اورينت
قبل انطلاق طائرة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو باتجاه أمريكا لبدء زيارة مرتقبة الأربعاء، طار وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة للقائه بشكل مفاجئ، ما يؤكد على خطورة الحراك الديبلوماسي الذي تشهده القضية السورية.ورغم أن المعلومات التي رشحت عن اللقاء بين الوزيرين الإيراني والتركي يوم الثلاثاء لم تكشف عما هو استثنائي، واقتصرت على التصريحات الرسمية التي أعقبت اللقاء، وكرّر فيها الجانبان التأكيد على “وحدة الأراضي السورية وخفض التصعيد ومحاربة الإرهاب والتطبيع بين تركيا والنظام” إلا أن المؤكد وجود ما هو مهم لدى عبد اللهيان، وكان من الملح بالنسبة له الحضور إلى العاصمة التركية لإطلاع نظيره جاويش أوغلو عليه قبل توجّه الأخير إلى الولايات المتحدة.
وتزداد أهمية البحث فيما حمله الوزير الإيراني إلى أنقرة بالنظر إلى مجمل المعطيات التي سبقت هذه الزيارة وتتعلق بالملف السوري، وفي مقدمتها تعثّر قطار التطبيع بين تركيا وحكومة ميليشيا نظام أسد، حيث اُتهمت إيران بعرقلة هذا المشروع الذي ترعاه روسيا، بينما تبدو الولايات المتحدة سعيدة بهذا التعثر.
ما يؤكد أن ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق كان الشغل الشاغل للوزيرين في لقائهما أمس، وهو تأكيد جاويش أوغلو على أنّ “بلاده مستمرة في إعادة بناء العلاقات مع (سوريا) وأن إيران يمكنها أن تلعب دوراً فعّالاً على هذا الصعيد”، وهو ما يؤكد بشكل ضمني أن إيران تريد نجاح هذا التطبيع وليس عرقلته كما يعتقد الكثيرون، بل ربما كان حضور وزير خارجيتها بشكل عاجل ومفاجئ إلى أنقرة، قبل أن يغادرها نظيره التركي إلى واشنطن، هو بهدف الاطمئنان إلى أن تركيا لن تتراجع عن ذلك مهما كانت مغريات أمريكا.لكن لم تكن زيارة الوزير الإيراني هو الحدث الوحيد المهم الذي سبق توجّه نظيره التركي إلى واشنطن، بل سبقها الكثير من التطورات المهمة التي يجب التوقف عندها، وأبرزها:
١- عرض أمريكي متكامل بخصوص شمال سوريا:
في الواقع من حق كل من إيران وروسيا القلق على مشروع المصالحة التركية مع نظام أسد، بالنظر إلى الحديث القوي عن عرض أمريكا “لا يمكن رفضه” قدمته إلى تركيا من أجل التراجع عن السير أكثر، كما تشتهي رياح الروس وخاصة في سوريا، وهذا العرض أول ما يجب التوقف عندها بين خمسة أمور فرضت نفسها قبل سفر الوزير التركي إلى بلاد العم سام.
ورغم عدم كشف أي جهة رسمية عن تفاصيل هذا العرض، إلا أن المؤكد هو وجود حالة من الرضا التركي عنه، خاصة وأن العديد من المؤشرات أكدت ذلك، مثل زيارة عدة وفود أمريكية إلى أنقرة خلال الأسابيع الماضية، وتوقف أنقرة عن التصعيد الإعلامي ضد واشنطن خلال تلك الفترة.
وبالطبع فإن هذا العرض، الذي يقال إنه تطوير لمبادرة سابقة كان قد تقدم بها السفير الأمريكي السابق جيمس جيفري، ويشمل الاستجابة (قدر الإمكان) للمطالب التركية فيما يتعلق بمناطق سيطرة ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال شرق سوريا.
٢-تحسن كبير في العلاقات الثنائية الأمريكية-التركية:
من المعروف أن العلاقة بين أنقرة وواشنطن شهدت تدهوراً كبيراً منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة قبل عامين، ما أدى إلى تعليق صفقات أسلحة وانخفاض مستوى التبادل التجاري بين البلدين، على الرغم من اللقاء الذي جمع بين الرئيسين بايدن ورجب طيب أردوغان على هامش قمة روما في حزيران-يونيو ٢٠٢١
.ولعل من أهم المؤشرات على هذا التحسن في العلاقات، إعلان البيت الأبيض موافقته على إتمام صفقة طائرات إف-١٦ لتركيا، مع 900 صاروخ جو- جو و800 قنبلة ذكية في صفقة تبلغ قيمتها حوالي 27 مليار دولار، بالإضافة إلى محفز معنوي مهم وهو اعتماد التهجئة التركية لاسم تركيا لدى الولايات المتحدة بشكل رسمي عوضاً عن التهجئة الإنكليزية للاسم، وهو تطور يعود الفضل به إلى الجهود الخاصة التي بذلها إبراهيم كالن مستشار أردوغان، مع صديقه جايك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي.
