في ظل تعقّد المشهد العام في سورية، على المستويين السياسي والعسكري، تبرز العديد من التساؤلات حول مستقبل العملية السياسية المتأزمة لإنهاء الأزمة السورية، وكذلك ما يتعلق بالوضع الميداني والجغرافي على أرض الواقع، في حين تزداد معاناة النازحين والمهجرين في ظل الأوضاع الصعبة، لا سيما في إدلب. كما أن علاقة المعارضة السورية مع الجهات المسيطرة شمال شرقي سورية، باتت محط تكهنات مختلفة في ظل بروز نوايا غربية، أميركية تحديداً، لإنجاز تقارب ما، تكون أنقرة ضمن تفاصيله. كل تلك المحاور تطرحها “العربي الجديد” في حوار مع رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية نصر الحريري. إلى نص الحوار:
- الحل السياسي للقضية السورية يمضي إلى مزيد من التعقيد في ظل تشابك المسارات، هل لديكم تصور لأفق الحل في ظل الظروف الحالية؟
الحل السياسي يقتضي مجموعة أركان، الأول أن يكون وفقاً للمرجعيات الدولية وبيان جنيف وقرارات مجلس الأمن، خصوصاً القرارين 2118 و2254، وأن يكون تحت رعاية الأمم المتحدة وفق التفويض الممنوح للمبعوث الدولي، وأن يكون ضمن جدول زمني واضح، لأن معاناة الشعب السوري طالت كثيرة. لدينا أساس متين لا يمكن الابتعاد عنه، يتلخص بأن أي عملية سياسية يجب أن تحقق أربع قضايا: أولاً، القضايا الإنسانية، وبشكل أساسي موضوع ملف المعتقلين وبيان مصير المغيبين ومحاسبة كل من ارتكب جرائم ضد الشعب السوري. ثانياً، هيئة الحكم الانتقالي بصلاحيات كاملة، ثالثاً، دستور جديد، رابعاً، انتخابات بإشراف الأمم المتحدة. وضمن الإطار التفاوضي، لم نصل إلى تطبيق أي بند بسبب رفض النظام وعدم جدية المجتمع الدولي تجاه النظام.
- ممثلو الائتلاف جزء مهم من قائمة المعارضة لاجتماعات اللجنة الدستورية، الآن وبعد عام من عمل اللجنة لا يزال التعطيل مستمراً من قبل النظام. السوريون يعتقدون أن مسايرة المعارضة ودبلوماسيتها الزائدة تساعد النظام على المضي أكثر في المراوغة، ما تعليقك على ذلك؟
هذا الاعتقاد بدأ منذ بداية الحراك الثوري في 2011 في ظل وجود العملية السياسية وفي عدمها. لا أعتقد أن هذه النظرة صائبة، ونحن اليوم كسوريين بحاجة لتوافق دولي وحل وفق مرجعيات دولية وفق ما يقبله السوريون. في الجانب السوري وخلال عشر سنوات لم يتم التنازل عن شيء حتى لو كثر الحديث عن ذلك، وما زالت المحددات الأساسية التي تطالب بها قوى الثورة والمعارضة قائمة، وهي لن توقّع على حل من دونها، ومنها القضايا الإنسانية ودستور جديد وانتخابات هيئة حكم انتقالي. الآن ما يجري في العملية التفاوضية هي عملية تفاوض وليس عملية تطبيق، كي يتم الاتفاق على كل النقاط الموجودة في قرار مجلس الأمن ليتم تطبيقها، وهذا التطبيق يقتضي تسلسلاً واضحاً بأن نبدأ بالقضايا الإنسانية وهي فوق تفاوضية، ثم تشكيل هيئة حكم انتقالي كخطوة أولى في عملية الحل السياسي.
