هشام اسكيف /موقع تلفزيون سوريا
على طريقة استدعاء الرئيس لمرؤوسيه كان مشهد زيارة بشار الأسد للرئيس الروسي بوتين، فلم تخرج هذه الزيارة عن طريقة الشحن السابقة دون إعلان مسبق ودون مراسم استقبال وبشكل مفاجئ.
يبدو أن تعليمات المرحلة القادمة غاية في الأهمية حيث استدعت ضبط وإحضار بشار الأسد مخفورا إلى الكرملين فهي مرحلة التفاهمات على ما يبدو وخاصة أن غدا موعد اجتماع لجنة الخبراء فريشنين/ ما كغورك هذه المرحلة أتت بعد مرحلتين:
المرحلة الأولى قبل القمة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ـ وجو بايدن، والتي اتسمت بحالة استعراض أوراق القوة.
أما في المرحلة الثانية: أثناء القمة فكان الملف السوري الحاضر الغائب ومسبر الاختبار للعلاقة الروسية الأميركية فمدة 10 دقائق ـ وهو وقت ليس بالقليل ـ أفرده بوتين لمحاولة إقناع الرئيس جو بايدن بفوائد إعادة تأهيل بشار الأسد، عَرَض بوتين خدمات بشار والتزامه بأمن إسرائيل والتزام بشار بتقييد وصول الأسلحة الدقيقة الإيرانية للميليشيات الإيرانية وتعهد وفق ما قال بوتين بذلك شخصياً وعلى ضمانته، ولكن يبدو أنَّ دبلوماسية السمسار التي تمتع بها بوتين في سنوات عهده الدموية لم تقنع جو بايدن فكان رده على الـ 10 دقائق المسهبة في شرح مزايا تأهيل بشار الأسد بما لا يتجاوز الـ 20 ثانية ((إنَّ ما فعله الأسد أفقده ثقة العالم، وإنَّ التعامل معه «لم يعد جائزاً أخلاقياً»)).
المرحلة الثالثة: التي تجري الآن والتي اتسمت بوجود لجنة الخبراء يرأسها مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ما كغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، التي أنتجت تفاهمات قرار تمديد دخول المساعدات من باب الهوى والتي أيضا على موعد للاجتماع غدا وعلى الطاولة كل التفاصيل من دمشق إلى درعا وإدلب والحسكة والرقة وحلب، لذلك رأينا ضبط وإحضار بشار الأسد بهذه الطريقة التي تحدثت بالكثير وبإمكانك أن تكتفي فيها مهملا كل ما جرى من محادثات علنية فيها وعنها.
سياسية الخطوة بخطوة
ظهرت استراتيجية الخطوة بخطوة بشكل أولي من خلال مقالات لمسؤولين أميركيين وأولهم منظر الاستراتيجية بريت ما كغورك والذي تسلّم لاحقاً مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، وترسخت هذه الاستراتيجية بعد اجتماعات فيينا وجنيف والتي أسست لمرحلة جديدة اتسمت بالتوازن الأميركي بالتعاطي مع الملفات الحساسة في الشرق الأوسط، بحيث منعت الولايات المتحدة عملية التطبيع مع النظام السوري دون مقابل وعادت للتلويح بقانون قيصر وصولا إلى صدور عقوبات جديدة على شخصيات وكيانات من النظام السوري، تبلورت بعد كل هذا المخاض العسير سياسية الخطوة بخطوة ولكن تنفيذ تلك الاستراتيجية يتسم فيما يبدو بالضبط المحكم فمشروع الملك عبد الله (الغاز الإسرائيلي مقابل الكهرباء) ليس مشروعاً منفردا بل يأتي في إطار تلك الاستراتيجية لاسيما أن عائدات النظام من الغاز والكهرباء لا تذكر ومن المؤكد أن العوائد السياسية هي أكبر فالزيارات اللبنانية والأردنية قد تكون الثمن فماذا دفع النظام مقابلها؟؟
