وليد شقير اندبندنت عربية:11/5/2021
تتفاوت حسابات القوى السياسية اللبنانية بين ربط التعقيدات التي تحول دون تأليف الحكومة الجديدة بالمرحلة الدقيقة التي تمر فيها الأوضاع الإقليمية، في سياق انتظار اتضاح ما ستؤول إليه، لا سيما لجهة التفاوض والتوصل إلى تسويات بين الدول، وبين تشديد فرقاء على أن أصل التأزم بين أفرقاء السلطة لبناني وداخلي ولا أسباب خارجية له، حتى لو كان بعض القوى له ارتباطات أو حسابات خارجية.
إلا أن الانقسام اللبناني، على الرغم من استناده إلى حيثيات الصراع على السلطة والصلاحيات، والذي يعطيه بعض القوى بعداً طائفياً، يفرز تصاعداً في التأزم إما باتهامات من فريق لآخر بأن خلفية مواقفه تعود إلى تحالفه مع محور إقليمي، أي المحور الإيراني- السوري، وهو الاتهام الذي يوجهه فرقاء قوى 14 آذار السابقة إلى تحالف الرئيس ميشال عون و”التيار الوطني الحر” و”حزب الله” بأنه يرهن ورقة الإفراج عن الحكومة بتقدم المفاوضات الإيرانية- الأميركية، مقابل اتهام هذا الفريق الرئيس المكلف سعد الحريري بأنه يؤخر تشكيل الحكومة تارة لأنه يسعى إلى إرضاء الأميركيين باستبعاد “حزب الله” عنها باسم حكومة الاختصاصيين، وأخرى بأنه ينتظر أن ترضى الدول الخليجية عنه وعن الحكومة العتيدة. وترى أوساط حيادية بين الفريقين المتخاصمين أن القوى الإقليمية المتصارعة تفضل الإبقاء على الوضع الحكومي معلقاً في انتظار أن تميل الكفة لمصلحتها في المحاولات الجارية لتحقيق اتفاقات بينها لعل ميزان القوى يميل لمصلحتها في الميدان اللبناني.
لكنها لا تعير أهمية للنتائج السلبية لاستمرار تعليق الأزمة السياسية وتشكيل الحكومة، على الوضع الاقتصادي المالي والمعيشي الذي يتسارع انهياره. وترى أوساط سياسية تراقب عن كثب ما يجري في المنطقة أن حلفاء طهران يستعجلون قطف ثمار التفاوض على الملف النووي بين الولايات المتحدة الأميركية وسائر الدول الكبرى وإيران، في لبنان، وكذلك توظيف الخطوات الانفراجية المحتملة بين دول فاعلة مثل السعودية مع طهران، ومع سوريا، لمصلحة تكريس رجحان كفة حلفاء الأخيرة.
المخاوف من حلول على حساب لبنان
وفي الأسابيع الماضية عادت إلى الواجهة مقولة قديمة جديدة، بأن ما يجري من ترتيبات في المنطقة قد يأتي على حساب لبنان كما حصل سابقاً، إذا لم تلتقط القوى السياسية الرئيسة اللحظة وتعيد الحد الأدنى من التماسك لمنطق الدولة التي تتجه إلى مزيد من الانحلال بفعل الانهيار الاقتصادي الذي يزداد عمقاً في غياب حكومة كاملة الصلاحيات تضعه على مسار التعافي المالي. بل أن من تبريرات دعوة رأس الكنيسة المارونية البطريرك بشارة الراعي لاقتراحي حياد لبنان والدعوة إلى مؤتمر دولي لوضع الحلول لأزمته، تزايد المخاوف من إهمال لبنان، ما يضعه على طريق “الزوال”، المقصود منه تغيير هويته والتسليم بسيطرة المحور الإيراني عليه.
في الحالتين ملّ معظم اللبنانيين الربط بين الحكومة وبين أوضاع المنطقة، على الرغم من الاستقطاب السياسي الطائفي الذي يحكم المسرح السياسي اللبناني، من أي جهة أتى، لإدراكه أن معالجة التردي المأساوي في الأوضاع الاجتماعية يحتاج قيام حكومة موثوقة داخلياً وخارجياً.