- أشهر قليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية في سورية، ولا يخفى على أحد أن الروس بدأوا العمل لتثبيت بشار الأسد رئيساً لولاية جديدة. أنشأتم في الائتلاف “هيئة عليا للانتخابات” ومن ثم تراجعتم عن الفكرة، أو جمدتموها، ما هو هدفكم من تأسيس الهيئة، ولماذا أوقفتموها؟
بشار الأسد رأس نظام مجرم، ارتكب كل الجرائم والفظائع بحق السوريين، عمل على انتخابات عام 2014 ضارباً عرض الحائط بكل ما يجري في سورية، والآن هو يحضّر للانتخابات التي ستجري هذا العام. قوى الثورة بشكل عام، والائتلاف بشكل خاص كونه المكون الأساسي في هيئة التفاوض السورية، عليه مسؤوليات وأمامه استحقاقات، وهل يكفي أن نقول إن هذه الانتخابات مهزلة؟ حقيقةً لا يكفي، ولا بد أن يكون هناك فريق متخصص بموضوع الانتخابات يضع خطة عمل شاملة سياسية ودبلوماسية وإعلامية وقانونية وشعبية من أجل مواجهة هذه الانتخابات، والعمل مع الشركاء من أجل منع النظام من التحدث باسم السوريين. ونحن لدينا الهيئة الوطنية للمعتقلين من أجل الاهتمام بملف المعتقلين، ولدينا عمل على موضوع هيئة الحكم الانتقالي والبيئة الآمنة والمحايدة وعناصرها، ولدينا مجموعة دستورية من أجل التحضير للعملية الدستورية، وهذا لا يكتمل إذا لم يتم التحضير، في إطار العمل التحضيري فقط، وليس للمشاركة بالانتخابات. أما انتخابات نظام بشار الأسد فموقف الائتلاف كان ولا يزال واضحاً تجاهها، والانتخابات الوحيدة التي تعنينا هي الانتخابات لتطبيق القرار 2254، بعد تشكيل هيئة الحكم الانتقالي والوصول إلى دستور جديد. أما بخصوص قرار إنشاء هيئة عليا للانتخابات، فشارعنا الثوري فهِم مغزاه بشكل مختلف، لذلك لم نخجل من إلغاء القرار ونقول لأنفسنا ولأهلنا إن ملف الانتخابات يجب الاستعداد له، وإذا اقتنع السوريون بأنه يجب الاستعداد له من الممكن الاتفاق على آلية الاستعداد له، وإذا لم يقتنعوا يمكن وضع قرار الانتخابات جانباً.
- حظيت المعارضة بدعم دولي كبير في بداية الثورة، واعترفت أكثر من 100 دولة بالائتلاف، وكان للمعارضة حلفاء تقليديون، عرب وغربيون، لكن مع تقدّم عمر الثورة والتقلبات المختلفة على الأرض، قللت بعض الدول من اهتمامها بالقضية السورية. هل من خطة لإعادة تفعيل علاقاتكم مع حلفاء المعارضة التقليديين، ولا سيما العرب، وتبرز هنا الرسالة التي وجّهتها قبل فترة للسعودية؟
لنكن صريحين، كان الاهتمام الدولي بالملف السوري كبيراً ويوازي حجم التضحيات في الثورة السورية وتشعّباتها، لكن كل هذه المتغيرات جعلت الكثير من الدول تتخذ مواقف مغايرة أو تبرّد علاقتها مع الملف السوري تبعاً للتحديات التي تمر بها هذه الدول، وهذا التحدي نحن استشعرناه وكان يجب علينا مواجهته لإبقاء أكبر زخم للثورة، لذلك عملنا على عدد من المحاور التي تخدم هذه القضية.
