السورية نت
مع انقضاء الأسبوع الاول إثر كارثة الزلزال المُدمر، الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سورية فجر الإثنين الماضي، برزت أهمية التحركات العاجلة للمؤسسات السورية والمبادرات المحلية في شمال غرب البلاد، والتي كانت تعمل وحدها وبإمكانياتها المحدودة في هول هذه الكارثة، دون وصول أي مساعدات خارجية للمنطقة المنكوبة التي يقطنها نحو 5 ملايين نسمة.ورغم أن احتياجات الاستجابة لهذه الكارثة ضخمة للغاية، وتحتاج لإمدادات دولية لم تصل، استطاعت المبادرات المحلية من السكان والمؤسسات، أن تنظم خلال الساعات والأيام الأولى من الكارثة، مجموعة حملات وتحركات استجابة سريعة، ساهمت ولو جزئياً في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.“السوريون وحدهم”تُعتبر الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولى بعد أي زلزال مُدمر، مساحة زمنية استثنائية لانقاذ العالقين تحت الأنقاض، كما أنها فترة حرجة لكون مئات الآلاف من السوريين باتوا بدون مأوى، وآلافٌ منهم جرحى يحتاجون للعلاج، وبالتالي فإن الاحتياج للمساعدات العاجلة تكون في أوجها خلال الأيام الأولى، لكن مناطق شمال غربي سورية بقيت فعلياً دون أي مساعداتٍ عاجلة خلال هذه الفترة الحاجة، واعتمدت فرق الإنقاذ وباقي المؤسسات الإغاثية على إمكانياتها المحلية، التي رفدتها مبادرات السكان، كل بما استطاع تقديمه.يقول سونير طالب، وهو منسق العلاقات العامة في “المنتدى السوري”، إن التقديرات الأولية التي رُصدت منذ الدقائق الأولى لحجم الزلزال، تقاطعت كلها في أن مناطق شمال غربي سورية المُتعبة أساساً نتيجة القصف والعمليات العسكرية منذ نحو عقد، دخلت مع الزلزال في كارثةٍ مهولة تتطلب تضافر جهود كافة المؤسسات السورية النشطة فيها، لتقديم استجابة جزئية سريعة ولن تكون كافية بكل حال.
ويضيف طالب إن “المنتدى السوري وشركائنا الإنسانيين أعلنوا النفير العام لكافة الفرق العاملة منذ الدقائق الأولى للزلزال المُدمر، ووضعنا خطة طوارئ عاجلة، بالتنسيق مع الدفاع المدني وباقي الشركاء الإنسانيين، حيث كانت الأولوية لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض وإيواء آلاف العائلات التي باتت مُشردة دون مأوى”.وأشار إلى أن جهود الاستجابة في الأسبوع الأول للكارثة تمت في غالبيتها العظمى بـ”إمكانيات سورية خالصة في الوقت الذي لم تتحرك الأمم المتحدة لتقديم أي مساعدة، وبقي السوريون وحدهم يضمدون جراحهم وينتشلون أحبائهم من تحت الأنقاض، ويسعون بكل إمكانياتهم لإيواء المشردين وعلاج الجرحى”، منوهاً على “الدور الفعّال للجالية السورية في الولايات المتحدة وخاصة ولايات دالاس وتكساس، التي قدمت دعماً كبيراً للمنتدى السوري وشركائه الإنسانيين منذ الساعات الأولى للكارثة”.وطالب ذات المتحدث بأن “تفتح الأمم المتحدة تحقيقاً عاجلاً في تقاعس المنظمة عن الدفع بمساعدات طارئة كانت فرق الإنقاذ والكوادر الطبية والمؤسسات الإنسانية بأمس الحاجة لها في الايام الأولى للكارثة، ولا بد أن يجيب التحقيق على أسئلة مهمة مثل، لماذا حصل التقاعس ولماذا لم يحصل اي تحرك. الاعتذار عن الفشل وحده لا يكفي”.
الخبرة والملحمة الشعبية”
يقول نائب مدير “الدفاع المدني”، منير المصطفى، إن عاملين إثنين لعبوا دوراً كبيراً في الاستجابة لحجم الكارثة التي ضربت مناطق شمال غربي سورية.العامل الأول هو “الخبرة الكبيرة التي يمتلكها متطوعو الدفاع المدني، والتي اكتسبوها لكونهم يتعاملون منذ سنوات، مع هكذا أنواع من حالات الإنقاذ التي كانت شبه يومية بسبب القصف الروسي ونظام الأسد للمنطقة”.
واعتبر مصطفى خلال حديثه لـ”السورية.نت”، أن “متطوعي الدفاع المدني كان لديهم خبرة كبيرة بالتعامل مع هكذا حالات وهذا ساعد بشكل كبير في عمليات الإنقاذ”، مشيراً إلى أنه “لا فرق كبير بين الزلزال وبين قصف قوات الأسد وروسيا من حيث تهدم المباني فوق قاطنيها والفرق الوحيد هو حجم الدمار”.
