مطالب باعتماد معادلة جديدة لتوزيع الدخل وسط تأكيد رسمي بوجود عجز مالي عام
باسم فرنسيس اندبندنت عربية:20/9/2022
أكد مسؤولون ونواب أن الخلاف المزمن على تقاسم الإيرادات في إقليم كردستان بات يفرض نظام حكم منقسم على إدارتين بين الحزبين التقليديين الحاكمين وسط مطالب باتباع صيغة جديدة، فيما نفت الحكومة صحة تلك المزاعم مؤكدة مواصلتها دعم إجراء الإصلاحات.وما زال الحزبان “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني ونظيره “الاتحاد الوطني” بزعامة بافل طالباني الحاكمان في الإقليم يواجهان عقبات في تجاوز آثار نظام حكم الإدارتين على وقع خوضهما حرباً أهلية منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما فرض “الديمقراطي” سيطرته على محافظتي أربيل ودهوك، بينما انحسر نفوذ “الاتحاد” في نطاق محافظة السليمانية وتوابعها. تفاوت في التوزيع
وفي موقف لافت، وجه نائب رئيس الحكومة القيادي في “الاتحاد” قوباد طالباني انتقادات للمعادلة المعتمدة في توزيع الإيرادات المالية في الإقليم. وقال في منتدى الاقتصاد والاستثمار المنعقد في السليمانية إن “الإقليم عموماً يعاني عجزاً، لكن في السليمانية يبدو أنه أشد، جراء التفاوت في توزيع الواردات والموازنات مقارنة بأربيل”.
وأوضح “كانت هناك معادلة متبعة خلال فترة حكم الإدارتين، قسمت بموجبها الإيرادات، 57 في المئة منها لأربيل و43 للسليمانية، وهذا الحل ربما كان يناسب تلك الظروف، لكنه لا يناسب الظروف الآنية”، لذا من الأهمية إلغاء هذه المعادلة إذا كان لدينا حكومة موحدة، من خلال فصل نفقة المشاريع عنها، وكذلك الرواتب التي تعد من الأمور السيادية”.
حملة لكبح البيروقراطية والفساد
كما ذكر طالباني أنه يخوض “حرباً ضد الفساد من أجل إعادة الحيوية والنشاط للدوائر الحكومية، لقد اتخذنا عدة إجراءات لكبح الفوضى في سوق السليمانية، والمستثمرون يواجهون عقبات بسبب البيروقراطية، وعلى الحكومة أن تعمل لتقوية القطاع الخاص لإنعاش الاقتصاد”، موضحاً أن “الحملة التي نخوضها لإجراء الإصلاحات واعتقال الفاسدين لو كنا أطلقناها قبل عامين لعارضها العشرات من الأشخاص، وربما بعضهم من الحزب الذي أنتمي إليه، لكنني أحظى الآن بدعم قوي”، في إشارة إلى الخلاف مع نجل عمه لاهور شيخ جنكي، الذي أقيل في يوليو (تموز) العام الماضي من رئاسة الحزب بالتشارك بقرار من نظيره بافل طالباني.
وكان قوباد عقد منذ مطلع سبتمبر (أيلول) الحالي سلسلة اجتماعات مع المؤسسات والدوائر الحكومية في السليمانية، حذر خلالها المديرين من التقصير والمماطلة تجاه المستثمرين، بموازاة حملة أطلقها شقيقه بافل طالباني للحد من ظاهرة الفساد والتجاوزات والإرباك الحاصل على مستوى إدارة المحافظة.
لكن قادة في حزب طالباني غالباً ما كانوا يلقون باللائمة على حزب بارزاني الذي يتولى رئاسة الحكومة ويتهمونه بمعاقبة السليمانية “سياسياً” إثر تفاقم خلافاتهما أخيراً في عدة ملف سواء في بغداد أو أربيل، بينما يرجع مسؤولون في حزب بارزاني الأزمة إلى “استيلاء بعض المتنفذين في حزب الاتحاد على إيرادات المحافظة”.