على مستوى علاقتنا مع المجتمع الدولي، جددنا علاقتنا مع الدول من خلال تسمية عدد من الممثلين المنشقين عن النظام والمحترفين في واشنطن وباريس وبروكسل والاتحاد الأوروبي ولندن، إضافةً إلى ممثليات الائتلاف في عدد من الدول الأخرى. وعلى مستوى الدول العربية، سعى الائتلاف ويسعى لإقامة علاقات معها، وخصوصاً الدول التي لديها اهتمام بالملف السوري، ونحن نعلم أن هناك دولاً عربية أساسية كانت من أصدقاء الشعب السوري وما زال قسم منها في المجموعة المصغرة لمواكبة حراك الثورة السورية، وأعني بشكل خاص المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وقطر. وحقيقة، ما جرى من عواصف في المنطقة خلال الفترة الماضية أثّر بشكل سلبي على الملف السوري. لذلك نرى ما جرى في المصالحة الخليجية والجهود التي تُبذل من أجل علاقات طبيعية ما بين تركيا والسعودية، وتركيا ومصر، وسيكون ذلك في مصلحة الشعب السوري وضد المشاريع الخبيثة التي تعبث في المنطقة ولا سيما إيران، التي وزعت مليشيات وأذرعاً إرهابية في سورية والعراق ولبنان واليمن.
- بالنسبة لعلاقتكم مع السعودية تحديداً، لا يزال الخلاف حول دعم السعودية لإعادة تشكيل قائمة المستقلين داخل هيئة التفاوض السورية حاضراً، ما هي وجهة نظركم في الائتلاف لحل هذه المشكلة؟
السعودية من أهم الدول التي تدعم الثورة السورية على المستوى السياسي والإنساني، ولا تزال ملتزمة بالمحددات الأساسية التي يرضى بها الشعب السوري في الحل السياسي والتي عبّر عنها بيان قمة مجلس التعاون الخليجي الأخير وما سبقه من بيانات. علاقتنا مع المملكة جيدة وفعالة ونسعى لتطويرها، وإن اختلفنا في بعض القضايا، ومنها ما جرى في مسألة المستقلين، إذ اعتمدنا الحوار أساساً للوصول إلى الحل، ونحن باعتقادنا أن هناك خطوات مهمة في هذا الاتجاه ولن يؤثر ما جرى في هيئة المفاوضات على عمل اللجنة الدستورية والعملية السياسية عموماً.
- خرجت معلومات في الآونة الأخيرة عن نوايا دول عربية لإعادة ترتيب صفوف المعارضة السورية، وخلق أجسام جديدة بعيدة عن رؤية الائتلاف وتحالفه مع تركيا. كيف تلقيتم ذلك، وهل من خطة لمواجهة تلك الجهود، أو إيجاد نقاط تلاقي معها؟
نسمع ونرى بين الحين والآخر محاولات من هنا وهناك من أجل إحداث تجمّعات ومنصات جديدة ربما لشق الصف أو أغراض خاصة أو عامة. أؤكد أن ما يجري من اجتماعات للدول العربية والاجتماعات الدولية هي تنسيقية في ما يتعلق بالملف السوري، ولم يتم التطرق لإنشاء أجسام جديدة، لأن المشكلة ليست في المعارضة وأجسامها وإنما عدم وجود حل سياسي يتحمّل مسؤوليته النظام السوري وداعموه. الدول العربية تمتلك علاقة مميزة مع أجسام المعارضة عموماً والدول المؤثرة في الملف السوري خصوصاً، وأكثر من يسعى لهذه الخطوات هم السوريون أنفسهم، وربما يكون بعضهم بدفع من بعض الدول، ولكن لا أعتقد أن الجو الإقليمي والدولي بصدد البحث عن أجسام جديدة ودعم تجزئة أكبر لقوى الثورة والمعارضة. وعلى العكس تماماً، اليوم ما نلمسه من العديد من الدول الصديقة للشعب السوري هو الحفاظ على وحدة المعارضة وتقويتها وتعزيز دورها.
