النهار العربي
في الوقت الذي رمى فيه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بالون اختبار حول استعداد أنقرة لدعم النظام السوري في محاربة التنظيمات الإرهابية، كانت “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، التي تأتي على رأس التنظيمات الإرهابية التي كان يقصدها الوزير التركي، ترتقي بتفاهماتها مع دمشق من مستوى التنسيق العسكري التقني الرامي إلى تنظيم انتشار القوات، إلى مستوى نوعي جديد تمثل في القيام بمناورات عسكرية هي الأولى من نوعها بين الطرفين منذ تأسيس القوات الكردية بإشراف أميركي عام 2015.
ومع عدم صدور أي موقف رسمي من دمشق بخصوص تصريحات أوغلو التي أحدثت جدلاً واسعاً ضمن صفوف المعارضة السورية حول دلالاتها وأبعادها، يبدو أن ذهاب دمشق نحو إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع قوات تعتبر الحليف الأساسي للقوات الأميركية المتهمة باحتلال حقول النفط وسرقة ثرواتها، لن تكون أقل إثارة للجدل من التصريحات التركية.
ليس لأنها يمكن أن تكون بمثابة رد غير مباشر على العرض التركي تقديم الدعم لدمشق، بل لأنه من الصعب القبول بأن مثل هذه التدريبات يمكن أن تقوم بها “قسد” من دون أن تكون قد حصلت على ضوء أخضر أميركي.ويعكس ذلك مدى التعقيد الذي يحيط بالمعادلات الإقليمية والدولية القائمة في منطقة الشمال السوري، ومدى احتمال أن تتعرض هذه المعادلات لتغييرات متسارعة، وفق ما تتطلبه التطورات الميدانية العسكرية والسياسية.
وقد أجرت قوات الجيش السوري، مناورات عسكرية مشتركة مع “قسد”، في ريف حلب، وذلك في تطور هو الأول من نوعه لقوات مدعومة من الولايات المتحدة وأخرى من روسيا.ونشرت وكالة “Rusvesna” الروسية، يوم السبت، تسجيلاً مصوراً قالت إنه لتدريبات برمائية، بين قوات النظام و”قسد” بإشراف ضباط روس.
وقال المصدر إن هذه التدريبات تأتي في إطار الاستعدادات لردع “العدوان التركي” في الشمال السوري، بحسب وصفها.وأقامت وحدات الهندسة التابعة للجيش السوري، معابر عائمة، تم من خلالها نقل وحدات من المشاة والدبابات التابعة للجيش إلى الضفة المقابلة، ودخول المعركة بدعم من مقاتلات النظام ومدفعية “قسد”.
كما جرى خلال المناورات تدمير طائرة من دون طيار، وذلك بحسب الوكالة التي ختمت منشورها بالقول إن “على تركيا الأخذ بعين الاعتبار أن الجيش السوري سيرد بقسوة عليها إذا بدأت عملية عسكرية شمالي سوريا”.
ورأى مراقبون للمشهد السوري أن هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها قوات الجيش السوري تدريبات مشتركة مع عناصر “قسد”، ما يعكس مدى التفاهم والتنسيق الذي توصل إليه الطرفان خلال الفترة الأخيرة.وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قد أدلى بتصريحات حملت نبرة مختلفة حول علاقة أنقرة بدمشق، إذ قال إن بلاده على استعداد كامل لدعم النظام السوري في مواجهة تنظيم “YPG/PKK”، أو “التنظيم الإرهابي”، كما وصفه الوزير التركي.
وقال جاويش أوغلو، الأربعاء 27 تموز (يوليو)، بحسب ما نقلته وكالة “الأناضول“، إن بلاده أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج “الإرهابيين” من المنطقة، مضيفاً: “سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”.
وتابع أن من الحق الطبيعي للنظام السوري أن يزيل “التنظيم الإرهابي” من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة (يقصد بها فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا) “إرهابية”، وفق ما ذكرته وكالة “الأناضول“.
ولم يصدر عن دمشق أي موقف رسمي حول تصريحات المسؤول التركي، وذلك بخلاف حالات سابقة كانت فيها وزارة الخارجية السورية تسارع على الفور إلى نفي حدوث أي تقارب أمني أو سياسي مع أنقرة. وعندما تحدث الإعلام التركي عن تأثير مشروع إعادة اللاجئين السوريين على العلاقة بين أنقرة ودمشق، أصدرت الخارجية السورية بياناً واضحاً حول معارضتها هذا المشروع.
وسادت في أعقاب زيارة الرئيس السوري بشار الأسد دولة الإمارات في 19 شهر آذار (مارس)، معلومات مسربة حول تلقي دمشق رسالة تركية تتعلق بنقاشات تجري حالياً داخل الحكومة التركية لاستغلال الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية، والبحث عن فرصة جديدة لخلق أجواء تدعو لتحسين العلاقات بين أنقرة ودمشق.
غير أن مصادر وزارة الخارجية السورية نفت هذه المعلومات في حينه، وقالت إن ما ورد فيها “لا يتعدى كونه بروباغندا إعلامية مفضوحة، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تركيا”، وتابعت أن “دمشق لا يمكن أن تفكر بأي حوار مع تركيا، ما لم تكن الخطوة الأولى هي سحب قوات الاحتلال التركي الموجودة بشكل غير شرعي على الأراضي السورية، ووقف دعم الإرهابيين والكف عن الانتهاكات المتكررة بحق السوريين”.
ويشبه النهج الذي تتبعه تصريحات المسؤولين الأتراك حول العلاقة مع دمشق، ذلك النهج الذي اتبعته أنقرة في السابق لتمهيد إعادة علاقاتها مع دولة مصر، حيث اعتاد مسؤولون أتراك على الإدلاء بتصريحات صحافية كانت تحمل رسائل غزل نحو القاهرة، واستمر ذلك لأشهر طويلة قبل أن تبدأ مصر التجاوب مع الرسائل التركية، وصولاً إلى عقد مفاوضات مباشرة بين الجانبين أنهت التصعيد السياسي والإعلامي بينهما.
وكانت حركة “حماس” الفلسطينية قد أعلنت قراراً اتخذته بالإجماع لمصلحة إعادة علاقتها بدمشق، وذلك بناءً على وساطة شخصية قادها الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصر الله.
ويمكن وضع القرار الحمسوي في سياق الجهود التي تقوم بها تركيا لتصفير مشكلاتها مع دول الجوار، إذ من الصعب تصور أن تتخذ “حماس” مثل هذا القرار من دون أن تكون قد حصلت على موافقة مسبقة من قطر وتركيا.وتقود طهران بدورها وساطة سياسية بين دمشق وأنقرة، وفق ما أعلن وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان أثناء زيارته دمشق أخيراً.
ووصل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى طهران، في تزامن مع انعقاد القمة الثلاثية ضمن مسار أستانا بين رؤساء كل من إيران وتركيا وروسيا، وأدلى المقداد بتصريحات وصفت بأنها لا تحمل شحنة العداء المعتادة ضد أنقرة.