عماد كركص العربي الجديد:6/11/2021
مع تصاعد المؤشرات على اقتراب التحرك العسكري التركي شمال وشرق سورية بالتحالف مع المعارضة السورية، لإبعاد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) عن حدود تركيا الجنوبية، بدأت تظهر ملامح تحالف أو تنسيق على الأقل، بين “قسد”، التي يشكّل الأكراد القوام الرئيسي لقيادتها، وقوات النظام السوري، ولا سيما في كل من الرقة والحسكة شرقي البلاد، وذلك في ظل جهود روسية لمحاولة التقريب بين الطرفين عسكرياً بعدما سعت موسكو لذلك على الصعيد السياسي في مراحل سابقة، ولا تزال.
لكن “قسد”، وفي حال توصلها إلى صيغة تفاهم أو تحالف مع النظام في مواجهة القوات التركية والمعارضة، من المتوقع أن تطلب معه ضمانات من قِبل النظام أو الروس، إذ لا يزال مشهد الخذلان الذي تعرضت القوات الكردية له من قبل النظام خلال العملية التركية في عفرين والمعروفة بـ”غصن الزيتون” عام 2018 حاضراً في ذاكرة قادتها، بعد أن تلقى الأكراد حينها وعوداً من قبل النظام بالمشاركة في العملية وصد الهجوم، قبل أن ينكث النظام بوعوده ويترك “قسد” بمواجهة الجيش التركي والمعارضة، ما أدى إلى هزيمتها وانسحابها من عفرين.
وبهذا، تبقى مخاوف “قسد” قائمة بألا تحصل على المساندة المطلوبة من النظام مهما بلغت الضغوط الروسية عليه، إذ تكمن مصلحة النظام في حال حصول أي هجوم تركي بإضعاف القوات الكردية وإجبارها على العودة إلى بيت الطاعة، ليس فقط بالتماهي مع قوات النظام ضمن صيغة يتفق عليها الطرفان، وإنما بحل وإنهاء أي شكل من أشكال المليشيا التي تُبقي للأكراد أو غيرهم كياناً واضح المعالم، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، وهذا ما كان محور الخلاف خلال كل المحادثات التي جرت بين الأكراد والنظام، سواء في دمشق أو الحسكة تحت الرعاية والتنسيق الروسي.
وكشف رياض درار، الرئيس المشترك لـ”مجلس سورية الديمقراطية” (مسد)، الجناح السياسي لـ”قسد”، أن هناك وساطة روسية مطروحة للنقاش بين “قسد” والنظام، لكنه نفى أن تكون هناك محادثات حالية لمناقشة الطرح الروسي. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد” أن تركيا جزء من هذه العملية، أولاً بحكم ارتباطها مع روسيا في كثير من الملفات العالقة في سورية، بدءاً من مسار أستانة واتفاقات إدلب، وحتى الاتفاقات المتعلقة بشمال وشرق سورية، وثانياً لجهة الضغط على “قسد” للرضوخ إلى صيغ الحل الروسية.وأشار درار إلى أن الوساطة المطروحة هي وساطة عامة، ولا تتعلق بالجانب العسكري فقط، لكنه أشار إلى عدم التعويل على النظام بالالتزام بأي تعهدات نظراً لاختباره سابقاً في الكثير من المواضع والأزمنة.
وألمح درار إلى أن الوساطة الروسية غير قابلة للتطبيق نظراً للشروط التعجيزية التي يطلبها النظام، وهي بالأساس وساطة لإرضاء النظام وتحقيق مصالحه في المقام الأول.على أرض الميدان، أعطت “قسد” يوم الثلاثاء الماضي أمراً لعناصرها بالسماح لعناصر قوات النظام بدخول المدن الخاضعة لسيطرتها من دون الحاجة للتنسيق مع “قوى الأمن الداخلي” (الأسايش)، التابعة لـ”الإدارة الذاتية” الكردية لشمال وشرق سورية.
