أكدت إدارة ترمب في 18 أغسطس (آب) استمرار وجود القوات الأميركية في سوريا. وأوضح مسؤولون أميركيون أنه ليس هناك موعد زمني محدد لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في سوريا.
والآن إذا كانت القوات الأميركية باقية في سوريا، السؤال الأبرز: ما الهدف الأميركي من وراء هذا القرار؟ من ناحيتهما أعلنت وزارتا الخارجية والدفاع أن الهدف إنزال الهزيمة بتنظيم داعش إلى الأبد. ومن المنتظر أن تشن القوات الأميركية وحلفاؤها من «قوات سوريا الديمقراطية» هجوماً قريباً على آخر معاقل «داعش» في سوريا للسيطرة عليه، تبعاً لما أفاد به مسؤول رفيع المستوى.
ومن المقرر، أن يقوم الأميركيون بتوجيه عملية إعادة بناء الرقة على المدى القصير بالاعتماد على أموال قادمة من دول حليفة. وتقوم النظرية الأميركية في هذا الجانب على أنه إذا توافرت لدى الأسر المحلية مياه نظيفة وكهرباء وإسكان فلن يتمكن «داعش» من تجنيد مقاتلين جدد. أيضا، يقوم الأميركيون بتدريب قوات أمنية محلية في شرق سوريا للمعاونة في احتواء «داعش».
هذه هي مجمل الخطة الأميركية لتوفير حل دائم لتهديد «داعش»، لكن المشكلة أن الخطة تكاد تبدو وكأنها موجهة لدولة أخرى غير سوريا. مثلاً، من الواضح أن أميركا لا تشغل بالها بمسألة تجنيد «داعش» لعناصر من داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية. إضافة لذلك لا تزال حكومة الأسد تتعهد بإعادة السيطرة على جميع الأراضي السورية بما في ذلك الواقعة شرق البلاد، وذلك باستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر.
أما الأميركيون، فيتعهدون بالدفاع عن حلفائهم المتمثلين في «قوات سوريا الديمقراطية» حال تعرضها لهجوم من جانب القوات الحكومية. ويعني ذلك إقرار وجود عسكري أميركي دائم داخل سوريا والذي أكد الرئيس ترمب مراراً أنه لا يرغبه.
ويبقى هذا الغموض حتى مع تعيين السفير الأميركي السابق لدى العراق وتركيا، جيمس جيفري، ممثلا لوزير الخارجية مايك بومبيو لشؤون التعاون السوري. وتدور مهمة جيفري حول دفع المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة قدما بغية الوصول لحل دبلوماسي للحرب الأهلية السورية. وسبق أن أعلن بومبيو في 17 أغسطس أن الحل سيتضمن تعديل الدستور والانتخابات بصورة تتماشى مع الخطة الواردة في قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر عن الأمم المتحدة.
من جانبي، سبق لي العمل بصورة وثيقة مع السفير جيفري داخل العراق منذ 15 عاماً. وهو رجل شديد الذكاء ودؤوب للغاية. ولا بد أنه يدرك خاصة بعد تجربة العراق أن الدستور ليس سوى حبر على ورق من دون حكومة تحترم حكم القانون. بالنسبة إلى الرئيس الأسد واستخباراته فإنهما لم يحترما من قبل قط حكم القانون. كما أن جيفري ذكي بما يكفي لمعرفة أن الانتخابات في ظل النظام الأمني السوري لن تكون سوى مزحة سخيفة. وقد اعترف وزير الخارجية بومبيو نفسه في يونيو (حزيران) خلال جلسة عامة لمجلس الشيوخ الأميركية بأن الولايات المتحدة لا تملك سلطة تحقيق الحل السياسي الذي ترغبه داخل سوريا.
ومن المثير للاهتمام أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة للشأن السوري ستيفان دي ميستورا وجه الدعوة فقط إلى روسيا وإيران وتركيا للحضور الشهر المقبل في جنيف لمناقشة الدستور السوري. وبذلك يتضح أن القوات الأميركية في شرق سوريا لم تفلح في توفير مقعد لجيفري في محادثات الأمم المتحدة بجنيف.
ويأمل الأميركيون في أنه إذا رفضوا هم وحلفاؤهم جميع الطلبات الروسية لتمويل إعادة بناء سوريا تحت قيادة الأسد فإنهم بذلك سيحصلون على مزيد من النفوذ داخل سوريا، وسيجبر الروس الأسد وإيران على تقديم تنازلات سياسية كبيرة. الحقيقة أن الأسد بمقدوره الاستمرار في الحكم لفترة طويلة دون الشروع في إعادة بناء البلاد. علاوة على ذلك فإن حلفاءه الروس يحاولون عزل واشنطن عن الملف السوري.
جدير بالذكر، هناك مواجهة دبلوماسية قائمة بين أميركا وتركيا في وقت تعمل روسيا بصورة تدريجية على بناء علاقة تقوم على الضغوط والتعاون مع تركيا بخصوص سوريا. أيضا سيتولى لافروف تنظيم اجتماع مع تركيا وفرنسا وألمانيا لمناقشة الملف السوري. وفي تلك الأثناء فتح الأسد الباب أمام مفاوضات داخل دمشق مع الحزب السوري الكردي الذي تعتبر الميليشيا التابعة له النواة التي قامت عليها «قوات سوريا الديمقراطية» المتحالفة مع الولايات المتحدة. وإذا نجح الأسد في التوصل لاتفاق سياسي مع الأكراد السوريين فإن الموقف الأميركي في شرق سوريا سيزداد صعوبة رغم المهارات الدبلوماسية التي يمتلكها السفير جيفري وزملاؤه.
من ناحيته، قال جون بولتون مستشار الأمن القومي لترمب في 22 أغسطس إن روسيا في مأزق لا تستطيع الفكاك منه داخل سوريا. ويأمل بولتون في أن ينجح في المساومة بخصوص انسحاب أميركي من سوريا، مقابل انسحاب مماثل من جانب إيران. كما يأمل في أن تتمكن روسيا من الضغط على إيران لقبول اتفاق الانسحاب، لكن روسيا من ناحيتها تصر على أنها لن تجبر إيران أو ليس باستطاعتها إجبارها على مغادرة سوريا. وبالتالي يبدو أن الأميركيين محصورون هم أيضا داخل سوريا. وليس بمقدور القوات الأميركية ولا دبلوماسييها السيطرة على القرارات السياسية للأسد أو إجبار إيران على الانسحاب من سوريا. ولا تعتمد استراتيجية واشنطن لوضع حل دائم لمشكلة «داعش» على الإجراءات التي تتخذها واشنطن فحسب، وإنما أيضا إجراءات دمشق وموسكو والتي يمكن لواشنطن التأثير عليها بصورة طفيفة لكن لا يمكنها السيطرة عليها.