أمين العاصي العربي الجديد:28/9/2022
لم تنقطع عمليات الاغتيال في محافظة درعا، جنوب سورية، منذ اتفاق التهدئة في منتصف عام 2018، بل انتقلت هذه العمليات التي تُتهم الأجهزة الأمنية للنظام بالوقوف خلفها، إلى مستويات جديدة، إذ بدأت تطاول مدنيين بعدما ظلّت لفترة طويلة مقتصرة على عسكريين أو من كانت لهم علاقة بفصائل المعارضة.
وفي أحدث الاغتيالات في محافظة درعا، قُتل أمس الثلاثاء عبد القادر أحمد الزعبي، رئيس المجلس البلدي في بلدة المسيفرة في ريف درعا الشرقي، وفق الناشط الإعلامي أبو محمد الحوراني، الذي أشار في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن مجهولين استهدفوا الزعبي بالرصاص المباشر وهو في طريقه من منزله إلى مبنى البلدية.
وأوضح أن “عمليات اغتيال رؤساء المجالس البلدية في محافظة درعا تتكرر”، مشيراً إلى أنه سُبق أن قُتل رئيس المجلس البلدي السابق في المسيفرة عبد الإله الزعبي، برصاص مجهولين في يناير/ كانون الثاني 2019. وذكر الحوراني أنه عُثر أمس الثلاثاء على جثة مجهولة الهوية على الطريق الدولي الذي يربط العاصمة دمشق بمدينة درعا، مشيراً إلى أن على الجثة آثار إطلاق نار.
استهداف المدنيين في درعا
وتفاقمت في الآونة الأخيرة ظاهرة استهداف المدنيين من قبل مسلحين مجهولين يُعتقد أنهم يتبعون لمجموعات متخصصة بالاغتيال تُدار من قبل الأجهزة الأمنية في محافظة درعا وخصوصاً جهازي الأمن العسكري والمخابرات الجوية، وهما الأكثر فتكاً بالمدنيين في عموم سورية منذ انطلاق الثورة في عام 2011.
وكان قد قُتل شاب يوم الإثنين الماضي برصاص مسلحين مجهولين وسط بلدة الحراك في ريف درعا الشرقي، وفق شبكة “درعا 24” الإخبارية المحلية، التي أكدت أن القتيل لم يسبق له الانضمام لأي جهة عسكرية أو أمنية أو لأي فصائل محلية، مشيرة إلى أنه كان طالباً جامعياً ويعمل في تجارة الدخان.
وكثُرت خلال الشهر الحالي عمليات الاغتيال التي تطاول شباناً في المحافظة. وحسب مصادر محلية تحدثت لـ”العربي الجديد”، فقد عثر الأهالي منذ أيام على جثة شاب في حوض اليرموك بريف درعا الغربي، وجثة أخرى لشاب على طريق دمشق درعا بالقرب من جسر بلدة صيدا.
كما عُثر منذ أيام على جثة شاب مجهولة الهوية، مكبّلة اليدين، في مدينة داعل في ريف محافظة درعا الأوسط، بالقرب من كازية العاسمي، وفق المصادر.وأفاد الناشط الإعلامي يوسف المصلح، في حديث مع “العربي الجديد”، بأنه جرت خلال الشهر الحالي 22 عملية ومحاولة اغتيال في محافظة درعا، مشيراً إلى أن هذه العمليات أدت إلى مقتل 20 شخصاً، وإصابة 3 أشخاص آخرين، إضافة إلى 3 آخرين كانوا بالقرب من المستهدفين، فيما نجا 5 أشخاص من الاستهداف. وبيّن أن الشهر الماضي شهد 33 عملية ومحاولة اغتيال أدت إلى مقتل 23 شخصاً، وإصابة 15، بينما نجا 9.