الانقسام مجرد مزاعم
في المقابل سارع المتحدث باسم الحكومة جوتيار عادل خلال مؤتمر صحافي إلى نفي مزاعم انقسام الإقليم على إدارتين، وقال إن “الحديث عن وجود إدارتين لا أساس له”، مشدداً على أن الحكومة “تدعم بكل إمكاناتها الجهود التي يبذلها قوباد طالباني لإعادة تنظيم شؤون الدوائر والمؤسسات في السليمانية”.
وتتضارب الآراء إزاء أسباب العجز الواقع في نطاق إدارة السليمانية جراء تراجع إيراداتها المحلية، في مقابل استقرارها في أربيل ودهوك، إذ يعزوها بعضهم إلى سوء إدارة المحافظة، بينما يلقي آخرون المسؤولية على الحكومة في أربيل.يقول النائب عن كتلة “التغيير” رزكار محمد نغريي أنه تفقد معابر حدودية ضمن إدارة السليمانية برفقة لجنة حكومية “واكتشفنا أن بعض أسباب انخفاض الإيرادات يكمن في مخالفات لدى أقسام ميزان الحمولة، إذ تدار من قبل شركة يملكها أشخاص متنفذون وحزبيون، ووفقاً للقانون فإن هذه الشركات ملزمة بتسليم 75 في المئة من الإيرادات، لكنها في الواقع لا تسلم سوى 25 في المئة”، منوهاً إلى أن “في بعض هذه الأقسام تعطي فاتورة للسائقين غير مصدقة من المحكمة، بل مطبوعة من قبل الشركة، بمعنى أن هناك مخالفات”.
حال من اللامركزية
لكن النائب البارز علي صالح يؤكد انقسام الإقليم على حكومتين، وقال “كنا نؤكد مراراً أن الحكم في الإقليم منقسم، وكانوا يرفضون هذه الحقيقة، اليوم أصبحوا يقرون بهذا الواقع، فالمعادلة التي أشار إليها قوباد طالباني لم تعد قائمة، ما يجري الآن هو أن كل محافظة لها دخلها الخاص، 26 في المئة للسليمانية و74 في المئة لأربيل ودهوك، لأن المعادلة الآنية التي طبقت لغاية عام 2014 من دون إشكالات ليست سبب الانقسام الحاصل، إذ كان الإقليم يتسلم حصته من الموازنة الاتحادية ثم يجري تقاسمها، لكن الأزمة ظهرت بعد قطع بغداد لهذه الحصة”، مبيناً أن “مجموع العائدات النفطية يوزع وفق هذه المعادلة، فيما تتولى كل محافظة سد العجز من إيرادتها شهرياً لتكملة مبلغ الرواتب والمشاريع وشراء الأدوية والنفقات العسكرية والأمنية الحزبية وغيرها”.
وعن حجم إيراد السليمانية يرى صالح أن “المعادلة الآنية لم تترك أية قيمة للحكومة، لأن السليمانية ستكون هذا الشهر ملزمة بدفع 82 مليار دينار (نحو 55 مليون دولار)، فضلاً عن 15 مليار دينار (نحو 10 ملايين دولار) لنفقات الوزارات والرئاسات، أي أنها ستدفع 97 ملياراً (65 مليار دولار)، في حين أن حكومتها المحلية تقول إن إيراداتها تقل عن 80 ملياراً، بمعنى أن الأموال لا تكفي لدفع الرواتب، ترى كيف ستتمكن من تأمين الأموال لبقية النفقات؟ وهل يوجد مسؤول أو وزير للتعليق على ذلك؟” وختم متسائلاً “إذا كانت كل منطقة تعتمد على إيرادها الخاص، ما وظيفة كل هذه الوزارات والرئاسات؟”.
انقسام متجذر
من جهة أخرى أوردت وسائل إعلام محلية أن وزير الأعمار والإسكان دانا عبدالكريم أكد خلال لقائه عدداً من النشطاء المحتجين على تعطل مشاريع الطرق في منطقة كرميان أن “الشكاوى المرفوعة للوزارة تم تحويلها إلى مجلس الوزراء، وقد طلبنا منح وزارتنا مبلغ 10 مليارات دينار شهرياً (6.5 مليون دولار)، عن طريق وزارتي المالية والثروات الطبيعية لإكمال المشاريع، لكن المجلس رفض”. وأوضحت أن الوزير “أقر خلال حديثه مع النشطاء بأن حكم الإدارتين متجذر في الإقليم وهو أصل هذه المشكلات، مثالاً فإن نسبة إيرادات أربيل أعلى من السليمانية لذا من الواضح أنها تنجز مشاريعها من إيراداتها، بينما في السليمانية معطلة نتيجة شح الإيرادات”.
