الكاتب : أيمن فهمي أبو هاشم
فكرة الأكثرية موجودة لدى الأقليّات، بمعنى أن الشعور الأقلّوي بالخطر من أكثرية معادية لها في مخيالها، يدفعها لشد عصبها الأثني أو المذهبي أو الطائفي.
وهنا يتضخم شعورها بالذات المُهددة، كي تعوّض أقليتها العددية بالدفاع عن وجودها الخاص. بهذا المعنى يمكن تفسير سلوك داعش بوصفها أقلية سنيّة، ترى بالأكثرية السنيّة الضالة وفق منهجها، عدواً لا يقل عداوةً عمّا تراه في أقليّات أخرى.
كما أن مصطلح الأكثرية حين يُستخدم لتعيين أكثرية عددية ذات هوية دينية أو قومية أو أثنية، غالباً ما يكون نتاج توظيف سياسي، لأن وعي أكثرية لتعددها وتنوعها السياسي والفكري والثقافي، لا يجعل منها مرادفاً لأكثرية هوياتية عددية.
مثلاً : لم يكن مفهوم الأكثرية لدى سنّة سوريا بعد الاستقلال، حاضراً في وعي نخبها السياسية والثقافية وحتى الدينية كذات مُهيمنة على غيرها من الأقليات. ولم يكن حكّام سوريا سواء من العسكريين أو المدنيين السنّة في حقبة الأربعينيات والخمسينيات وحتى منتصف الستينيات، يفلسفون اعتباراتهم السلطوية انطلاقاً من ثنائية أكثرية/ أقلية.
لكن بعد حكم الأسد الأب، ودور الولد الوريث في أدلجة الثورة السورية كخطر سنّي على الأقليات لهدف سلطوي صارخ وهو قمع الثورة وإجهاضها. في مقابل دور الإسلاميين في التصديق على أدلوجته تلك بذريعة استثارة مقاومته، بدأ السنّة بعد استهدافهم الهويّاتي من النظام، بتعريف أنفسهم كاقليّة مهددة فعلياً.
كل ذلك قد يفسر ضمور الوطنية السورية، كأحد أخطر تداعيات الحقبة الاسديّة السوداء، التي يصعب تجاوزها إلا باستفاقة الأقليّات السورية لهذه اللعبة الجهنمية الدموية، ورفض السنّة أن يهيمن عليهم الوعي الاقلّوي مهما بلغت مظلوميتهم.
وبهذا سنكون أمام فرصة حقيقية لبناء دولة مواطنة حرة بحجم ثورة السوريين وتضحياتهم وعذاباتهم ..