقرير عدد الحوادث بـ 169 وهي موزعة 37 في جرابلس، و132 في مدينة عفرين، خلفت 355 ضحية. تبنت غرفة “عمليات غضب الزيتون” (تنظيم سري كردي يرجح انه يتبع لجهاز قوى الأمن الداخلي في وحدات حماية الشعب الكردية-أسايش) تنفيذ 17 عملية من مجموع هذه العمليات. واستهدفت جميع تلك العمليات عناصر تابعة للجيش الوطني عبر استدراجهم للتحقيق معهم ومن ثم القيام بتصفيتهم، أو تصفيتهم بشكل مباشر في كمائن على الطرق الفرعية الزراعية ليلا، خلال تنقلهم منفردين من منطقة إلى أخرى.كما ارتفعت نسبة العمليات الأمنية في كانون الثاني (يناير) الماضي. فقد شهد الشهر ذروة العمليات الأمنية.

وتتحمل فصائل “الجيش الوطني السوري” المعارض والشرطة العسكرية التابعة له المسؤولية الأكبر عن ذلك.من جهة أخرى، أعلن تنظيم “الدولة” مسؤوليته عن 36 هجوما في مناطق الجيش الوطني السوري في محافظة حلب خلال عام 2020 أسفرت عن مقتل 19عنصرا من فصائل “الجيش الحر” أغلبها في منطقة مدينة الباب.ويتركز في مدينة الباب الثقل الأكبر لخلايا التنظيم، لعدة أسباب أهمها حجم المدينة الكبير مقارنة بباقي مدن وبلدات ريف حلب الشمالي، وبسبب تنازع الفصائل المستمر فيها وعدم وجود قوة أمنية موحدة قادرة على الردع وحفظ الأمن، إضافة إلى أسباب اجتماعية مسكوت عنها، حيث تعتبر المدينة حاضنة قوية للتنظيم خلال سيطرته عامي 2015 و2016 وشهدت ترحيبا بتزويج بناتها إلى مقاتلي التنظيم وخصوصا من المهاجرين والأجانب.

فقد أشارت مصادر أمنية في المنطقة لـ”القدس العربي” ان علاقات المصاهرة بين مقاتلي التنظيم ومدينة الباب “تزيد عن 1400 امرأة” وهذا مرده إلى ضعف البنية الاجتماعية وهشاشتها وربما تكون المدينة وريفها أكبر المدن “المصاهرة” للتنظيم على الإطلاق.

وبالإضافة إلى استهداف عناصر الجيش الوطني وقوات الأمن الوطني والشرطة، ركز التنظيم هجماته على المكاتب العقارية، كونها تقوم بمشاركة عقود المنازل الموقعة مع المجلس المحلي وقوات الأمن الوطني، وهو ما عرض خلايا التنظيم إلى انكشاف أمني من خلال حلقة الوصل بين العاملين في المكاتب العقارية والسماسرة وقوات الأمن.

وتلقى أصحاب المكاتب العقارية في مدينة الباب تهديدات مباشرة من عناصر وخلايا التنظيم، سواء من خلال رسائل مباشرة بحضورهم إلى المكاتب وتوعد أصحابها في حال الإخبار عن عناصر التنظيم، أو من خلال وضع رسائل ورقية أمام المكاتب، الأمر الذي أدى إلى هجر أغلب أصحاب المكاتب مهنتهم.مؤخرا، أصدرت قوات الأمن الوطني قرارا يشدد القيود على تحويل الأموال لدى “مكاتب الصرافة” وطالبتهم بعدم تسليم أي حوالة إلا إذا أشهر صاحبها “الهوية الشخصية” المعتمدة لدى أمانة السجل المدني في الباب ووقف التعامل بجوازات السفر والهويات الشخصية السورية كونها تتعرض إلى تزوير كبير، وتسجيل الهويات وأرقامها والمبلغ المحول، وإيصال نسخة من قوائم التحويل إلى الشرطة، وهو ما أعاق الحركة المالية لخلايا التنظيم بشكل كبير، وأوقع القرار أصحاب مكاتب الصرافة في حالة إرباك شديد، فهو سيعرضهم إلى خطر أمني من أحد الجانبين.

