الجزيرة نت:15/4/2020
في ظل انتشار مرض كورونا وبسرعة في جميع أنحاء العالم، يلتزم نحو ملياري شخص بالحجر الصحي ولا يبرحون منازلهم، كما يلتزمون بتنفيذ توصيات منظمة الصحة العالمية بالبقاء مبتعدين مترين على الأقل عن بعضهم بعضا، لكن بالنسبة للقابعين في مراكز الاحتجاز المكتظة في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا، فإن هذا النوع من التباعد الاجتماعي ليس خيارًا متاحا.
ففي مقاله الذي نشرته مجلة “نيو ستيتسمان” البريطانية، قال الكاتب عمر الشغري إنه تعرّض للسجن على يد الأجهزة الأمنية الوحشية التابعة لنظام الأسد لمدة ثلاث سنوات، نتقّل خلالها بين عشرة مراكز احتجاز في أنحاء سوريا، بعد أن شارك في الحركة الاحتجاجية المناهضة للحكومة عام 2011.
وذكر الكاتب أن سجون النظام تعج بالسجناء السياسيين الذين سُلبوا حريتهم للعيش بين الجدران القذرة والرطبة لمراكز الاحتجاز تحت الأرض، مؤكدا أنه مكث هناك حتى دفعت والدته قرابة 20 ألف دولار لتأمين الإفراج عنه في عام 2015. ويتعرّض السجناء هناك للصدمات الكهربائية والضرب والاغتصاب والتجويع والمرض.
ويضيف الكاتب أنه من الصعب معرفة المدى الحقيقي لانتشار فيروس كورونا في سوريا، حيث تسيطر الفصائل المتنافسة على أجزاء مختلفة من البلاد بعد تسع سنوات من الصراع، فضلا عن أن النظام الحاكم في دمشق لا يتمتع بسمعة نزيهة. وحتى 6 أبريل/نيسان 2020، لم تُصرّح وزارة الصحة السورية إلا بوجود 19 حالة إصابة بفيروس كوفيد-19 وحالتي وفاة وحالتي شفاء. وبحسب الكاتب تعد هذه الأرقام منخفضة مقارنة بكثير من الدول المجاورة مثل لبنان وتركيا والعراق.
ويشير المقال إلى أن الأمر المثير للقلق بالنسبة للمحتجزين في سوريا، هو أن إحدى حالات الوفاة بسبب الفيروس تعود لامرأة من بلدة تسمى منين، التي تقع على بعد عشرة كيلومترات فقط من أكثر السجون السورية شهرة وهو صيدنايا، حيث يقول الشغري إنه سُجن قرابة عام تعرّض خلاله للإيهام بالإعدام قبل إطلاق سراحه، ومن المحتمل -حسب رأيه- أن المسألة ليست سوى مسألة وقت قبل أن يدخل الفيروس إلى أحد أسوأ السجون في العالم، حيث قضت الإعدامات الجماعية بالفعل على آلاف الأشخاص.
انعكاسات كارثية
وينقل الكاتب عن تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن نحو 130 ألف شخص لا يزالون محتجزين أو مخفيين بشكل قسري على يد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ومن شأن تفشي كوفيد-19 في السجون التابعة للنظام السوري أن يكون له انعكاسات كارثية على السجناء، حيث إن الكثير منهم يعانون من حالة صحية متدهورة واحتُجزوا بشكل تعسفي لسنوات، كما تعد مناعتهم ضعيفة بسبب أنواع التعذيب التي تعرضوا لها والجوع الذي يعانون منه، مما يرجح أن تكون معاناة هؤلاء السجناء أشد من غيرهم من سكان سوريا.
