• الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024

موسكو تستثمر في خلافات المعارضة لإجهاض العملية السياسية وإعادة «شرعنة» النظام السوري

هبة محمد

دمشق – «القدس العربي»: 23/1/2021

تتعاظم حدة الخلافات بين الكتل المكونة لهيئة التفاوض السورية، عقب انتزاع عضوية اثنين من منصتي موسكو والقاهرة، الأمر الذي أثار حفيظة الأعضاء ضمن الكتلتين، ضد هيئة التفاوض، وفتح الباب مشرعاً أمام هيئة التنسيق الوطنية، وهي كتلة المعارضة الداخلية، لتتضامن مع منصتي موسكو والقاهرة، حتى وصل بهم الأمر للانسحاب بالجملة من الجولة المقبلة من اجتماعات اللجنة الدستورية، وتعطيل أعمالها التي من المقرر أن تدخل في صلب النقاشات الدستورية والمبادئ حول شكل الحكم والدولة، وهو ما يشير إلى حجم الاختراق والتحريض المباشر من الدول الداعمة لنظام الأسد.

التطورات المتلاحقة فتحت المجال أمام كل من موسكو والعاصمة السعودية الرياض في اقتحام مسرح الخلافات، حيث علقت الخارجية السعودية عمل موظفي هيئة التفاوض السورية، وأعلنت إغلاق مكاتب الهيئة على أراضيها، بسبب ما وصفته بـ»استمرار تعطيل أعمال هيئة التفاوض السورية» وذلك قبل أيام فقط من انعقاد الجولة الخامسة المقررة يوم الاثنين المقبل في العاصمة السويسرية جنيف.

وأرسلت وزارة الخارجية السعودية، أمس، مذكرة إلى مقرّ الهيئة في الرياض، أعلنت فيها تعليق عمل موظفي الهيئة في السعودية نهاية الشهر الجاري، وأرفقت الخارجية قرارها بمذكرة مقدمة من ثلاثة كتل «هيئة التنسيق، ومنصة موسكو، وبعض الشخصيات من منصة القاهرة» تبين رفضها قرارات هيئة التفاوض السورية.استثمار روسي للشرخواستثماراً لتعميق الشرخ من قبل موسكو الداعمة لنظام الأسد، وفرض أجندتها وإجهاض عملية الانتقال السياسي زعم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن بلاده مستعدة لمواصلة تعزيز الحوار الشامل بين الأطراف السورية، من أجل تسريع عودة الأوضاع إلى طبيعتها في سوريا.

وكانت الخارجية الروسية، ذكرت الخميس أن لافروف استقبل ممثلين عن قيادة منصتي «موسكو والقاهرة» وهم قدري جميل وخالد المحاميد وجمال سليمان ومهند دليقان، وأكد «استعداد روسيا لمواصلة تعزيز حوار شامل وبنّاء بين السوريين من أجل تطبيع الوضع في سوريا في أسرع وقت». وعرض ممثلو المنصتين وضع اللجنة الدستورية الراهن، وكذلك الوضع ضمن هيئة التفاوض، ومحاولات بعض الأطراف – في إشارة ضمنية إلى أركان الهيئة «الائتلاف، كتلة العسكر، وكتلة المستقلين – في «تعطيل عمل الهيئة عبر ممارسة عقلية الحزب القائد ضمنها» وفق ما ذكرت وكالة «تاس» الروسية.

الكتل الثلاث، اشتكت للأمم المتحدة أيضاً، في 13 من الشهر الجاري، الإجراءات التي وصفوها بـ «غير القانونية» الصادرة عن اجتماعات «غير شرعية لهيئة التفاوض» معتبرين أن هذه القرارات «تهدد وحدة اللجنة الدستورية».

وعبّرت الكتل في المذكرة عن رفضها لانتزاع «هيئة التفاوض» عضوية قاسم الخطيب، واستبعاده من الهيئة واللجنة الدستورية، وإحلال نضال محمود الحسن مكانه في الهيئة، وتليد صائب في اللجنة الدستورية، مشيرة إلى أن الأمر جاء «بناء على طلب تقدم به عضو لجنة المتابعة لدى منصة القاهرة فراس الخالدي إلى هيئة التفاوض» كما اعترضت منصة موسكو على استبعاد ممثلها مهند دليقان عن اللجنة.

حصان طروادة الروسيوطالبت الأطراف المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن بالتصرف السريع، والدفع نحو التوافق ضمن هيئة المفاوضات، راجية اتخاذ الخطوات الضرورية لوقف «التعطيل» كما أرسلت المكونات الثلاثة رسائل مشابهة إلى كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيريه المصري سامح شكري، والسعودي فيصل بن فرحان، حيث طلبت المنصات من الأخير «التدخل من أجل رأب الصدع الحاصل» بصفة حكومته «الراعية والمؤتمنة على هيئة التفاوض».

