بسام البدارين
عمان-»القدس العربي»: 22/8/2021لماذا تسببت بوابة بن غوريون الإسرائيلية لسنوات متعددة بإعاقة نمو العلاقات السياسية بين الأردن وتركيا؟يبدو السؤال مثيرا بعد مراجعة بعض الوقائع التي تحاول فهم الأسباب التي دفعت لسنوات طويلة نسبيا العلاقات الأردنية التركية الرسمية إلى مربعات ضيقة قبل إظهار الطرفين فجأة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية الرغبة في فتح صفحة جديدة وتجاوز مرحلة الحساسية والانفعال في إدارة العلاقة بين البلدين.
سمحت زيارة وزير الخارجية التركي جاويد شاويش أوغلو قبل أيام قليلة إلى عمان بتداول بعض المعطيات التي لا يعرفها الجمهور، وفي نقاش بحضرة رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة فهمت «القدس العربي» بأن عمان مستعدة للانفتاح أكثر على تركيا الرئيس رجب طيب اردوغان وبأن العلاقات اليوم إيجابية وقابلة للتطوير وان النوايا طيبة من الجانبين خصوصا بعد تقديم شروحات يبدو انها كانت غائبة في الماضي القريب.
مجددا أوضح الخصاونة ما كان يردده على مسامع «القدس العربي» بالعادة وزير الصناعة والتجارة الأردني الأسبق الدكتور طارق الحموري عبر التأشير على أن عمان قررت تجميد اتفاقية التبادل التجاري قبل أكثر من عامين بصورة فردية لأسباب وطنية محضة ولا علاقة لها بالحسابات السياسية.
وذلك حسب خبراء بهدف احتواء تضجر وشكوى القطاع الصناعي الأردني الذي قدر بأن تلك الاتفاقية الملغاة الآن ظالمة في التنافس للصناعيين الأردنيين المرتابين مع انهم يميلون إلى الشكوى بكل الأحوال.يلمح الخصاونة أيضا إلى ان بعض وسائل الإعلام في تركيا بالغت في تفسير وتسييس قرار إجرائي بيروقراطي لصالح القطاعات الأردنية.
وما أعلن مؤخرا على هامش استقبال الوزير أوغلو في عمان هو المصادقة بعد أشهر طويلة على اتفاقية جديدة للتعاون والتبادل يرى الأردنيون انها أكثر إنصافا لهم تقدم الأتراك خطوة بالمصادقة على اتفاق جديد. وهي خطوة تعني ضمنيا سياسيا قبول أنقرة بصرف النظر عن أسبابها لشروحات وتقارير ووثائق أردنية تظهر أو تثبت بأن مسألة تعليق الاتفاقية السابقة ذاتية ومحلية ولا علاقة لها بأي خيارات سياسية.
لكن الجانب التركي بالمقابل قدم شروحات لمسائل محددة كانت تثير إرتياب عمان طوال الوقت، والجديد سياسيا هنا أيضا أن عمان بدورها ولأسباب تخص حساباتها المتقاطعة إقليميا تقبلت تلك الشروحات مما سمح بتبادل المعطيات لا بل بالتنسيق أحيانا خصوصا في الجزء المتعلق بتقارب واتصالات بين تركيا ومصر. وفي الجزء الذي سيتعلق لاحقا بإجراء مشاورات للتوافق ثنائيا على تكتيك مرسوم له علاقة بملف اللاجئين السوريين وكيفية التعامل مع المجتمع الدولي بخصوصه في المرحلة اللاحقة.
عبر الخصاونة هنا عن أمله في ان يتفهم الصديق التركي والجار المهم فكرة بان بقاء قضية اللاجئ السوري حية وفعالة ونشطة في الضمير العالمي هو عنصر لمساحة مشتركة يمكن ولا بد من العمل عليها ثنائيا لتعزيز ميزان المصالح للبلدين بعد تضررهما بسبب اللجوء السوري وبحكم سعي عدة أطراف دولية لطي ملف هذا اللجوء، الأمر الذي يلحق ضررا بتركيا والأردن معا.
هذه الإشارات الحكومية الأردنية تثبت بأن محور عمان أنقرة بدأ يتبادل التقديرات ولو عن بعد إثر إنتهاء مرحلة تقبل الشروحات بصورة تبادلية والمرجح أن الشروحات التركية أجابت على بعض الأسئلة الأردنية الحساسة بخصوص كيفية تصرف الجمهورية التركية إزاء ملف في غاية الأهمية أردنيا ليس له علاقة فقط بالقدس والوصاية الهاشمية، لكن له علاقة وقد يكون هذا الأهم لعمان بالمسجد الأقصى.
هنا شرحت أنقرة بانها لا تقصد رسائل سياسية محددة عندما تصر منظمات ومؤسسات تركية على تنظيم رحلات لمواطنين أتراك إلى القدس عبر الوكيل الإسرائيلي، وشرحت بانها تفضل أن يزور المسجد الأقصى والقدس عبر أغوار الأردن لكن الجانب الأردني يتحدث عن بنية لوجستية عن المعابر والجسور لا تسمح بذلك وهي مسألة تثبت بأن الجانبين خلف الستارة تحدثا بصراحة عن ما يقلقهما فيها.
جددت تركيا تأكيدها على دعم الوصاية الهاشمية على القدس وأظهرت مرونة في باطن الاتصالات بتقدير الدور الذي تلعبه الأوقاف الأردنية في الحرم المقدسي وعمان تريد بصراحة ووضوح ان يتدخل المستوى الأمني والسياسي التركي لمنع تنظيم زيارات عبر بوابة بن غوريون التي تتبع المحتل.
وتؤسس عمان في السياق لنظرة تفترض انها أكثر عمقا قوامها التضحية قليلا والانتظار بدلا من منح قوة الاحتلال والأمر الواقع الفرصة لتنظيم زيارات للمسجد الأقصى عبرها وعلى أساس ان قيمة عروبة القدس وأهميتها أهم فيما سيحاول الأردن التغيير في المعطيات اللوجستية في الجسور والمعابر.
هذا التبادل للمعطيات والشروحات لا ينقل العلاقات الأردنية والتركية بعد إلى مستويات متقدمة أو استراتيجية لكنه بالحد الأدنى وفي غضون الساعات القليلة الماضية ساهم بفتح صفحات جديدة، وأظهر براغماتية الطرفين قليلا فيما الجزء الاستراتيجي يمكن تأجيله وفيما تقول عمان بانها طالبت واشنطن في عهد جو بايدن باحترام وتقدير وانخراط الدور التركي في عملية السلام.