سوريا ١
ليلة ساخنة في دمشق ليل الاثنين / الثلاثاء 20/7/2020، غارات إسرائيلية عنيفة على مواقع القيادة والسيطرة لمليشيا الحرس الثوري الإيراني في دمشق ومحيطها ، وهذه الغارات ـ والتي وصفت بالأعنف والأطول خلال الفترات الماضية ـ يبدو أن صيدها كان ثمينا جدا فقد خلّفت دماراً شديدا في المواقع العسكرية وخسائر بشرية كبيرة خاصة على مستوى القيادة، وعلى مستوى الهدف العسكري الذي تم استهدافه ، فعلى وقع العنتريات الإيرانية التي صدرت أثناء توقيع الاتفاقية العسكرية مع نظام الأسد والتي تعهدت طهران فيها بتزويد النظام بالدفاعات الجوية، جاءت غارات ليل الثلاثاء في ترجمة عملية لتحويل إيران إلى ظاهرة صوتية فعلياً، سيما أن الغارات كانت دقيقة لدرجة عالية، أصابت أهدافها بشكل تام ما يدل أن هناك عامل بشري وتحديثات استخباراتية تصل إلى تل أبيب، وتتخطى إجراءات الأمن والسلامة الإيرانية.طهران على صفيح الانفجارات الغامضة ليالي طهران التي أصبحت خليطا من الانفجارات، والتي وصفتها وسائل إعلام شتى بأنها غامضة، انفجارات تتزايد بشكل مستمر في طهران، وفي كل مكان حساس أو ذو طبيعة عسكرية ويخضع للبرنامج النووي الإيراني، وأيضا البرنامج الصاروخي، فماذا يحدث في إيران؟ حتى أصبحت أخبار الانفجارات داخل منشآتها الحيوية والعسكرية خبراً معتاداً يكاد يحدث بتواتر غير مسبوق ويكاد شبه يومي، فمنذ أن تم تفجير داخل أحد السفن الإيرانية أثناء مناورات إيرانية بحرية في الخليج في مطلع أيار الماضي، والذي ادعت إيران أول الأمر أنه ناتج عن خطأ بشري، وسرعان ما انكشفت القضية أنه عمل حربي بوسائط سيبرانية، منذ ذلك التاريخ من حوالي شهرين والساحة الإيرانية تتلقى الضربات في كل مواقعها الاستراتيجية داخل وخارج إيران، وبوسائط متعددة لم تعد تقف عند الهجمات السيبرانية فقط، وصولاً الى أهم موقع نووي إيراني والذي قالت التقارير الصحفية الغربية والتي يمكن الركون إليها، أن موقع (نطنز) النووي تم تدميره بالكامل، فمن سوريا إلى قلب إيران تتوسع الضربات ضد منشآت إيران العسكرية الاستراتيجية بشكل يضع إيران في الزاوية حشراً كما الفأر الذي طالما تغنى أنه نمر كاسر، فإيران الآن محشورة في خيارات صعبة أهمها: • الرد على التدمير الممنهج لقدراتها، والذي أصبح واضحا وفاقعا ولا يمكن تبريره ولا إخفاءه، وهذا الرد مكلف لدرجة غير متوقعة.• السكوت والصمت واللعب على حافة الوقت، علّ الظروف تتبدل وتأتي بإدارة جديدة في واشنطن تطيح بالمعادلات الحالية لصالح البدء بمرحلة جديدة. طهران التي تختبئ وراء حجة الغموض، يبدو أنها لا تسمع ولا تقرأ وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تنشر عن مصادر عسكرية عن الهجمات ومن ورائها، فيما يبدو تراهن طهران على الوقت، الذي قد لا يأتي بجديد، فهي تتلقي تلك الضربات القاسية والموجعة تكاد تكون النتيجة واحدة، لقد تجاوزت إيران حدود المسموح لها منذ أن تغافلت ـ يبدو عمداًـ بعض القوى الدولية عن تسرب التكنولوجية النووية والصاروخية، لها ربما لتصنعيها كـ “نمر من ورق” يفيد في خلق حالة الخوف في المنطقة، ولكن إيران تجاوزت هذه المهمة الوظيفية لها، وأصبح واجباً الآن قص مخالبها