- نلاحظ أن روسيا بشكل رئيسي وبعض الدول الأخرى كانت دائماً تسعى لتصوير المعارضة على أنها معارضات وتخلق أجساماً جديدة لتقزيم دور الائتلاف، وتم خلق منصات وإدخالها كمكونات ضمن قوى الثورة السورية، هل أنتم مستعدون لتقبّل أجسام جديدة كممثل لقوى الثورة؟
للأسف بعض السوريين انساق في هذا الاتجاه ويسعى إلى إعطاء انطباع للآخرين بأن المعارضة مجزأة وغير موحدة. ما جرى في مؤتمري الرياض 1 و2 كان مبادرة هامة لجمع كل قوى الثورة والمعارضة في جبهة واحدة، وحين يقومون بعملية سياسية بصوت واحد لا يستطيع النظام أو غيره أن يشكك بهذه المعارضة والقوى الثورية. أما ما حصل في منصة القاهرة حالياً ففي حال قام بعض الأفراد باجتماعات هنا وهناك فهو شأن داخلي لا نتدخل فيه، ولكن ما يعنينا في النهاية وحدة هذه المجموعة وفعالية مساهماتها ومشاركاتها في قوى الثورة. قرار مجلس الأمن رقم 2254 واضح وصريح ولن نقبل بأي تشكيلات جديدة تؤدي لتعقيد المشهد من ناحية المعارضة وتريح النظام وتعطيه متنفساً في الحديث مجدداً عن عدم وجود جهة شرعية محددة تقف في وجهه. اليوم العملية التفاوضية تخوضها الهيئة العليا للمفاوضات المكوّنة من سبعة مكونات، والائتلاف مكون أساسي ورقم واضح، وهو ما يعلمه الجميع، ولديه اعتراف دولي عبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه ممثل للشعب السوري، تبقى عليه مهام في العملية السياسية والعلاقات الدولية وإدارة المناطق المحررة.
- على مستوى علاقة المعارضة مع الأكراد، يبدو أن الحوار الكردي بين أكبر كيانين سياسيين كرديين في البلاد، “المجلس الوطني الكردي” أحد مكونات الائتلاف من جهة، و”أحزاب الوحدة الوطنية” التي يقودها “حزب الاتحاد الديمقراطي” و”قوات سورية الديمقراطية” من جهة أخرى، لم يسر بالشكل المطلوب لتحقيق تقدّم نحو تقارب كردي – كردي. كيف كان تقييمكم لجولات الحوار من خلال ما أطلعكم عليه “المجلس الوطني”، وما هي النتائج المقبولة عند نهاية الحوار؟
للإخوة الأكراد الحق في إيصال صوتهم واختيار من يمثّلهم، سواء الآن أو في المستقبل عبر عملية سياسية يقبل بها جميع السوريين وفقاً للقرار 2254. ولكن هذا المشهد الجميل اعترته تطورات خطيرة تتمثل بدخول تنظيمات إرهابية كـ”داعش” أو “القاعدة” أو حزب “العمال الكردستاني” الذي استغل الثورة لإعادة التموضع من جديد من أجل تحقيق حلم ومشروع قاتل من أجله لعقود وربما يحاول الاستمرار أكثر، وهو يخطف ثورة الأكراد.