منع العودة إلى الجامعة العربية واللجنة الدستورية وحكومة لبنان والحبل على الجرار…
لابد أن نلحظ إخفاق إيران في جعل سيطرتها على درعا ورقة في التفاوض النووي فكل الأحداث السابقة تزامنت مع بعضها البعض حصار درعا زيارة الملك عبد الله لواشنطن وموسكو إطلاق مباردة الغاز ـ والتي تبين بحسب وكالة (دوتشيه فيله) أنه غاز سيأتي من إسرائيل إلى عرين الممانعة ومحور المقاومة ـ وبعدها الاتفاق في درعا ومرور مباردة الغاز وتسهيل ولادة حكومة لبنان وأخيرا وليس آخراً إجبار النظام على استقبال بيدرسن وتحديد موعد لاجتماع اللجنة الدستورية والتي وفق خطوة ـ خطوة سيكون هناك إجراءات لا يمكن الرجوع عنها لتسهيل العملية السياسية عموما والدستورية خصوصاً، مقابل تخفيف طفيف في العقوبات لتسهيل مبادرة الغاز ولابد أن نتذكر هنا أنه في خطاب المهزلة (القسم) تفنن بشار الأسد في إهانة الحلول الدولية وقذفها في البحر وخاصة ما يخص العملية الدستورية، المظهر الوحيد على الطاولة الذي يعبر عن استمرار الجهود الدولية بل ورفضها رفضا قاطعا متوشحا دعما إيرانيا واضحا هذا الرفض الذي كسرته يبدو توافقات أميركية ـ روسية ربما تجعل بشار نفسه ثمنا لسياسة خطوةـ بخطوة، ويظهر أن ثمن الغاز لا يساوي عودة النظام إلى الجامعة العربية فقد صرح مصدر مسؤول في الجامعة أن عودة “سوريا” النظام إلى الجامعة لا تزال لا تحظى بإجماع عربي.
بيدرسون الذي عول على توافق دولي
في اجتماع فيينا وجنيف نادى غير بيدرسون المبعوث الدولي لسوريا بإنشاء مجموعة اتصال دولية ذات دينامية جديدة تجمع دول القرار في سوريا، المجموعة المصغرة وأستانا ثم التقف استراتيجية خطوة بخطوة وأصبحت لديه كثيمة سياسية يرددها في كل خطوة مقابل خطوة، فما الخطوة التالية؟ وما الأثمان السياسية التي سيدفعها النظام لقاء خطوة ما ستكون في الرصيد الروسي حكما وليس في رصيد النظام الذي بدا رأسه اليوم موظفا يستدعى لإبلاغه التعليمات لا أكثر.
الأثمان ستصب في بنك أهداف بوتين وليس بشار..
العيون تتجه روسياً إلى أوكرانيا وتحاول صناعة صفقة ما مع الولايات المتحدة وفي المقابل المخاوف تتزايد من عواقب الزلزال الذي أحدثه الانسحاب الأميركي من أفغانستان، تلك المخاوف لها وجاهتها روسياً فقد خلط ذلك الانسحاب أوراق الروس وإيران وخلق تحديات جديدة وجدية لهما، فيما العين الروسية أيضا تراقب تقارباً يزداد يوما بعد يوم بين تركيا “الناتو” وبين الولايات المتحدة وتقرؤه موسكو بشكل جيد شرق الفرات وحتى غربه، فهي تضغط بشكل متزايد على تركيا في إدلب وهي تراقب بشكل جدي سماح المسيرات التركية ضرب أهداف داخل مناطق سيطرة الولايات المتحدة والضغط الأميركي للحوار الكردي الكردي ومنع حوار قسد مع النظام الذي تريده موسكو بكل قوة وإصرار ولكنه قد يلاقي فيتو أميركياً قوياً.
كل ما سبق يقول إن توافقاً ولو بالحد الأدنى بين الولايات المتحدة وروسيا قد أصبح أمراً واقعاً فرض استدعاء وجلب وإحضار بشار الأسد ليبلغ في مضمونه وتنفيذه.