باولو بينهيرو، هاني مجلي، لين ولشمان
العربي الجديد:22/9/2022
يُعَدّ مصير المفقودين والمختفين الذي لم يُحسم بعد إحدى أكبر مآسي الحرب السورية، فمنذ بداية الحرب، اختفى عشرات الآلاف من السوريين، أو أخفتهم قسراً الحكومة السورية، وفي بعض الحالات أطراف أخرى في النزاع.وتعتبر عملية بحث العائلات عن الأقارب المحتجزين محفوفة بخطر الاعتقال والابتزاز وسوء المعاملة.
وتعمّدت الحكومة والأطراف الأخرى إطالة معاناة مئات الآلاف من أفراد العائلات، من خلال حجب المعلومات عن مصير الأشخاص المفقودين أو المختفين وأماكن وجودهم. ولكن تم الآن اتخاذ خطوة طال انتظارها، وهي تقدّم للمجتمع الدولي السبيل لمعالجة الشواغل العملية والتداعيات الواقعية لهذه الظاهرة الرهيبة، فقد أصدر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في سبتمبر/ أيلول الحالي، تقريره التاريخي عن كيفية تعزيز الجهود لتوضيح مصير الأشخاص المفقودين في الجمهورية العربية السورية وأماكن وجودهم، وتقديم الدعم لعائلاتهم، على النحو الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار 76/228.
ويوصي التقرير بشكلٍ لا لبس فيه الدول الأعضاء بإنشاء كيان جديد للمساعدة في تنسيق الجهود الحالية، والاستناد إليها لمعالجة هذا الوضع.
ونرحب ترحيباً حاراً بتوصية الأمين العام لأنها تتماشى مع جهود المناصرة القوية التي تقودها الجمعيات السورية لعائلات المفقودين.
وقد أشارت لجنتنا سنوات إلى الحاجة إلى مثل هذه الهيئة لتوحيد المطالبات المقدّمة إلى مجموعة واسعة من المنظمات غير الحكومية والإنسانية، لتتبع المفقودين والمختفين وتحديد هوياتهم بكفاءة وفعالية، ولمساعدة أسرهم التي تتعرّض لمخاطر عديدة، وتواجه صعوبات في عملية البحث المستمرّة.
ولطالما أكّدنا أن مشاركة الأسر والضحايا والناجين يجب أن تكون في صلب عمل هذه الهيئة.
ومع صدور تقرير الأمين العام لم تعد الحاجة إلى مثل هذا الكيان الدولي موضع نقاش.
فرسالته واضحة جداً: إن إحراز أي تقدّم في معالجة المأساة المستمرّة للمفقودين في سورية يتطلب نهجاً متسقاً ومتكاملاً يتجاوز الجهود المبذولة حالياً. وعلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تتحرّك بسرعة، وتصدر قراراً بإنشاء هذا الكيان الجديد وتحديد ولايته وصياغة أولوياته.
وتُظهر التجربة على الصعيد العالمي أنه كلما طال إنشاء مثل هذه الآلية زادت صعوبة الكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسراً وأماكن وجودهم.كذلك يحدّد تقرير الأمين العام ثلاثة مجالات رئيسية للكيان الجديد: أولاً، تحديد سبل تنسيق الجهود الحالية وتقليل الازدواجية.
وثانياً، تطوير وضمان دور الجمعيات الأسرية وجميع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني السوري. وثالثاً، الدعوة علناً إلى وصول هذا الكيان الجديد أو الجهات الفاعلة الإنسانية الدولية المناسبة الأخرى إلى جميع أماكن الاحتجاز والمواقع الأخرى ذات الصلة التي تسيطر عليها جميع أطراف النزاع.وكان لنا شرف الاجتماع في مناسبات عديدة، خلال العقد الماضي، مع عائلات المختفين وأمهاتهم وأزواجهم وزوجاتهم وأطفالهم وأصدقائهم وزملائهم. واستمعنا إليهم، نحن وفريقنا، وبينما قد تختلف ظروف الأفراد، تبقى رسالتهم متّسقة وواضحة، لن يتوقفوا عن البحث، حتى يعثروا على أقاربهم المفقودين أو يكتشفوا حقيقة مصيرهم، فمن حقّ العائلات معرفة مصير أحبائها.
وستوفر اللجنة الكم الهائل من المعلومات التي جمعتها على مدار 11 عاماً للآلية الجديدة، بما يتماشى مع مبدأ الموافقة المقدّمة من مصادرنا.
وقد بدأت اللجنة بالفعل التحضير لنقل البيانات التي أوكلتها إليها مصادرنا، بموجب موافقتهم، ونأمل أن يقوم الآخرون بالمثل.وقد انتظرت العائلات والزملاء والأصدقاء وقتاً طويلاً لاتخاذ إجراءاتٍ على المستوى الدولي، وآن الأوان للتحرّك، فلدى الدول الأعضاء من مختلف مناطق العالم فرصة نادرة لوضع ثقلها وراء هذا الجهد الإنساني الهادف الذي سيساعد في التصدّي للمعاناة التي تسبّبها محنة السوريين المفقودين والمختفين.
وأخيراً، يجب ألا ننسى أولئك الذين يتحمّلون المسؤولية الكبرى عن هذا الوضع، والذين يمكنهم التصرّف بسرعة لحلها. ويمكن أن يبادروا بالسماح للمنظمات الإنسانية الدولية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالوصول الفوري إلى جميع أماكن الاحتجاز.
ويمكنهم السماح بزيارات العائلات، فمعرفة من هم على قيد الحياة وأماكن وجودهم ستكون خطوة كبيرة إلى الأمام تسمح بكسر جدار الصمت بشأن مصير المفقودين والمختفين.