لا رادع لمخططات النظام في درعا
وتأتي هذه العمليات وما سبقها في سياق سلسلة من عمليات القتل التي لم تهدأ منذ عام 2018، الذي شهد اتفاق تهدئة برعاية روسية، إلا أن الوقائع أثبتت أنه كان مدخلاً واسعاً للنظام للتخلص من أكبر عدد ممكن من معارضيه سواء كانوا مدنيين أو عسكريين.
وكانت قوات النظام قد أجبرت مدن وبلدات درعا في العام الماضي على إجراء “تسويات” لنزع السلاح من الأهالي، إلا أن عمليات الاغتيال والفوضى الأمنية لم تنتهِ، ما يؤكد أن النظام بصدد التخلص من كل الأشخاص الذين يشكلون خطراً عليه، ولدفع من تبقّى من شبان المحافظة للهجرة.
وفي هذا الصدد، رأى اللواء محمد الحاج علي (من أبناء درعا ومنشق عن قوات النظام)، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الهدف من عمليات الاغتيال التي يقوم بها النظام في درعا “تفريغ المنطقة الجنوبية من سورية من رجالاتها وإجبارهم على الهجرة، ونشر الرعب في نفوس أبناء المنطقة ممن يعارضونه”.
ولفت الحاج علي إلى أن إيران “لاعب رئيسي في ما يجري في محافظة درعا”، معرباً عن اعتقاده بأن النظام “سيحقق هدفه على الأقل في المدى المنظور في ظل عدم وجود رادع له، وسلبية الموقف الدولي من القضية السورية”.
وفي السياق، أوضح سليمان القرفان، وهو نقيب “المحامين الأحرار” في محافظة درعا، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “عمليات الاغتيال في محافظة درعا طاولت أخيراً مدنيين لم يسبق لهم القيام بأي أعمال معارضة للنظام، ولم يسبق لهم الانضمام لأي فصائل أو حمل السلاح مطلقاً”، وتابع: “من الواضح أن مشروع إفراغ المنطقة من عنصر الشباب يسير إلى الأمام”.
وأشار إلى “أن هناك مشروعاً تعمل عليه الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، بالتنسيق مع المليشيات الإيرانية، يتمثل بإفراغ المنطقة، خصوصاً من عنصر الشباب”، مضيفاً: “أطلقت هذه الأجهزة العنان لعمليات الاغتيالات والخطف والابتزاز بهدف إرغام كل من تبقّى على مغادرة البلاد”.
وأعطى القرفان دليلاً على هذه السياسة ما جرى أخيراً في قرية عدوان الواقعة في الريف الغربي من المحافظة، مشيراً إلى أنه “بعد اغتيال الشاب أحمد الصالح منذ بضعة أشهر تم تعليق قائمة على أحد مساجد البلدة يحوي أسماء نحو خمسمائة شاب على قوائم الاغتيال، ما دفع أصحاب تلك الأسماء إلى المغادرة فوراً وترك المنطقة”.
وكان “تجمع أحرار حوران”، وهو “شبكة محلية تنقل أخبار الجنوب السوري”، قد ذكر أن جهاز المخابرات الجوية المرتبط بالجانب الإيراني يدير عمليات الاغتيال والتي يشرف عليها مباشرة العميد خردل ديوب، وهو رئيس فرع هذا الجهاز في درعا، ويعد رجل إيران في المحافظة.
وذكّر التجمع قبل أيام بأن “نسبة العقارات المعروضة للبيع في محافظة درعا قد تتجاوز الثلث في بعض المناطق، خصوصاً ريف درعا الغربي”، مشيراً إلى أن مئات العائلات تريد تأمين تكاليف سفر أبنائها إلى خارج سورية، وأضاف: تشير كل الأحداث التي تعيشها المنطقة إلى عملية ممنهجة في إفراغ الجنوب السوري وتحديداً ريف درعا الغربي ذا الكثافة السكانية العالية، ضمن مخطط إيراني بالتعاون مع فروع النظام الأمنية للسيطرة عليه بأقل التكاليف ومن دون مقاومة.