نسعى دائماً للوصول إلى حلول منطقية وحقيقية ترسي أمناً واستقراراً مستدامين من دون الاضطرار للجوء إلى الخيارات العسكرية، ولكن هذه التنظيمات الإرهابية، ومنها “العمال الكردستاني”، لا ترضى بمثل هذا المبدأ، ولديها مشروع وتسعى إلى تنفيذه. عندما حصل الحوار بين “المجلس الوطني الكردي” و”قوات سورية الديمقراطية”، على الرغم من أن الأخيرة تُعتبر من التنظيمات الإرهابية، إلا أن الائتلاف تابع مثل كل السوريين هذا الحوار الذي لم يصل إلى نتائج ملموسة، ويقول البعض إن هناك تقدماً في بعض النقاط، ولكن ما يهمنا هي القضايا الأساسية. فهل تستطيع هذه القوات أن تعلن انفكاكها عن “العمال الكردستاني”؟ وهل تستطيع إخراج المقاتلين الأجانب الذين هم بمعظمهم قادة من “العمال الكردستاني”؟ هذا الأمر لم يتحقّق حتى اللحظة. وهل هذه القوات اختارت لنفسها طريقاً واضحاً، لتصطف إلى جانب النظام أو المعارضة؟ نحن نرى تنسيقاً عالياً بينها وبين النظام وعمليات تجارية من نفط وغاز غيره، في حين أنها تقول إنها تعمل ضد النظام وتغييره إلى نظام ديمقراطي في سورية، ولكن هذا الأمر غير صحيح، هذه القوات تسعى إلى تحقيق مشروعها الخاص الذي لا تقبل من خلاله أحد. فهي هجّرت وصادرت ممتلكات وحاولت تغيير المناهج التعليمية وسعت إلى تغيير ديمغرافي في المنطقة من أجل تحقيق هذا المشروع. نأمل بأن يستطيع زملاؤنا في “المجلس الوطني الكردي” إقناع هذه التنظيمات الإرهابية بالقبول بالنقاط الأساسية التي يمكن للشعب السوري أن يرضاها، وبالتالي إقناع الائتلاف وتركيا كدولة إقليمية لأنها تمتلك موقفاً عدائياً من حزب “العمال الكردستاني” الذي نراه نحن أيضاً مهدداً لسلامة سورية ووحدة أراضيها وتراه تركيا بالصورة نفسها.
- هناك ضغط عليكم وعلى حزب “الاتحاد الديمقراطي” و”قسد”، لإيجاد مقاربة من نوع معين بينكم وبين “الإدارة الذاتية” الكردية، هذا ما ناقشه معكم المبعوث الأميركي السابق إلى سورية جويل ريبرون في إسطنبول قبل فترة. هل التقارب وارد؟ وما هي شروطكم؟ وما الصيغة التي تجدونها مناسبة للتقارب؟ وكيف ستكون حساباتكم حيال ذلك في ظل تحالفكم مع تركيا؟
هناك مطالب قديمة وما زالت مستمرة بأنه يجب أن يكون هناك تقارب مع حزب “الاتحاد الديمقراطي” ومحاولة إدخاله في العملية السياسية والمفاوضات أو اللجنة الدستورية، المشكلة ليست في المطالب وإنما في أساس الخلاف بين الائتلاف وهذه التنظيمات التابعة لحزب “العمال الكردستاني”، وكذلك الخلاف بين تركيا التي تجمعنا معها نقاط مشتركة تجاه هذه التنظيمات الموجودة على الأرض.
طالما لم تحل هذه المشكلة بين القوات الموجودة في شمال شرق سورية وبين الائتلاف وبين تركيا، لا نعتقد أن هذه الخطوة ستتم، بل على العكس نحن نرفض رفضاً قاطعاً أن تدخل هذه التنظيمات الإرهابية في أجسام قوى الثورة والمعارضة السورية أو في العملية السياسية. الولايات المتحدة تبذل جهداً وتسعى للتواصل بشكل مستمر من أجل هذه القضية، في النهاية أي حل في شمال شرق سورية يجب أن يحظى بأمرين، الأول هو موافقة السوريين، والثاني موافقة تركيا، وتحالفنا معها على مواجهة هذه التنظيمات.
