الراي
واشنطن – من حسين عبدالحسين |17 يونيو 2021
كشفت مصادر مطلعة في الإدارة الأميركية، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرض على نظيره الأميركي جو بايدن، أثناء قمة جنيف، الأربعاء، أن تقوم موسكو بوساطة بين الرئيس السوري وواشنطن، بما في ذلك «طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة».وتعهد أن يقوم بشار الأسد بتنفيذ كل ما يتم التوصل إليه في الاتفاق مع واشنطن، بما في ذلك «الإصلاحات السياسية».
وقالت المصادر إن بوتين حاول إقناع بايدن بـ«فوائد» انفتاح الولايات المتحدة على الأسد ونظامه، وأعلن أنها متعددة الجوانب، يتصدرها الأمني، إذ «يمكن للأسد أن يلعب دوراً محورياً في الحرب العالمية ضد الإرهاب».
وأكدت أن بوتين أوحى لبايدن أنه من دون الأسد، ستسيطر ميليشيات إسلامية متطرفة على سورية، وسيصبح «أمن حلفاء الولايات المتحدة وأمن حدودها في خطر»، في تلميح صريح إلى أن الأسد يمكنه أن يضمن أمن وسلامة الحدود السورية الجنوبية مع إسرائيل.
وقال الرئيس الروسي إن «للأسد تاريخاً مؤكداً في ذلك».وأضاف بوتين أن الأسد يمكنه أيضاً أن يستعيد مناطق شرق الفرات، حيث تنتشر الميليشيات الإسلامية على أنواعها، منها «داعش»، ومنها ميليشيات موالية عراقية وأفغانية موالية لإيران.حتى أن الأسد، بحسب بوتين، «كان قادراً على ضبط نوعية وكمية الأسلحة، التي كان يتم شحنها الى الميليشيات في عموم المنطقة»، في تلميح روسي ثان إلى أنه يمكن للأسد أن يسيطر على نوعية وكمية السلاح الإيراني الذي يصل إلى حزب الله اللبناني.
أما بعد اندلاع الحرب السورية، فبات الأسد غير قادر على ذلك، وراحت الميليشيات تتسلّح بسلاح نوعي كثيف.وانتقل بوتين في تسويقه الأسد لدى الرئيس الأميركي من الأمني إلى السياسي، وقال إن دول المنطقة تعاني من نفوذ وهيمنة على بعضها البعض.ولم يسمّ الرئيس الروسي، إيران بالاسم، لكنه ألمح إلى أن ما يقصده هو أن التعاون مع الأسد يبعده عن طهران ويعيده إلى الصف العربي، وهو ما يضعف حكماً النفوذ الإيراني شرق المتوسط.
ثم بعد الأمني والسياسي، حاول بوتين إقناع بايدن بأن التوقعات الاقتصادية تشير إلى أن نسبة النمو في سورية ستتعدى الـ 20 في المئة في حال توقفت الحرب وأنهت الولايات المتحدة وأوروبا عزلة الأسد، ورفعت عقوباتها عنه، وأن هذا النمو يفتح الأبواب أمام شركات عالمية، منها روسية وأميركية، للاستثمار في سورية، وتحصيل أرباح كبيرة.
كما أشار إلى أن التقديرات تعتبر أن الشاطئ السوري قد يتمتع بمخزون من الغاز، وكذلك البادية الجنوبية، وأنه يمكن لكونسورتيوم نفطي دولي تطوير هذه المناطق النفطية بما يعود بالفائدة على شركات الطاقة الدولية الروسية والأميركية.
وبعدما أنهى بوتين مطالعة دامت أكثر من عشر دقائق تحدث فيها عن الأسباب الاستراتيجية التي دفعت روسيا الى إنقاذ الأسد «من مخالب الإرهاب»، رد عليه بايدن بأن «الأسد خسر ثقة العالم، وفي طليعته الولايات المتحدة، وأن لا واشنطن ولا أي من عواصم العالم مستعدة أن تتعامل مع رئيس قصف مواطنيه بأسلحة كيماوية».
وقال بايدن إن تقارير الوكالة الدولية لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، التابعة للأمم المتحدة، أكدت بشكل قاطع قيام الرئيس السوري باستخدام غازات محظورة دولياً لقصف المدنيين، وأن لا مكان في العالم لزعماء من هذا النوع.
ولم يفنّد بايدن النقاط التي استعرضها بوتين حول فوائد إنهاء عزلة الأسد ورفع العقوبات عنه وعن نظامه، واكتفى بالإشارة إلى أن ما فعله الأسد أفقده ثقة العالم، وأن التعامل معه «لم يعد جائزاً أخلاقياً».
في هذا السياق، قال آرون ستاين، مدير الأبحاث في «معهد أبحاث السياسة الخارجية» في واشنطن، إن إدارة بايدن بدأت مراجعة سياستها تجاه الأسد منذ توليها الحكم في يناير الماضي، وأن المراجعة «سعت إلى طي صفحة سياسات إدارة (الرئيس السابق دونالد) ترامب، التي حوّلت أولويات الولايات المتحدة في سورية من الهدف الضيق المتمثل في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية إلى توسيع المهمة بمواجهة إيران وحماية النفط السوري من الأسد».
وأضاف أن «النظام السوري هش وغير كفء، لكنه يحظى بدعم روسيا وإيران، كما صمد في وجه التمرد لمدة عشر سنوات، وهو لا يسيطر على البلاد بالكامل، لكن المعارضة أضعف من أن تشن عمليات هجومية لاستعادة أي أراض».
وتابع ستاين أن سورية تواجه «كارثة اقتصادية ناجمة عن انهيار القطاع المصرفي اللبناني، وتأثير فيروس كورونا، والعقوبات الأميركية، والجفاف الشديد الذي قلّص من المحاصيل الزراعية، والبنية التحتية المدمرة».
على أن الوضع السوري المتردي لا يؤثر في سياسة أميركا، التي تتمحور الآن حول هدفين هما «زيادة المساعدة الإنسانية والاحتفاظ بالوجود العسكري لمحاربة داعش» شرق سورية.
وأشار الباحث الأميركي إلى أن إدارة بايدن أفرجت عن 50 مليون دولار كمساعدة لتحقيق الاستقرار، والتي كان تم تجميدها في زمن ترامب، والتي تُنفق بشكل أساسي في شمال شرقي سوريا.هذا التمويل، يضاف إلى 600 مليون دولار للتمويل الإنساني لكل سورية، بما في ذلك للاجئين في الدول المجاورة.
ويختم ستاين أن إدارة بايدن قرّرت «الاحتفاظ بقوات برية والدعم الجوي لقوات سورية الديموقراطية (قسد)، القوة الشريكة التي تصدرت محاربة داعش، وهي الأولوية الثانية للإدارة»، وهو أمر يزعج بوتين بلا شك.
ويبدو أن محاولات بوتين إقناع بايدن بالتنازل في سورية، أو على الأقل مقايضتها حتى يتسنى للرئيس الروسي الإفادة من الاستثمار الكبير العسكري والمالي له في سورية، لم تثمر، على الأقل في عهد هذا الرئيس الأميركي.