أمين العاصي
العربي الجديد:22/12/2020
لم ترضخ “قوات سورية الديمقراطية (قسد)، حتى يوم أمس الإثنين على الأقل، للضغوط الروسية المتلاحقة عليها، من أجل تسليم بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي للنظام السوري، تحت ذريعة تفادي عملية عسكرية واسعة النطاق من قبل الجانب التركي، الذي كان دفع فصائل المعارضة السورية التابعة له، إلى تصعيد الموقف العسكري في الآونة الأخيرة للسيطرة على هذه المنطقة.وكان من المقرر أن يُعقد اجتماع ثلاثي، أول من أمس الأحد، يضم ممثلين عن “قسد” والنظام والجانب الروسي، لبحث مصير البلدة وريفها،
إلا أن عضو ما يسمّى بـ”هيئة المصالحة” التابعة للنظام، عمر رحمون، أكد في تغريدة له على موقع “تويتر”، أن الاجتماع أُلغي، مشيراً إلى أن “الأمر يتجه نحو الاحتلال بنسبة 96 في المائة”، في تلميح إلى أن البلدة ستؤول في النهاية للجانب التركي. وفي تطور ميداني يشير إلى أن الجانب الروسي يحاول استمالة قوات “قسد” إلى صفّه، ذكرت شبكة “دير الزور 24” الإخبارية المحلية، مساء الأحد، أنه جرى نقل 100 عنصر من “الفيلق الخامس” الذي يتلقى دعماً روسياً إلى بلدة عين عيسى بهدف دعم “قسد”، مشيرة إلى أن الجانب الروسي ينوي استقدام المزيد من العناصر إلى المنطقة.وتبدو قوات “قسد” اليوم على مفترق طرق، في ظلّ محاولات روسية واضحة لابتزازها، من أجل تسليم البلدة التي تقع على بعد 37 كيلومتراً عن الحدود السورية – التركية.
وفي السياق، ذكر موقع “نورث برس”، أمس، أن قافلة عسكرية روسية مؤلفة من 15 مدرعة عسكرية وناقلات جنود، وصلت إلى القاعدة الروسية في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية. وتحاول “قسد” التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، المناورة في الوقت الراهن، وكسب الوقت، لإدراكها أن تسليم البلدة للنظام ربما يشكل بوابة واسعة لتسليم مناطق أخرى تحت الذريعة ذاتها، وهي تفادي عملية عسكرية تركية، ما يضعف هذه القوات عسكرياً وسياسياً.وكانت روسيا قضمت مناطق سيطرة فصائل المعارضة في عموم سورية على مراحل، وهو ما أخرج هذه الفصائل من المشهد العسكري في البلاد. وربما تحاول موسكو تطبيق هذا السيناريو في منطقة شرقي نهر الفرات، التي تخضع جلّها لسيطرة “قسد”. وتتعمق أزمات النظام الاقتصادية أكثر فأكثر، منذ خروج هذه المنطقة عن سيطرته بدءاً من عام 2013، لذا تضع روسيا في رأس أولوياتها استعادة شرقي الفرات تحت أي ذريعة لتدعيم اقتصاد النظام المتهالك.
وفي هذا الصدد، قال رياض درار، الرئيس المشترك لـ”مجلس سورية الديمقراطي”، الذراع السياسية لقوات “قسد”، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “ما يجري في بلدة عين عيسى، محاولة ابتزاز كبيرة من قبل الجانب الروسي والنظام، في محاولة للسيطرة على البلدة بمساعدة الجانب التركي، بالضغط عبر الفصائل السورية التي تقاتل معه”.
وأشار درار إلى أن “هذا الابتزاز مكشوف وواضح، فهم يريدون تسليم المنطقة للنظام السوري”، لافتاً إلى أن هناك نقاشاً وحواراً مع الجانب الروسي والنظام، ومؤكداً “وجود مقاومة” من قبل قوات “قسد”. وشدّد على أنه “لا يمكن أن يُسمح بتجاوز الخطوط التي تمّ الاتفاق عليها مع الجانب الأميركي، مضيفاً أن “الروس يستغلون فرصة عدم وجود قرار أميركي بسبب الفترة الانتقالية بين إدارتي دونالد ترامب وجو بايدن”.في الأثناء، ووفق مصادر محلية تحدثت إليها “العربي الجديد”، فإن هناك رفضاً شعبياً كبيراً في عموم منطقة شرقي نهر الفرات لعودة النظام، أو سيطرة فصائل المعارضة على هذه المنطقة، مشيرة إلى أنه “في حال عودة النظام، ستشهد المنطقة حركة نزوح كبرى، خشية قيام قواته وأجهزته الأمنية والمليشيات الإيرانية المساندة، بعمليات انتقام واسعة”. ولفتت إلى أنه “في المقابل، شاهدنا ما حدث في مناطق سيطرة فصائل المعارضة من تجاوزات وفوضى سلاح وفلتان أمني”.وحول الموقف التركي بشأن بلدة عين عيسى، أوضح الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الحشود العسكرية التركية المستمرة منذ أيام، تشي بأن هناك نيّة تركية للتوغل أكثر في منطقة شرق الفرات، واقتحام عين عيسى، لتوجيه ضربة قاسية للمليشيات الكردية في معقل دارها”.