وذكرت مصادر لـ”العربي الجديد” أن “قسد” سمحت لقوات النظام بالدخول إلى بعض المواقع، بعد أن منعتهم سابق وجرت بين الطرفين معارك وتوترات، إثر تفاهمات أولية بين الطرفين بتنسيق ووساطة روسية.
ويوم أمس الجمعة، استنفرت قوات النظام و”قسد” في محافظة الرقة الخاضعة لسيطرة “قسد” ورفعت الجاهزية في محيط اللواء 93 في عين عيسى بريف الرقة الشمالي. وذكرت شبكات محلية أن رتلاً تابعاً لقوات النظام خرج من داخل اللواء 93، وتمركز في عدة نقاط جنوب عين عيسى، مشيرة إلى أنه يتكوّن من أكثر من 20 سيارة مزودة بالأسلحة المضادة للطائرات، و6 سيارات تحمل منصات إطلاق صواريخ ومدافع. كما استنفرت “قسد” في مدينة الطبقة بريف الرقة، وأخرجت سلاحها الثقيل من داخل سد الطبقة بواسطة 8 آليات مجنزرة اتجهت نحو مدينة عين عيسى.وكان رتل من قوات النظام، برفقة قوات روسية، قد وصل الثلاثاء الماضي إلى مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي قادماً من مدينة حلب، وذلك بهدف إجراء مناورات عسكرية، في الوقت التي تشهد فيه أطراف المدينة توترات على وقع احتمال بدء هجوم المعارضة السورية والجيش التركي في أي وقت.
ووفق مصدر عسكري من “الجيش الوطني” السوري المعارض الحليف لتركيا، فإن “من المتوقع أن يستخدم الطرفان خلال المناورات أسلحة ثقيلة، بما فيها المروحيات القتالية”، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “التشكيلات المشاركة في المناورات تضم عناصر من الفرقتين 25 و30 والفوج 46 مدفعية”، متوقعاً أن يبقى جزء من هذه القوات في منبج بعد انتهاء المناورات.
كما أجرى سلاح الجو الروسي في الأيام القليلة الماضية مناورات وتدريبات عسكرية في ريف محافظة الحسكة. وبحسب وكالة “سبوتنيك” الروسية، فإن تلك التدريبات أجريت على وقع استنفار عسكري بسبب تهديدات تركيا بشنّ عملية جديدة في المنطقة. ولم تذكر الوكالة ما إذا كانت تلك المناورات جرت بالتنسيق أو مشاركة “قسد” أو النظام أو كليهما.
وتطمح تركيا لإبعاد الأكراد عن حدودها الجنوبية، والسيطرة على مساحة واسعة يهيمن عليها الأكراد من خلال “قسد” وذراعها المدني “الإدارة الذاتية”، وتذهب الأنظار نحو المدن والبلدات ذات الغالبية العربية، وتحديداً تل رفعت ومنبج، اللتين من المتوقع أن تكونا ضمن المرحلة الأولى للعملية العسكرية التركية، في حال إعلان انطلاقها، إلى جانب مساحات في ريف الحسكة، وتحديداً بالقرب من مدينة رأس العين.
من جهته، رأى القيادي السابق في المعارضة، المحلل العسكري فاتح حسون، أن أي تحالف بين “قسد” والنظام سيضع الأخير في مواجهة الجيش التركي، وبالتالي فإن الجيش التركي لن يقف مكتوف الأيدي حيال تحرك قوات النظام أو “قسد” باتجاه المواقع التي يسيطر عليها حليفه “الجيش الوطني” المعارض.
وأشار حسون في حديث مع “العربي الجديد” إلى أنّه لا يتوقع أن يقوم الروس أو الأميركيون بحماية “قسد” في حال أي هجوم تركي، لأن سياسة اللعب على الحبلين التي تلجأ إليها “قسد” بين كل من واشنطن وموسكو في آن، تجعلها طرفاً غير موثوق به، لذلك من المستبعد أن يضغط الروس على النظام لإبرام تحالف حقيقي بينه وبين “قسد”.