- خاضت المعارضة السورية بالتحالف مع الجيش التركي عدة عمليات عسكرية في شمال وشرق سورية، لا سيما في أماكن فيها انتشار كردي، وتعالت أصوات كردية تتهم المعارضة وأنقرة بتنفيذ عمليات تغيير ديمغرافي من خلال طرد الأكراد من مدنهم وقراهم، هل هذا صحيح؟ وما هي نظرتكم لباقي المساحات التي لا تزال خاضعة للسيطرة الكردية، في شمال وشرق سورية؟
هذا الكلام غير صحيح، لا شك أن العمليات العسكرية أدت إلى حركة نزوح، وإذا نظرنا إلى منطقة كرأس العين فيها أكراد وعرب وربما سريان آشوريون وتركمان، نشاهد أن الكثير من مكوّنات هذه المنطقة قد غادرتها بسبب العمليات العسكرية التي تتحمّل “قسد” المسؤولية الأكبر عنها، مثلاً العرب كان عددهم كبيراً والآن قليل جداً، وكذلك الإخوة الأكراد وباقي المكونات.
سياسة الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة أن هذه المناطق مفتوحة أمام أهلها للعودة إليها لممارسة حياتهم بشكل طبيعي، ولكن هذا الكلام ليست معنية به “قوات سورية الديمقراطية” التي تحاول، سواء من خلال خلاياها النائمة التي زرعتها في المنطقة أو محاولتها الدخول عبر البوابة المدنية إلى هذه المنطقة، نشر الفوضى وعدم الاستقرار مجدداً من خلال المفخخات والتفجيرات اليومية التي تقوم بها في عدد من المناطق السورية من أجل استمرار حركتها ضد “الجيش الوطني” والقوات الحليفة التركية الموجودة في المنطقة. رئيس الحكومة المؤقتة دعا جميع أهلنا من أكراد وعرب وسريان وآشوريين للعودة إلى منازلهم، ولكن شرط ألا تكون هناك عودة لمقاتلي “العمال الكردستاني” الذي وجوده غير مقبول في هذه الأماكن.
- إدلب هي العقدة الأصعب في سورية حالياً، النظام والروس تجاوزوا كل الاتفاقات، ولا سيما تفاهمات أستانة وسوتشي، وتوغلوا في “منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها)، ما أدى إلى نزوح ما يزيد عن مليوني مدني يعيشون الآن في ظروف صعبة، علماً أن حلفاءكم الأتراك كانوا ضامنين لإدلب. بناء على كل ذلك ما هو الأفق ومستقبل إدلب؟
هذا هو ديدن النظام والقوى الإيرانية والروسية في التعويل على الحل العسكري في استمرار العمليات العسكرية من أجل حلمهم في إعادة السيطرة على كامل الجغرافيا السورية انتصاراً لحليفهم، هذا النظام المجرم ومن يساعده، والخروقات لهذه الاتفاقيات لم تتوقف للحظة. من ناحيتنا هناك ضمان من “الجيش الوطني” ومن حلفائنا الأتراك بما لدينا الآن من قوات موجودة على الأرض وتعزيزات بأن هذه المنطقة ستُحمى، ولن نسمح للنظام وحلفائه بالتقدّم إليها ولدينا حق الرد على كل الانتهاكات والخروقات التي تتم، وبالفعل نقوم بالرد على كل ذلك بفضل التنسيق والوجود الدائم لـ”الجيش الوطني” والقوات المسلحة التركية.
- أبدت واشنطن أخيراً اهتماماً بموضوع إدلب، ما هي إمكانية دعم تركيا والمعارضة بخيارات عسكرية هناك لاستعادة المساحات التي خسرتها المعارضة؟
نحن والإخوة الأتراك بحاجة إلى دعم دولي واسع على كل المستويات، سواء في منطقة إدلب أو في باقي المناطق المحررة أو في العملية السياسية أو في محاربة الإرهاب. نحن بحاجة إلى دعم ومؤازرة دولية، ونأمل بأن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية من جديد تكون بوابة لهذا الدعم الدولي الواسع، ولتركيا ولأميركا ولنا مصلحة في أن يتم التعامل مع مناطق شمال غرب سورية بطريقة فيها تعاون وتنسيق وأن يكون هناك دعم للحكومة السورية المؤقتة وأن يكون هناك انخراط مشترك في الترتيبات العسكرية التي تجري في المنطقة بما يضمن منع الروس والنظام من التقدّم وبما يضمن معالجة التنظيمات الإرهابية الموجودة في المنطقة.