ترحين ومخيماتهابالقرب من الباب تعتبر منطقة ترحين ومخيماتها منطقة نفوذ وعمل لخلايا تنظيم “الدولة” فالمخيمات التي تضم قرابة 20 ألف نسمة، هي تقريبا خارج سيطرة الجيش الوطني وقوات الأمن العام حيث تتجنب دخوله أو الاقتراب منه.الأمر الأخطر في نشاط خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” هو استيعاب المقاتلين السابقين في أغلب فصائل الجيش الوطني وإيلاء بعضهم مناصب أمنية في الفصائل، عدا عن ضم بعض المقاتلين العراقيين إلى أحد فصائل المنطقة الشرقية.

فاختراق التنظيم للجيش الوطني لا يقتصر على الفصائل وانما يتعداه إلى الشرطة العسكرية والأمن وفرع مكافحة المخدرات والشرطة. وهو ما يجعل تسريب المعلومات من داخل الأجهزة الأمنية سهلا للغاية. وفي حال نجاح التنظيم في اختراق كامل أجهزة الامن الوطني، علينا تخيل الوضع في باقي الإدارات. ولعل حصول وائل والي الرقة في تنظيم “الدولة الإسلامية” السابق، فايز العكال، على هوية شخصية باسم جديد، هو أكبر دليل على ان التنظيم قادر على الحصول على وثائق رسمية بسهولة وهذا يسهل عمله بشكل كبير.

وفي تقييمات غير دقيقة يمكن القول ان المقاتلين السابقين القادمين من تنظيم “الدولة” يشكلون نسبة 5 في المئة من التعداد الكلي للجيش الوطني والشرطة.ويلعب العامل العشائري والاجتماعي دورا سيئا للغاية في استيعاب مقاتلي التنظيم بدون أي شروط أو محاولة تأهيل. حيث يقوم الأقرباء باحتضان أقاربهم من العناصر السابقة دون أي وسيلة للتحقق من انتمائهم للولايات الأمنية من عدمه.

إضافة إلى غياب استراتيجية من الحكومة المؤقتة وقيادة الجيش الوطني السوري لإعادة تأهيل “المقاتلين الجهاديين”. فالفكرة الوحيدة التي نشأت في عام 2017 من قبل لواء المعتصم المدعوم من البنتاغون، في بلدة مارع، مع إنشاء “المركز السوري لمحاربة التطرف” لم تلق أي اهتمام من الدول المانحة أو المعارضة السياسية، وفشلت بعد أشهر قليلة من إطلاقها بسبب نقص التمويل والخبرات العلمية.

يضاف الفساد الذي ينخر مفاصل الجيش الوطني إلى أهم أسباب الفوضى، فعدد كبير من القادة هم المسؤولون عن تهريب عناصر التنظيم من شرق سوريا إلى المنطقة مقابل المال، كما يقومون بإطلاق سراح عناصر الخلايا المعتقلين لديهم مقابل مبالغ مالية طائلة. ولا يتوقف الأمر هنا، بل يبيعون الصواريخ المضادة للدروع والأسلحة والذخائر للتنظيم عبر تجار سلاح يؤمنون عبورهم إلى مناطق سيطرة قسد او النظام ومنها يوصلون السلاح إلى بادية الرقة الجنوبية

.كل تلك الاعتبارات، وقرب مدينة الباب من طريق حلب-الحسكة/M4 وكون المنطقة بوابة عبور عناصر التنظيم إلى البادية السورية سيجعلها أكثر خطورة مع الوقت، ومن غير المستبعد ان تفقد قوى أمن المعارضة السيطرة عليها بشكل نهائي، وتحولها إلى بؤرة سوداء معزولة.ورغم نشاط التنظيم الكبير في المنطقة، فإنه يفضل ان تسود الفوضى على ان يعلن سيطرته بشكل مباشر على المنطقة.

لان ذلك سيدفع التحالف الدولي وتركيا إلى البدء بعملية عسكرية ضده تقصم ظهره، مرة أخرى، بعد ان أعاد تجميع صفوفه. وتدرك قيادة التنظيم ان السيطرة المباشرة تحتاج إلى إمكانيات كبيرة غير قادر على تأمينها، وهو ما سيجعله يستمر في عمل الولايات الأمنية في شمال وشرق سوريا، فهي استراتيجية أكثر فائدة بالنسبة له من الكشف عن وجه أعضائه. وإلى حين بناء قوته تدريجيا سيتجه إلى إعلان سيطرته على البادية السورية لصعوبة تعقبه ودحره هناك.

مقالات ذات صلة

USA