ووفقاً لمصادر «القدس العربي» فإن الخلافات الأخيرة داخل منصة القاهرة، دفعت جمال سليمان إلى الاعتذار عن عدم حضور الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية.الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم اعتبر أن ما نشهده اليوم مهزلة سياسية بالنسبة للمعارضة بكل المقاييس، حيث تحاول موسكو زيادة أوراق قوتها من خلال تعزيز تأثيرها على النظام والمعارضة على حد سواء، مما يعني زيادة تأثيرها في فرض الحل النهائي وفق مصالحها وسياستها.

وأضاف سالم لـ«القدس العربي» أن التطورات الأخيرة هي نتيجة طبيعية لقبول المعارضة الرسمية بالتدخلات الروسية المباشرة أو غير المباشرة، التي تحاول إجهاض عملية الانتقال السياسي وتحويلها إلى مجرد عملية تجميلية شكلية تعيد شرعية النظام السوري. معتبراً أن «ما نراه حالياً ليس إلا حلقة في سلسلة المساعي الروسية لفرض أجنداتها بـ»حل سياسي» شكلي تجميلي، ويصل الأمر اليوم إلى درجة التدخل الروسي في هيكلية هيئة التفاوض الخاصة بالمعارضة».

ودخول موسكو على خط الحل السياسي بدأ وفق الباحث، مبكراً منذ بداية الثورة من خلال مشاركتها في بيان جنيف 2012 بشكل رئيسي يظهر نديتها للولايات المتحدة، لكن الدخول الأكثر فاعلية بدأ بعد التدخل العسكري في أيلول 2015، حيث حرصت روسيا على استثمار كل تحرك عسكري بمكاسب سياسية من خلال عملها خطوة بخطوة على تمييع بيان جنيف وإفراغه من مضمونه المتمثل بالانتقال السياسي، فعملت على عقد مؤتمر فيينا 1 وفيينا 2 وتكللت الجهود الروسية بإصدار القرار الأممي 2254 الذي فتح الباب لمناقشة الإصلاح الدستوري بدلاً من الانتقال السياسي، وتمخض عن ذلك اللجنة الدستورية، وعملت موسكو بالتوازي مع ذلك على المضي في مسار «أستانا» وكانت الطامة الكبرى عندما عملت موسكو على ادخال منصتي موسكو والقاهرة إلى هيئة التفاوض وقبول المعارضة الرسمية بذلك، فكانت منصة موسكو تحديداً حصان طروادة روسي داخل صفوف المعارضة الرسمية.

وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، زعمت أن الاجتماع مع الوفد المشترك يهدف إلى «تشجيع الحوار بين السوريين من أجل تعزيز تسوية سياسية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتعزيز مشاركة جميع القوى السياسية السورية في الجهود البناءة لإعادة إعمار البلاد بعد الصراع».

وتعقيباً، أبدى الباحث السياسي وائل علوان اعتقاده أن استمرار الخلافات داخل صفوف المعارضة السورية متأثر بعوامل داخلية من قبيل التنازع والمحاصصات والتأثير الإقليمي والدولي في هذه الكيانات. ورأى «علوان» في حديث مع «القدس العربي» أن الخلافات الإقليمية، بدأت تأخذ شكلها ضمن صفوف المعارضة منذ نهاية عام 2019 بشكل واضح وشبه معلن، فضلاً عن بروز استغلال روسي واضح، لتعميق الشرخ من قبل موسكو الراعية والداعمة للأسد ومماطلته المستمرة في المسار السياسي.

ومع اقتراب الجولة الجديدة للجنة الدستورية والتي من المقرر أن تدخل في صلب النقاشات الدستورية والمبادئ حول شكل الحكم والدولة وما يتصل بذلك من القضايا الخلافية فليس بعيداً أن الجزء الأكبر من هذه الخلافات المستمرة في صف المعارضة هو باختراق وتحريض مباشر وشبه مباشر من الدول الداعمة لنظام الأسد وفي مقدمتها روسيا ليظهر أن الإشكالات في المسار السياسي ليس بتعطيل النظام وعدم جاهزيته للانخراط الحقيقي في العملية السياسية وإنما لنقل الكرة لملعب المعارضة بما يخدم المزيد من الوقت لصالح النظام الماضي نحو مسرحية الانتخابات الرئاسية منتصف العام 2021.

مقالات ذات صلة

USA