• السبت , 23 نوفمبر 2024

تجربة “الإدارة الذاتية” الكردية

عدنان علي موقع تلفزيون سوريا:24/1/2023

مرّت قبل أيام الذكرى التاسعة لإنشاء ما يسمى “الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، وهي الذراع الإداري لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي – PYD” مع ذراعيه السياسي “مجلس سوريا الديمقراطي (مسد)، والعسكري “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

ومع الإعلان عنها، مطلع العام 2014، قالت “الإدارة الذاتية” إنّها ستأخذ على عاتقها النهوض بمهام الحكم المحلي في مناطق تبلغ مساحتها نحو ثلث مساحة سوريا، وتضم عدة ملايين من البشر، ينتمون إلى قوميات وأديان مختلفة، بالاعتماد أساساً على دعم ملموس من جانب “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة.والتقييم العام لأداء هذه الإدارة، وأداء مجمل حكم حزب “الاتحاد الديمقراطي” سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لا يقدّم نموذجاً يحتذى، ويصلح لتعميمه على بقية المناطق السورية، بحسب ما يقول المدافعون عن هذه الإدارة، حيث تسود غالباً الأساليب نفسها التي حكم بها نظام “الأسدين” (الأب والابن) طوال العقود الماضية، لجهة تفشي المحسوبية والفساد، وعدم احترام القوانين التي وضعتها هذه الإدارة نفسها.فضلا عن انتفاء مزاعم التمثيل لكل مكوّنات المجتمع المحلي، حيث ظل “المكّون الكردي” هو المتحكّم في القرارات الرئيسية على غرار “المكّون العلوي” في الدولة الأسدية، بينما يتم زج ممثلين شكليين عن بقية المكوّنات في بعض الإدارات، من أجل إعطاء انطباع مخادع عن احترام مبدأ التعددية.

والواقع أن المتحكّم غالباً ليس مواطناً سورياً كردياً، بل هم قادة جبال قنديل من غير السوريين، ما يجعل حزب “الاتحاد الديمقراطي” مجرّد تابع للحزب الأم المتمثل في “حزب العمال الكردستاني – PKK” المصنّف إرهابياً حتى من جانب الولايات المتحدة.

وبهذا المعنى، فإن تجربة الحكم المحلي لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، وإن كانت أفضل في بعض الجوانب من تجارب أخرى محسوبة على المعارضة السورية، وبالتأكيد أفضل من حكم نظام الأسد القائم على منظومتي القمع والفساد، فإنها ورغم الموارد المتاحة لها بحكم سيطرتها على معظم ثروات البلاد المعدنية والمائية والغذائية، وبرغم الدعم الدولي الذي تتلقاه، لم تتمكن حتى الآن من الارتقاء بأساليب عملها، حتى بوصفها “حكومة محلية”، فهي لا تمتلك جهازاً اقتصادياً أو قضائياً أو إدارياً محترفاً، بل حتى في المجال العسكري، الذي هو العمود الفقري لقوتها، ما زالت أجهزتها الأمنية والعسكرية تعاني من عدم الاحترافية، ويُسجّل باسمها انتهاكات يومية بحق مجمل مكوّنات السكّان، بمن فيهم الكرد أنفسهم، بينما يتم التضييق على كل صوت معارض، سواء كان عربياً أم كردياً، أم من أي مكون آخر.

وبالتزامن مع سوء إدارة الموارد الاقتصادية والبشرية المتاحة، والشعور بالتهميش من جانب غالبية السكّان العرب، تعيش مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” حالة مستمرة من الصدامات والاضطرابات الاجتماعية والأمنية والعشائرية، في ظل انتشار البطالة والجريمة والمخدرات، ما تسبّب في هجرة متصاعدة إلى خارج البلاد، خاصة من جانب الشبّاب الباحثين عن مستقبل أفضل، أو الهاربين من عقوبة “الخدمة الإلزامية” في قوات “قسد”.

وخلال السنوات الماضية، سعت بعض الأطراف، وخاصة الولايات المتحدة إلى “إقناع” المسؤولين في هذه الإدارة بضرورة تمكين العرب من المشاركة الفعلية في هياكل الحكم الإدارية والاقتصادية والعسكرية، مع تقليل نفوذ العناصر غير السورية، أو المحسوبين على قيادة “قنديل”، لكن هذه الجهود لم تكلل بنجاح كبير، وسرّبت وسائل إعلام كردية، مؤخّراً، خطة أميركية جديدة في هذا المنحى، تقوم على إخلاء الوحدات الكردية من مناطق في دير الزور والحسكة والرقة، وإفساح المجال لفصائل عربية للقيام بدور رئيسي بحفظ الأمن في تلك المناطق، لكن من غير المحتمل أن يكون لهذه الجهود أيضاً، نصيب على أرض الواقع.

ورغم الإعلانات المتكررة من جانب مسؤولي سلطات الأمر الواقع في شرقي سوريا، عن تمسكهم بتجربة “الإدارة الذاتية” في أي حل سياسي مستقبلي، وهو ما يرددونه خلال مفاوضاتهم المتكررة مع ممثلي نظام الأسد في دمشق، فإنّ هذه التجربة لا تبدو قابلة للاستمرارية، ليس لأن نموذج الحكم الأسدي أفضل منها، بل لأنها قامت على نموذج مشابه، يعتمد الإقصاء والتفرّد بالحكم، ومحاولات العبث بالنسيج المحلي والديمغرافي، بهدف تطويع الوقائع وتزويرها، لصالح أجندة مجموعة محدودة من القوى المسيطرة التي لا ترتبط كثيراً بالأرض السورية، وبطموحات أهالي المنطقة، بمن فيهم الكرد.

فضلاً عن محاولاتها العابثة والمقامرة للإفادة من الظروف المحلية والدولية لتحقيق مشاريع غير واقعية، منذ اختيارها عدم الوقوف مع الثورة السورية ضد نظام الأسد، وبناء تحالف ضمني مع “النظام” ضدّ الثورة، وصولاً إلى مراهنتها على قوى خارجية لفرض سلطة الأمر الواقع على المجتمعات المحلية، دون أن تفكر جدياً في إشراك هذه المجتمعات بحكم نفسها، والإفادة من الثروات التي تزخر بها مناطقها، كقاعدة متينة لبناء علاقة سليمة مع بقية أرجاء الوطن، حالما ينتهي الحكم الاستبدادي في دمشق.

مقالات ذات صلة

USA