ومن الطبيعي الاعتقاد أنه لولا ارتباط الأزمة في لبنان بالمسرح الإقليمي لما شهد البلد هذا الاهتمام الدولي وإرسال الموفدين إليه، ولو تفاوت هذا الاهتمام.
لودريان: هناك فرصة والمبادرة على الطاولة خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت وقبل أن يطرح عليه بعض ممثلي القوى التغييرية التي التقاها في 6 مايو (أيار) المخاوف من حلول للتوترات الإقليمية على حساب لبنان، بادر الوزير الفرنسي، بحسب قول مصدر مقرب من أحد المراجع الرسمية لـ”اندبندنت عربية”، إلى إبلاغ كبار المسؤولين الذين اجتمع إليهم بالقول “لا تضعوا المشكلة في بلدكم في خانة الوضع الخارجي. المشكلة لبنانية والحل في شأنها عندكم. ولا تحملوا عدم التوصل إلى الحلول لفرنسا وللرئيس إيمانويل ماكرون. مبادرة فرنسا وخريطة الطريق التي أطلقناها ما زالت على الطاولة فإذا اتفقتم وأنهيتم حال الانسداد السياسي، نحن ما زلنا على استعدادنا لدعم قيام الإصلاحات وتجييش المجتمع الدولي من أجل مساعدتكم على الخروج من الوضع الاقتصادي الصعب الذي يزداد خطورة”.أما في اللقاء مع القوى التغييرية فقد أجاب على طرح أحد ممثليها وجود مخاوف من أن تأتي الاتفاقات التي يجري التمهيد لها في المنطقة على حساب لبنان، بتأكيده أن هناك فرصة عند اللبنانيين كي لا تأتي الحلول على حسابهم، مذكراً بمبادرة ماكرون، وبأن لا أحد من القوى الدولية مهتم بالوضع اللبناني إلا فرنسا، وبوجود تنسيق مع كافة الدول الكبرى على دعم ضرورة خروج اللبنانيين من حالة الفراغ الراهنة.
وانطباع أوساط من التقوا لودريان أنه شدد على أنه ليس بالضرورة أن تأتي الانفراجات بين الدول المتخاصمة في المنطقة على حساب البلد، وأن بإمكان اللبنانيين أن يركبوا موجة التفاهمات المنتظرة. بل هو أكد أنه إذا هناك بين الفرقاء المحليين من يراهن على خلافات دولية حول لبنان، “فنحن متفقون حيال سبل معالجة الأزمة فيه”، مشيراً إلى أن آخر لقاءاته كان مع وزراء خارجية دول مجموعة السبع في لندن ومنهم نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، كرس التوافق حول ذلك، لا سيما ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها إزاء ما سماه في مؤتمره الصحافي “التأجيل المنظم”.حلفاء الأسد يدعون خصومهم إلى التطبيع معهلكن الفرصة التي يراها لودريان ينظر إليها فرقاء لبنانيون حلفاء لإيران والقيادة السورية، على أنها مؤشر لرجحان الكفة لمصلحة دورهم في السلطة ونفوذ حلفائهم الإقليميين في البلد عموماً. فبعض رموز “التيار الوطني الحر” مثلاً تعاطى مع أخبار التقارب السعودي- السوري ولقاء وفد سعودي مع الرئيس بشار الأسد ومسؤولين أمنيين سوريين، على أنه في غير مصلحة غريمهم في أزمة تأليف الحكومة الرئيس المكلف سعد الحريري. واعتبر بعضهم أن الإشاعات عن إمكان اعتذاره عن عدم التأليف يعني أنه سيكون ضحية هذا التقارب. وأخذ بعض الأقلام القريبة من “حزب الله” يتحدث عن عودة صيغة “سين-سين” (السعودية-سوريا) التي تجلت في عام 2009 بتقارب الدولتين الذي أدى إلى زيارة الحريري سوريا ولقائه الأسد بعد أن كان وقوى 14 آذار اتهموه بالمسؤولية عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، على الرغم من اختلاف الظرف الراهن عن السابق بعد ثورة الشعب السوري في 2011.