٣- تأجيل اللقاء بين جاويش أوغلو وفيصل المقداد:
ليس هناك معلومات حاسمة بعد حول الجهة التي عطلت اللقاء بين وزير خارجية تركيا ونظيره في حكومة ميليشيا نظام أسد الذي كان مقرراً عقده في الرابع عشر من كانون الثاني-يناير الجاري، لكن وعلى الرغم من أن بشار أسد ووزير خارجيته قد أدليا بتصريحات نارية تجاه أنقرة الأسبوع الماضي، ليظهرا من خلالها وكأن النظام هو من عطل هذا الاجتماع، إلا أن مؤشرات قوية أفادت بأن واشنطن هي من تدخلت وطلبت من الأتراك تأجيله.
زيارة وزير خارجية إيران المفاجئة إلى أنقرة يوم الثلاثاء تُعتبر مؤشراً قوياً على فرضية التعطيل الأمريكي، الأمر الذي أقلق روسيا وإيران بطبيعة الحال، فكان لا بد من إرسال حسين عبد اللهيان إلى العاصمة التركية لتقديم عرض أكثر إغراء لأنقرة من العرض الأمريكي، كما يرى بعض المحللين.
٤- جاويش أوغلو سيلتقي سوريي أمريكي المعارضين لأسد:
اللافت في برنامج زيارة وزير خارجية تركيا إلى الولايات المتحدة هو جدولة اجتماع بين مولود جاويش أوغلو وبين ممثلين عن الجالية السورية في أمريكا.مصادر خاصة كشفت لـ”أورينت نت” عن لقاء سيعقد بين الوزير وشخصيات بارزة من هذه الجالية، معارضين لنظام ميليشيا أسد ومؤثرين لدى الإدارة الأمريكية.
المصادر قالت إن اللقاء الذي سيجري في “البيت التركي” في نيويورك يوم الجمعة، سيكون بمثابة تعبير عن شكر تركيا لممثلي المنظمات والجمعيات السورية-الأمريكية على الجهود التي بذلتها والضغوط التي مارستها لدى إدارة الرئيس بايدن من أجل تحسين العلاقات بين واشنطن وأنقرة، هذا من جهة، ولإطلاع هذه الشخصيات على توجهات تركيا ومواقفها من الملف السوري ونظام أسد من جهة أخرى.
٥- تحفظات أمريكية وتلويح بالتهديدات إلى جانب الإغراءات:
كل ما سبق يوضع في خانة المحفزات التي قدمتها الولايات المتحدة لتركيا، بهدف واحد رئيسي هو إبعادها عن روسيا، وأهداف تفصيلية تقع تحت هذا العنوان، وأهمها خفض التوتر مع اليونان، وقبول انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وإلغاء مشروع التطبيع مع دمشق.
التلويح بعصا العقوبات كان حاضراً من قبل واشنطن، إلى جانب سلة الجزر الذي تقدمت بها كان حاضراً، حيث كرر العديد من المسؤولين الأمريكان التذكير بالعقوبات المفروضة على نظام ميليشيا أسد، وإمكانية أن تطبق على المطبعين مع هذا النظام، في معرض تعليقهم على اللقاءات بين مسؤوليه والمسؤولين الأتراك التي تُوجت في اجتماع موسكو الثلاثي بين وزراء دفاع تركيا وروسيا وحكومة دمشق.
يمكن القول إن الانخراط التركي في عملية التطبيع مع نظام ميليشيا أسد قد أعاد الاهتمام الأمريكي بالملف السوري، أو بالأحرى أظهر مدى أهمية هذا الملف بالنسبة للولايات المتحدة، باعتبار سوريا أحد ميادين المواجهات المفتوحة بين الغرب وبين روسيا، حيث ترفض واشنطن وبشكل قاطع، كما يؤكد المطّلعون على سياساتها، أن تحقق موسكو أي فائدة من هذا الملف في الوقت الحالي، وخاصة عن طريق الشريك في حلف الناتو “تركيا”، فما هي النتائج التي ستسفر عنها زيارة جاويش أوغلو إلى أمريكا بهذا الخصوص؟