ولفت الكاتب إلى أن النظام السوري صرّح نهاية الشهر الماضي بأنه سيُطلق سراح بعض السجناء، لكن هذا العفو لا يشمل المعتقلين السياسيين، الذين لا يزالون يواجهون ظروفا قاسية. ومن المحتمل، وفقا للكاتب، أن يعتبر النظام أن تفشي كورونا سيخدم عددا من مصالحه، حيث سيمكنه من التخلّص من عبء بعض السجناء، بينما يحتفظ بالبعض الآخر كورقة مساومة سياسية.
وفي كل الأحوال، لا يهتم الحراس في السجون السورية بصحة المعتقلين أو برفاهيتهم، حتى إنهم لا يتخذون أي تدابير لمنع انتشار الأمراض مثل كوفيد-19. في المقابل، يقضي الحراس وقتهم في إعداد الطرق القاسية لإيذاء وتعذيب السجناء، واحتواء المرض بوحشية قاتلة، حسب الكاتب.
ويفيد الكاتب بأنه عند وصوله إلى سجن صيدنايا عام 2014، سأل أحد ضباط النظام المحتجزين الوافدين عما إذا كان بينهم مرضى، ويذكر أن الأشخاص الذين أكدوا أنهم مصابون قُتلوا ضربا.
ويضيف الكاتب أنه خلال أعوام اعتقاله الثلاثة، شهد على انتشار السل الذي تسبب في وفاة الآلاف من السجناء الآخرين، حتى إنه أُصيب هو أيضا بالسل، وسعل دما، وانخفض وزنه إلى 34 كيلوغراما فقط. لذلك، فهو يعتقد أن نجاته كانت بمثابة معجزة. لكنه يخشى أن يُكمل فيروس كورونا، وبعد انتشاره المميت في صفوف المعتقلين، المذبحة التي يقودها نظام الأسد ضد السوريين، على حد تعبيره.
غياب الرعاية الصحية
ووفق الكاتب، تفتقر سوريا إلى نظام رعاية صحية فعال بسبب استمرار الصراع لأكثر من تسعة أعوام. وفيما يتعلّق بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، استهدفت روسيا والجيش السوري المستشفيات عمداً، تاركين الملايين يعانون دون رعاية طبية كافية، سواء للتعامل مع جائحة الفيروس أو غيرها.
وعلى مدى الأعوام التسعة الماضية، استخدم النظام السوري أسلحة من جميع الأنواع لذبح المواطنين، بما في ذلك منظمو المعارضة السلمية في عام 2011. بعبارة أخرى، يهتم الأسد فقط ببقاء نظامه وعائلته، الذين حكموا بقبضة حديدية منذ عام 1970. لذلك، فإنه على استعداد لقتل مئات الآلاف من السوريين قبل أن يستسلم للانتقال الديمقراطي، وفقا للكاتب.
ونبه الشغري إلى أنه في خضم مكافحة فيروس كورونا، توحّد العالم ضد عدو مشترك، وقدم سكان العالم تضحيات على غرار البقاء في المنزل، والقبول بتضرر الأعمال التجارية، وتجنب الأصدقاء والعائلة، للحفاظ على سلامتهم الشخصية وسلامة مجتمعاتهم، لكنه أشار إلى أن الأشخاص الذين لا يزالون محتجزين في سوريا، لا يمكنهم الحصول على الرعاية الصحية ولا تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي.
وبين أنه ينبغي أن يطلب الجميع من الحكومة السورية السعي للحد من ارتفاع عدد الوفيات في سوريا. وذكر أنه أدلى بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي في مارس/آذار الماضي حول ظروف السجن التي عاشها في سوريا، لأنه يعتقد أن التحدث عما عاشه يمكن أن يحدث فرقًا ويحسن ظروف أولئك الذين ما زالوا مسجونين ظلما.
وخلص الكاتب إلى أنه يتعيّن الاستمرار في التحدث نيابة عن عشرات الآلاف من الأشخاص الذين ما زالوا محتجزين في السجون السورية، ووضع حد لنظام الاعتقال غير المقبول والإبادة الجماعية لنظام الأسد.