وواكب موقف التيار العوني هذا موقف مشابه من قبل كتلة نواب “حزب الله” في 6 مايو إذ اعتبرت أن “المنطقة من حولنا، مقبلة على فض نزاعاتها البينية كي تضع حدوداً لأزماتها وللصراعات الناشبة بين دولها. ومن المفيد ألا يحيّد لبنان نفسه عن الإفادة من تلك المناخات نظراً لحاجته الماسة إلى تبادل المصالح مع دول المنطقة عموماً وهدم جدران المقاطعات المفتعلة طوال الفترة الماضية التي أسست للتردي الحاد الذي يعاني منه لبنان في هذه الأيام”.وفي هذا الموقف دعوة من قبل “الحزب” للحريري وآخرين منهم “الحزب التقدمي الاشتراكي” إلى إعادة العلاقة مع النظام السوري التي كانا يقاومان مع حزب “القوات اللبنانية” وقوى أخرى “سيادية”، ضغوط حلفائه اللبنانيين لبتطبيع العلاقة معه ، تارة تحت عنوان التنسيق من أجل إعادة النازحين السوريين وأخرى من أجل التعاون الاقتصادي كون سوريا بوابة لبنان إلى تصدير منتجاته الزراعية والصناعية إلى دول الخليج براً، أو من أجل ترسيم الحدود البحرية التي برز خلاف حولها أخيراً. وهو أمر يرفضه الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط.
وفي معلومات “اندبندنت عربية” أن المسؤولين الروس الذين يلعبون دوراً في الانفتاح العربي على نظام الأسد، ويسعون إلى تكريس شرعية الأخير بعد الانتخابات الرئاسية السورية التي يشكك فيها الغرب، طرحوا على الحريري أثناء زيارته موسكو في 15 و16 أبريل (نيسان) الماضي ضرورة استعادة هذه العلاقة، واقترحوا، في حال شكل الحريري الحكومة عقد مؤتمر دولي إقليمي لعودة النازحين السوريين في بيروت بعد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى الشهر المقبل (يحضره وفد حكومي سوري)، إلا أن الحريري لم يتجاوب مع هذا الاقتراح ولم يقدم أي التزام للجانب الروسي على الرغم من إعلان موسكو تأييدها قيام الحكومة برئاسته. لكن في المقابل فإن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل كان سريع التجاوب مع المسؤولين الروس أثناء زيارته إلى موسكو، عقب زيارة الحريري، مع طلبها تعاون لبنان مع الأسد، فأكد استعداد وزير الخارجية الحالي شربل وهبة (الموالي لعون) لزيارة دمشق وأبدى حماسة لعقد مؤتمر عودة النازحين.وفي وقت ينظر حلفاء المحور الإيراني- السوري إلى محادثات فيينا الدولية الإيرانية مع طهران على أنها ستزيل العقوبات عن طهران قريباً، ما يعزز موقع حلفاء الأخيرة على الصعيد الإقليمي حيث يعتبر فريق الرئيس عون و”التيار الحر” أنه انتصر مقابل خصومه، فإن القوى المناهضة للتوسع الإيراني تدعو إلى قراءة متأنية لمناخ الانفراجات الإقليمية، لأن المحادثات هذه المرة تشمل الوضع الإقليمي بهدف وضع حد لتوسع تدخلات إيران في دول الإقليم. فالخارجية الإيرانية نفسها اعترفت في 10 مايو على لسان الناطق باسمها سعيد خطيب زادة، أن المحادثات مع المملكة العربية السعودية تناقش “العلاقات الثنائية وملفات إقليمية”.
فاعتراض الرياض الرئيسي خلال السنوات الماضية كان على تدخلات طهران في عدد من الدول العربية. وتلفت أوساط مراقبة عن كثب لتلك المحادثات إلى إعلان الرياض على لسان رئيس تخطيط السياسات في وزارة الخارجية السعودية، السفير رائد كريملي أنه “من السابق لأوانه الوصول إلى أي استنتاجات محددة”، مشيراً إلى أن الهدف منه ” الحد من التوتر في المنطقة”. لكن على الرغم من هذه المحادثات فإن طهران تواصل عبر الحوثيين استهداف المملكة بالطائرات المسيرة المفخخة وبإطلاق الصواريخ الباليستية على أراضيها.