العامل الثاني كما يؤكد، يعود لـ”التلاحم الشعبي الكبير”، والمساعدات العاجلة التي قدمت لـ”الخوذ البيضاء سواء كانت آليات ثقيلة أو كاميرات حرارية أو وقود، والتي كان الدفاع بحاجتها بسبب حجم الدمار الكبير”، مشيراً إلى أن “تكاتف المدنيين مع الدفاع المدني كان له دور حاسم في شمال غرب سورية، إذ تحولت المنطقة إلى خلية يوجد فيها قيادة عمليات وفرق تطوعية”.
وأشار إلى أن “هم الناس(خلال الأيام الأولى) أصبح إخراج العالقين تحت الأنقاض، إذ وصلت إلى الدفاع المدني أكثر من 200 آلية من قبل الأهالي، كما أن بعض الأهالي قدموا الوقود لآليات الدفاع المدني من أجل تشغيلها رغم موجة البرد التي كانت تعصف بالمنطقة”.
الجميع ساهم حسب اختصاصه وقدراته
ويؤكد الباحث في “مركز عمران للدراسات”، علي العبد المجيد، الذي شهد الزلزال حيث يقيم في إدلب، أن “توقيت الزلزال كان حرجاً جداً حيث الجميع نيام في الرابعة والنصف فجراً، ما زاد عدد الضحايا”، مضيفاً أنه ورغم “عدم تجربة الشعب السوري لزلازل سابقة، فإن الاستجابة كانت سريعة منذ الدقائق الأولى، حيث بدأ الناجون بالتوجه إلى المناطق الأكثر ضرراً، لنقل المنكوبين في سياراتهم لأماكن أُخرى ليبحثوا عن مأوى”.
وقال العبد المجيد، إنه مع “شروق الشمس بدأ يتضح حجم الكارثة، وأنها أضخم من التصورات الأولية عنها، وهي فوق قدرة المبادرات المحلية وحتى المؤسسات الإغاثية وفرق الإنقاذ”.
رغم ذلك فقد نوه إلى أن “الفزعة الكبيرة والسريعة من السكان الناجين ساهمت ولو جزئياً بإغاثة المنكوبين من المناطق الأكثر ضرراً، وتضافرت فعلياً جهود المؤسسات الإنسانية التي سارعت لاستنفار كل طواقمها، مع الجهود الفردية للأشخاص الناجين، وكذلك فإن كافة المساجد، والمباني الفارغة مثل المراكز الثقافية والمعاهد والمدارس وغيرها، فتحت أبوابها لإيواء المنكوبين منذ الساعات الأولى، كما بدأ مؤسسات كثيرة بينها المنتدى السوري بالإسراع في إنشاء مراكز وخيم إيواء للمشردين”.
ونوه العبد المجيد إلى أن “كافة الخبرات والطواقم والنقابات لعبت حسب إختصاصها دوراً فعالاً وسريعاً في الاستجابة للكارثة، فالحقوقيون بدأوا بتوثيق الوفيات والناجين والمفقودين وما إلى ذلك، والمهندسين بتفقد المباني والأضرار وإحصائها، والكوادر الطبية عملت بكامل طاقتها لايام متواصلة، والمؤسسات الإغاثية بدأت بتنظيم الإيواء وإعداد وجبات الطعام والمستلزمات الأساسية”.
كان بالإمكان إنقاذ أرواح كثيرة”
وحول أبرز الاحتياجات المطلوبة حالياً، في مرحلة ما بعد الأسبوع الأول من الزلزال المُدمر، أكد نائب مدير “الدفاع المدني” أن فرق “الخوذ البيضاء” بحاجة إلى رافعات ثقيلة وجرافات لإزالة الأنقاض ومعدات متطورة، وقطع غيار كون الآليات انهكت بشكل كبير خلال الأيام الماضية، إضافة إلى الحاجة إلى الوقود كون الدفاع الدمني يستخدم الاحتياط منذ شهرين، تزامناً مع ارتفاع الأسعار.
وأكد مصطفى في ختام حديثه أنه “في أي بلد يتعرض لكارثة طبيعية تسارع الدول إلى مساعدته ومساندته وتقديم الدعم له وإرسال فرق إنقاذ، لكن هذا لم يحصل في الشمال السوري، ولو كان يوجد معدات كافية كنا قادرين على إنقاذ أرواح كثيرة من المدنيين”.
من جهته أكد منسق العلاقات العامة في “المنتدى السوري” سونير طالب، أن المرحلة القادمة وهي “النهوض والبدء بالتعافي، تتطلب تضافر جهود السوريين من كل دول العالم، وباقي الشعوب العربية وغيرها، للمساهمة في دعم إعادة إعمار مناطق شمال غرب سورية المنكوبة”.