وقال أوغلو إنه “يبدو أن أنقرة وضعت عدداً من الأهداف هذه المرة في قتالها مع المليشيات الكردية، أولها قطع الامتدادات الجغرافية لهذه المليشيات التي شكلت قلقاً كبيراً لتركيا خلال العامين الماضيين، من خلال استهدافها بين الحين والآخر للمناطق المحررة في الشمال السوري، فضلاً عن وضع نهاية للحلم الكردي بتشكيل كيان كردي على حدودها”.
وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن “التحركات التركية الحالية، تشير إلى أن أنقرة تسابق الزمن لتوسيع مناطق سيطرتها في الشمال السوري، قبل وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المقبل”. من جهته، فإن الصمت الروسي حيال التحركات التركية، بحسب أوغلو، يضع علامات استفهام حول مصير عين عيسى، الذي يتأرجح بين أكثر من سيناريو، ستتضح معالمه خلال الأيام المقبلة. وبرأيه، فإن الأرجح حتى اللحظة بعد الضغوط التركية المكثفة على “قسد”، قيام الأخيرة بتسليم المناطق للنظام، وهي خطوة بحسب الكثير من المراقبين، تخدم النظام وروسيا، لأن أي توسع لهما يضعف المعارضة.
إلى ذلك، لم يتحرك الجانب الأميركي، الداعم الرئيسي لـ”قسد”، حتى اللحظة، بشكل علني، من أجل تدعيم موقف هذه القوات في مواجهة الابتزاز الروسي، والتصعيد التركي، ربما بانتظار تسلّم إدارة بايدن مهامها. ومن الواضح أن الروس يحاولون استغلال المرحلة الانتقالية بين إدارتين في واشنطن لتحصيل مكاسب على حساب “قسد” في منطقة شرقي نهر الفرات الغنية بالثروات.
ميدانياً، لم تشهد المنطقة، حتى أمس، اشتباكات واسعة النطاق بين المدافعين عن عين عيسى من “قسد” وبين المهاجمين من فصائل سورية مرتبطة بتركيا، ما خلا قصفاً مدفعياً تشتد وتيرته مساء. وتشهد أطراف البلدة الشمالية والشرقية قصفاً ومواجهات، وسط تحليق مكثّف لطائرات تركية مسيّرة. وتشير المعطيات إلى أن فصائل المعارضة السورية، تتطلع إلى السيطرة على البلدة، التي تقع في منتصف المسافة التي تفصل مدينتي الرقة جنوباً وتل أبيض على الحدود السورية – التركية شمالاً، والتي كانت سيطرت عليها هذه الفصائل أواخر العام الماضي، إلى جانب مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي. لكن رغبة هذه الفصائل تبقى مرتبطة بتفاهمات روسية – تركية حول مصير منطقة شرقي نهر الفرات، وربما مصير الشمال الغربي من سورية، حيث لا يمكن عزل ما يجري في محافظة إدلب ومحيطها عن الأحداث الجارية في بلدة عين عيسى.وتقع عين عيسى شمالي مدينة الرقة بنحو 48 كيلومتراً، وهي في قلب منطقة شرقي نهر الفرات، ما يمنحها موقعاً استراتيجياً، كونها تحوّلت إلى عقدة طرق تربط بين مدن وبلدات المنطقة.
وانتزعت قوات “قسد” هذه البلدة من قبضة تنظيم “داعش” في عام 2016، وحوّلتها إلى نقطة تمركز عسكرية لها، إضافة إلى مقر لبعض مكاتب “الإدارة الذاتية”، قبل أن تنقل هذه المكاتب، أواخر العام الماضي، إلى مدينة الرقة، مع بدء الجيش التركي عملية عسكرية فتحت باب منطقة شرقي نهر الفرات أمام الجانب الروسي، حيث اضطرت “قسد” إلى توقيع اتفاق عسكري معه يتيح له إدخال قوات تابعة له وأخرى للنظام، لإيقاف العملية التركية عند حدود معينة.