الجزيرة. نت:20/10/2020
قالت لوموند Le Monde إن تقريرا جديدا كشف كيف ظلت السلطات السورية تتحايل على اتفاق تفكيك ترسانتها الكيميائية، عن طريق إخفاء الأسلحة تارة والقضاء على الموظفين “المشبوهين” والاستيراد السري لعقاقير الأعصاب تارة أخرى.وفي تقرير مشترك بين بنيامين بارت وستيفاني موباس، أشارت الصحيفة الفرنسية إلى بدء تمزق حجاب الغموض الذي كان يخفي برنامج الأسلحة الكيميائية للنظام السوري، والذي سمح له بالإفلات من التزاماته تجاه المجتمع الدولي.
وأوضح كاتبا التقرير أن منظمتين غير حكوميتين، في طليعة الكفاح ضد الإفلات من العقاب في الصراع السوري، وهما مبادرة عدالة المجتمع المفتوح والأرشيف السوري، قدمتا أمس الاثنين، تقريرا إلى عدة هيئات تحقيق وطنية ودولية، يظهر بعمق ودقة كيفية عمل هذا البرنامج الذي تسبب في مقتل مئات المدنيين منذ عام 2011.وتكشف هذه الوثيقة المكونة من 90 صفحة، والتي حصلت كل من لوموند وواشنطن بوست وفايننشال تايمز وزود دويتشه تسايتونغ، على نسخة حصرية منها، كيف تلاعبت السلطات في دمشق بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي كان يعتقد أنها قامت بتفكيك الترسانة الكيميائية السورية.ويستند التقرير -حسب لوموند- إلى تحليل المصادر المفتوحة، واستخدام البيانات المستمدة من سجلات الأمم المتحدة، وشهادات حوالي 50 مسؤولا سوريا ممن انشقوا السنوات الأخيرة عن النظام في دمشق، بعد أن كانوا يعملون في مركز الدراسات والبحوث العلمية، وهو الوكالة الحكومية المسؤولة عن تطوير الأسلحة السورية التقليدية وغير التقليدية.
وقد أوضحت هذه المصادر -حسب الصحيفة- بنية هذا المجمع الصناعي العسكري التي لم تكن معروفة من قبل، والحيل التي لجأت إليها السلطات السورية لتضليل محققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للحفاظ على القدرة الهجومية بالمجال الكيميائي.وقد اعتمدت هذه الحيل -حسب لوموند- على نقل جزء من مخزون الأسلحة والمواد الفتاكة إلى قواعد الحرس الجمهوري، وعلى المطاردة والسجن والتخلص في بعض الحالات من الموظفين المشتبه فيهم، وعلى إنشاء قناة سرية لاستيراد المنتجات التي تدخل في تكوين غاز الأعصاب مثل السارين.
وذكرت الصحيفة بأن غاز الأعصاب هو الذي استُخدم عام 2013 في الغوطة، وأدى لمقتل 1200 من سكانها اختناقا، مما أثار غضب المجتمع الدولي، وتجاوز “الخط الأحمر” الذي رسمه الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، ودفع واشنطن وباريس ولندن وواشنطن إلى التخطيط لهجمات انتقامية، تم تعليقها بسبب ترتيبات اللحظة الأخيرة، والاتفاق بين الأخيرة وموسكو.
برنامج لا يزال قوياوبموجب هذا الاتفاق، الذي أقرته الأمم المتحدة ووافقت عليه دمشق، تم تكليف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتدمير المخزون السوري ونظام إنتاج الأسلحة الكيميائية، وأعلنت الولايات المتحدة وروسيا أن “المهمة أنجزت” بعد أن قامت المنظمة بمهمتين شملتا 27 موقعا لإنتاج هذه الأسلحة على أساس تقرير دمشق.ومع ذلك، ظلت المراكز الغربية، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تشتبه في أن دمشق تعمدت التقليل من أهمية ترسانتها، خاصة أن الهجمات الكيميائية استمرت على المناطق التي يسيطر عليها الثوار المناهضون للأسد بعد عام 2013.تقول الصحيفة: اليوم يساعد هذا التقرير الجديد -الذي يغوص بشكل عميق في ألغاز مصنع الموت السوري- في فهم السبب.وتنقل قول تستيف كوستاس من مبادرة عدالة المجتمع المفتوح أن أبحاثهم “تظهر أن سوريا لديها برنامج قوي للأسلحة الكيميائية، وعلى الدول الأعضاء بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية محاسبتها على انتهاكاتها المستمرة لاتفاقية الأسلحة الكيميائية”.وبعد 3 سنوات من العمل، تم إرسال التقرير -حسب لوموند- إلى 5 مؤسسات مختلفة هي:
فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، وهي هيكل منبثق من الأمم المتحدة يجمع الأدلة على الجرائم المرتكبة في سوريا، وزارة العدل الأميركية، مكتب التحقيقات الفيدرالي، المدعي العام الاتحادي الألماني الذي تلقى مؤخرًا شكوى ضد النظام السوري على صلة بالهجمات في الغوطة وخان شيخون.عمليات التنظيفوأشارت الصحيفة إلى أن أهم معلومة في التقرير كانت إعادة نشر خبر للموقع الإخباري السوري “زمان الوصل” عام 2017، يفيد بأن احتياطيات الأسلحة الكيميائية في المعهد 1000 في جمرايا، نقلت قبل 5 أيام من وصول محققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إلى مخازن قاعدة اللواء 105 للحرس الجمهوري الواقعة على بعد كيلومترات قليلة.وبحسب التقرير، فإن البرنامج الكيميائي -الذي نفذه مركز البحوث والدراسات العلمية في سوريا- بدأ منتصف الثمانينيات تحت إشراف جهاز استخبارات القوات الجوية، وهو عبارة عن متاهة من الفروع والمعاهد والوحدات التي تظهر الحرص على التقسيم لمنع التسرب والاختراق من قبل أجهزة التجسس الأجنبية.ركلة في عش النملوقالت لوموند إن تجربة عملية تصنيع الأسلحة الكيميائية بدأت بالتعاون مع معهد 3000 ومعهد 4000، وقد ساهم فيه خبراء من إيران وكوريا الشمالية اللتين تربطهما علاقات تحالف مع دمشق.ومع أن مهمة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بدأت عام 2013، وتلتها الضربات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية على بنية النظام السوري التحتية في أعقاب الهجوم على خان شيخون عام 2017، فإن النظام كان قادرا على المقاومة، خاصة أن الفرع 450 من معهد 3000 -الذي يمثل المركز العصبي للبرنامج الكيميائي السوري، والذي تم حله رسميا عام 2013- ما زال يعمل، ربما تحت اسم مختلف.وكشفت شهادات المنشقين عن مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري عن كيانات جديدة لم تكن معروفة من قبل، مثل ورشتين لإنتاج البراميل المتفجرة المليئة بالكلور، إحداهما تقع في جمرايا، والأخرى بالقرب من مصياف، كما تم اكتشاف موقع لإنتاج القنابل الثنائية بالقرب من حلب، بعد أن تم إغلاقه عام 1998.
وبحسب عدد من العاملين السابقين في المركز، فإن القصف الإسرائيلي، في أبريل/نيسان 2018 على المعهد 4000 الموجود بهذه المنطقة، لم يؤثر إلا على المباني الإدارية، كما فشل هجوم جوي آخر على المشروع 99، وهو مصنع لبناء صواريخ سكود، مخبأ في جبال تقسيس بين حمص وحماة.قتل موظفينونبهت الصحيفة -استنادا إلى أحد المنشقين- إلى أن النظام السوري نفسه يقوم في بعض الأحيان بتدمير منشآته الحساسة، كما حدث عام 2012، أثناء نقل معهد 4000، عندما أسقط طيران دمشق قنبلتين بوزن طن على مبنى بالقرب من حلب، خشية أن يستولي الثوار على صواريخ كورنيت المضادة للدبابات التي كانت فيه.وقد ساهمت الإجراءات الأمنية الصارمة ومراقبة الموظفين في وقف انشقاقهم وعدم تسريب المعلومات السرية -كما تقول لوموند- خاصة أن السفر إلى الخارج والانتقال داخل البلاد يحتاج إلى تصريح، وأنه “يكفي أن توجد لدى موظف أي معلومات خارج مجال نشاطه ليتم اعتقاله أو طرده”.
ويشرف الجنرالان، بسام الحسن ويوسف عجيب، على مطاردة المسؤولين المحتمل أنهم غير موالين، وقد “قتل عدة موظفين أو ماتوا في السجن أو اختفوا”. وبحسب التقرير، تم إعدام مهندس المركز أيمن الهبلي من قبل النظام “لتعاونه مع العدو الإسرائيلي” عام 2010.كسر سلسلة التوريدوأحدث ما تم الكشف عنه في التقرير -حسب الصحيفة- ما يتعلق بآليات تزويد المركز بالمواد الكيميائية، حيث اكتشف المحققون، بفضل قاعدة بيانات كومتريد (سجل تجاري ضخم تحتفظ به شعبة الإحصاءات بالأمم المتحدة) أنه بين عامي 2014 و2018، تم تصدير 69 فئة من المنتجات التي يحتمل أن تخضع للعقوبات إلى سوريا من 39 دولة، بينها 15 دولة أوروبية.وتضم بشكل أساسي أيزوبروبانول، وهو سلائف لغاز السارين، ويسمح بتسويقه فقط إذا كانت بنسبة تركيزه أقل من 95%، وحددت مبادرة العدالة للمجمع المفتوح، والأرشيف السوري، شركات مقرها بلجيكا وألمانيا وهولندا وسويسرا تواجه عقوبات قانونية.وقد أُدينت 3 شركات بلجيكية في فبراير/شباط 2019، وحُكم على مدير إحداها بالسجن لمدة عام، كما فتح تحقيق في هولندا، بسبب انتهاك قيود الاستيراد المفروضة على سوريا، كما تقول لوموند.