والتي لطالما أضرتْ بالمصالح الدولية. خريف طهران في محاولة للعب على حبال الوقت، وتضارب المصالح الدولية وبحركات بهلوانية لا تعني شيئا، مازالت إيران تعتقد أنها مؤهلة للعب دور ما في المنطقة، ولكن على ما يبدو النسّاج الفارسي لم يدرك بعد أن خيوط الحياكة قطعت من نوله، وأنه يحيك سجادته في الهواء، فقد تحركت طهران في خطوة بائسة يائسة تجاه نظام الأسد المنتهي حكماً، لتوقع معه اتفاقية عسكرية تريد أن تخلط فيها أوراق المنطقة وترسل رسائل متعددة الغايات منها للروس ومنها للغرب ومنها لتركيا، التي هددها رئيس أركان إيران بالمقاومة واعتبار وجودها غير قانوني، إلا إذا نسقت وجودها مع نظام الأسد ضمن هذه الخطوة والتي استفزت حقيقة موسكو، أما في لبنان فقد حاولت إيران عبر ذراعها “مليشيا حزب الله” الممسك بتلابيب حكومة “حسان دياب”، أن ترسل رسائلها السياسية فيما يبدو أنها تلعب على الوقت، فظهور الأمين العام لمليشيا حزب الله حسن نصر الله المتكرر، وكلامه الذي وصل إلى حد الكوميديا بطرق طرحه لحلول لأزمة لبنان، وطرق لمقاومة الضغط الأمريكي للالتزام بقانون قيصر، كان كمن استخدم ذراعاً مشلولة للتلويح مهدداً، بينما تغرق بيروت مدينة النور بظلام دامس، هذه الخطوات والتي تحاول فيها إيران القول أنها موجودة على خارطة الخيارات والحلول، وأنها قادرة على خلط أوراق الخصوم في المحصلة، تريد شراء وقت إضافي قد يسعفها التغير في البيت الأبيض، فذلك كله يعمق الاعتقاد بأنها لن تحصل إلا على نفس النتيجة، فموسكو بدأت تتحرك على الساحة السورية ضمن بنك أهدافها الخاص ومصالحها.موسكو التي ستلعب لصالحها فقط يصل وزير الخارجية جواد ظريف إلى موسكو، في محاولة لترقيع ما أفسده عسكر خامنئي الثوري، ووضع أوراق العسكر على طاولة السياسة، ولكن يبدو أن ما يعانيه ثنائي ظريف / روحاني في هيكلية النظام الإيراني أكبر من هذه الرسائل الهزيلة، مما يعني أن جعبة ظريف ليس فيها ما يفيد. فمن صراع ناعم وخفي، إلى خشن وعلني، تطورت التباينات بين طهران وموسكو، ظهر هذا الصراع بشكله الخشن أكثر من مرة، ولكن أبرزها كانت حملة الاغتيالات التي تحدث في صفوف ضباط الأمن الكبار لدى النظام، والتي بلغت حوالي11 حالة خلال أقل من أسبوعين، ما يعني أن الصراع وصل إلى حالة الاشتباك، وإن كان ناعماً نوعا ما يقتصر على الاغتيالات واقصاءات متبادلة من مواقع القيادة والسيطرة في سوريا، ولكن نعتقد أن الدب الروسي له تاريخ طويل بهكذا نوع من الصراعات، فسوف ينتقل إلى الخشونة إذا استدعت المصالح الروسية إبعاد إيران فعلا من المشهد ـوهو حاصل لا محالةـ وخاصة أن موسكو فازت بتركيا الأطلسية غربيا، والسنية شرقياً، والتي ستكون القوة الصاعدة وباعتراف دولي. إذاً ذلك النمر الورقي الذي تم تصنيعه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ناقلا الخبرات إليه لكي يتم الاستثمار فيه، هذا النمر الورقي ظهر على حقيقته منذ اغتيال قاسم سليماني، وتوالي الضربات على مواقع إيران خارج أراضيها، واليوم تنتقل الضربات داخل إيران ومنشآتها الاستراتيجية عسكرياً ونووياً إلى أن تجلب إيران لجلسات المفاوضات “الإذعان” لتقنين عودتها لوضعيتها الطبيعية.