- من غير المعروف ما الذي ستكون عليه سياسة الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن حيال القضية السورية، لكن هناك توقعات بأن تكون لبايدن خيارات بالتساهل مع النظام، كما كان الحال خلال فترة الرئيس السابق باراك أوباما، وكان بايدن نائباً له. كيف ستكون خياراتكم في حال صحت تلك التوقعات؟
معركتنا مع النظام هي معركة السوريين أنفسهم مع النظام، ولن يمنعنا في موقفنا هذا كل العالم لأننا نحن أصحاب القضية ونحن أدرى بمشكلتنا، وقرارنا واضح، نحن في معركة مستمرة ضد هذا النظام. ما نعلمه من الإدارة الأميركية وتواصلنا معها مستمر، بأن سياستها في سورية ستبقى على النهج نفسه في محاربة الإرهاب وفي إخراج إيران من سورية وفي حل سياسي بناء على بيان جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254. ما يثير انتباهنا أو يقلقنا الآن إلى درجة ما، هو سؤالنا كيف ستكون علاقة الإدارة الأميركية الجديدة مع إيران، لأننا نعتقد أن أي نفوذ جديد ستحظى به إيران أو متنفس مالي سيؤثر على معركة الاشتباك بيننا وبينها، لأن هذا حتماً سيزيد نفوذها في سورية وسيعطّل العملية السياسية، لأن إيران لديها مشروع استعماري خبيث في المنطقة ولن يقنعها أحد بالوصول إلى العملية السياسية أو الانخراط فيها من أجل العملية السياسية. ما يجعلنا متفائلين هو أن الولايات المتحدة تسعى لأن تكون لها علاقات تعاون وتنسيق مع تركيا في سورية، وكذلك أنقرة تسعى إلى أن تكون لديها علاقة تنسيق وتعاون في الملف السوري مع إدارة بايدن. إذا صحّت هذه الأمور فلا أعتقد أنه سيكون هناك تغيير سلبي كبير في سياسة الولايات المتحدة على الملف السوري، وربما تكون هناك بعض التغييرات الإيجابية التي أولها هذا التعاون الأميركي التركي الذي فيه مصلحة للجميع.
- ما هو تقييمكم في المعارضة لمفاعيل “قانون قيصر” بعد أكثر من 6 أشهر من تطبيقه؟ وهل برأيك عقوبات القانون قادرة على إنهاء النظام، أو إجباره على الانخراط في العملية السياسية، التي يرى متابعون أن التزام النظام جدياً بها سيؤدي لإنهائه؟
“قانون قيصر” مهم وكان إشارة واضحة حملت معاني متعدّدة، ومنها إشارة سياسية بأنه لا يمكن للإدارة الأميركية أن تقبل بالنظام السوري كشريك فاعل في المجتمع الدولي مرة أخرى، لكن بعد ستّة أشهر من تطبيق القانون لم يأتِ النظام بعد إلى طاولة المفاوضات. غير أن “قانون قيصر” مفيد وضيّق الخناق على النظام بشكل كبير جداً ولدينا معلومات عن حجم المعاناة والحصار الذي تعرّض له هذا النظام. اليوم المجتمع الدولي يعتقد أن آليات الضغط هذه كفيلة بإحضار النظام إلى طاولة المفاوضات، ولكن نحن كسوريين لدينا هاجس في هذه القضية إذ إننا نعلم طبيعة هذه الأنظمة الديكتاتورية ومن يدعمها من أنظمة أخرى مثل النظام الإيراني، ومن الصعب لـ”قانون قيصر” وحده أن يكون كافياً لإحضار النظام إلى طاولة المفاوضات لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254.