الإنفاق يتجاوز الإيراد
يأتي ذلك بموازاة اتهامات وجهها زعيم حراك “الجيل الجديد” المعارض رجل الأعمال شاسوار عبدالواحد إلى الحكومة باختفاء 22 مليار دولار من الإيرادات خلال عمر الحكومة الحالية برئاسة مسرور بارزاني، وقال إن “هذه الحكومة لم تدفع كامل رواتب موظفي القطاع العام لسبعة أشهر، كما لم تنجز أي مشروع استراتيجي، أبرزها الشارع المئوي في السليمانية وطريق كلار السليمانية ونفق دربنديخان وعديد من المشاريع معطلة، فيما يعاني المواطن غلاء معيشياً جراء ارتفاع غير مسبوق لأسعار الوقود والخبر ورسوم الكهرباء”.إلا أن المتحدث باسم الحكومة جوتيار عادل وصف هذه المزاعم بأنها “مزايدات سياسية، لأن الحكومة أعلنت للرأي العام بيانات الإيرادات والنفقات”.
ووفقاً للبيانات المعلنة فإن “الإقليم يؤمن إيراداته عبر بيع النفط والضرائب والرسوم إلى جانب التمويل المقدم من بغداد وقوات التحالف الدولي، وقد بلغ مجموعها خلال السنوات الماضية أكثر من 46 تريليون دينار (31 مليار دولار)، فيما تجاوزت النفقات العامة من ضمنها رواتب القطاع العام ومستحقات شركات النفط ومصاريف تشغيل وإنتاج الكهرباء 49 تريليون دينار (نحو 33 مليار دولار)”، وأردف أن “تكاليف الإنتاج والنقل والاستثمار في القطاع النفطي بلغت 55 في المئة من الإيرادات النفطية، فيما ذهب 45 في المئة إلى الخزانة العامة”.
وأكد “تخصيص 840 مليار دينار (56 مليون دولار) لتمويل المشاريع، وقد بلغ مجموع المشاريع المنجزة 884 مشروعاً”.
لكن سياسيين ومراقبين اعترضوا على صدقية البيانات لوجود اختلاف بين الإيرادات والنفقات والمبالغ المدفوعة لسداد الديون، وقالوا إن بيانات الحكومة “تكشف عن أن حجم النفقات يفوق الإيرادات خلال السنوات الثلاث الماضية”، في ظل تساؤل عن “كيفية تسديد جزء من الديون طالما كان حجم الإنفاق أعلى من الإيراد، وعن مصدر الإيراد الإضافي”.
عراقيل مفتعلة
الخلاف بين الحزبين لا يقتصر على ملف الإيرادات، بل يشمل جهودها لإكمال توحيد قوات البشمركة، على رغم الدعم الذي تقدمه قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم “داعش”، والضغوط التي تمارسها بهذا الاتجاه، وهو ما يؤكده موقف وزير البشمركة شورش إسماعيل الأخير عندما هدد بتقديم استقالته “في حال استمرار تدخل الحزبين في شؤون الوزارة”، وفق ما أكده المتحدث باسم الوزارة ميران بكر الذي كشف لشبكة “روداو” المقربة من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني عن أن “بعض المتضررين يضعون العراقيل أمام الوزير لإجراء إصلاحات”، لافتاً إلى أن “قوات التحالف الدولي الداعمة لهذا الإصلاح أوصلت انتقادات الوزير إلى القوى السياسية المشاركة في حكومة الإقليم”.
وتتجه الأنظار في الإقليم إلى اللقاء المرتقب بين زعيمي الحزبين بارزاني وطالباني، في ظل مؤشرات على حصول تقارب لتوحيد مواقفهما في بغداد والتفاهم على طرح مرشح مشترك لتولي منصب رئاسة الجمهورية، وتعقد أوساط سياسية الآمال على نتائج اللقاء باعتباره مفتاحاً من شأنه أن يفتح الباب لحل الملفات الخلافية أيضاً على صعيد إدارتهما للإقليم.