أمين العاصي
العربي الجديد:28/3/2023
تشير التصريحات الأميركية إلى أن التصعيد لم ينته بعد في ريف دير الزور الشرقي، شرقي سورية، ضد المليشيات الإيرانية، التي قتلت الخميس الماضي متعاقداً أميركياً وأصابت عدداً من الجنود الأميركيين بقصف على قواعد للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، في سورية، ما دفع واشنطن إلى الرد سريعاً (استهداف منشآت للجماعات المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني شرقي سورية)، واستدعى إعادة انتشار لهذه المليشيات خشية هجمات جوية جديدة.
وفي هذا الصدد، قال منسق الاتصال الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، إن الرئيس جو بايدن رد “بسرعة وجرأة” على استهداف المنشآت العسكرية في سورية، وإن القوات الأميركية ستواصل مهمتها في المنطقة. جاء ذلك خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني، مساء أول من أمس الأحد، تعليقاً على مقتل متعاقد وإصابة 5 من أفراد الخدمة الأميركية، جراء الهجوم بطائرة مسيّرة على منشأة في قاعدة للتحالف الدولي شمال شرق سورية.
ووصف كيربي الهجوم بـ”الخطير”، مؤكداً أن بايدن “قاد ردّاً جريئاً وسريعاً للتعامل معه”. وأشار إلى أن الجنود الأميركيين سيبقون على رأس مهامهم في سورية، مشدداً على أن بايدن “مصمم بشدة على إبقاء الجنود في سورية”. ولفت كيربي كذلك إلى إمكانية تنفيذ ردود إضافية على هجمات المليشيات المدعومة من إيران ضد الأفراد والمنشآت الأميركية في العراق وسورية “إذا رأى الرئيس بايدن ذلك ضرورياً”.وأدى الرد الأميركي على قصف المليشيات الإيرانية لقاعدة العمر الخميس الماضي، إلى مقتل 19 عنصراً من هذه المليشيات، ما دفع المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كيفان خسروي للتهديد السبت بشنّ المزيد من الهجمات على القوات الأميركية، زاعماً أن القواعد التي أقامتها إيران في سورية هي “بناء على طلب الحكومة السورية للتصدي للإرهاب”.
ولطالما شهد شرق سورية، وهو مركز الثقل الرئيسي للوجود الإيراني في سورية، هجمات من قبل التحالف الدولي على مواقع وقواعد للمليشيات الإيرانية التي ترد عادة بقصف محدود على قاعدة العمر شمال نهر الفرات والتي تعد من كبريات قواعد هذا التحالف في سورية.إعادة انتشار وتمويه في شرقي سورية
وذكرت مصادر محلية متقاطعة أن المليشيات الإيرانية بصدد إعادة انتشار وتمويه وتموضع لتجنب المزيد من هجمات التحالف الدولي في دير الزور. وقالت شبكة “دير الزور 24” إن المليشيات الإيرانية أخلت خلال اليومين الماضيين أحد أكبر مقراتها في مدينة دير الزور وهو “معسكر الطلائع” تخوفاً من استهدافه من قبل قوات التحالف الدولي.من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن المليشيات الايرانية استقدمت تعزيزات إلى مقراتها العسكرية في كل من الميادين والبوكمال، ومنطقة عين علي في ريف دير الزور الشرقي، موضحاً أن التعزيزات تألفت من نحو 250 عنصراً من الجنسية السورية قادمين من قرية حطلة ومناطق شرق الفرات.
وأشار المرصد إلى أن هذه المليشيات “نصبت منصات صواريخ أرض – أرض متطورة قصيرة المدى في منطقة عين علي، بالقرب من مدينة الميادين وبعض النقاط الأخرى”، مؤكداً أنها “تلقت أوامر باستهداف قاعدة حقل العمر النفطي وهي أكبر قواعد التحالف الدولي في شرق سورية، في حال تعرضت مواقع المليشيات الإيرانية في دير الزور وريفها للاستهداف”.
وفي السياق، أكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن المليشيات الايرانية في ريف دير الزور الشرقي نقلت عناصر من منطقة البوكمال إلى منطقة الميادين مساء الأحد بسيارات دفع رباعي، مضيفة أن مجموعات أخرى نُقلت من قرية حطلة قرب مدينة دير الزور إلى مدينة البوكمال.
وبيّنت مصادر أخرى داخل مدينة دير الزور مركز المحافظة، أن المليشيات الإيرانية الموجودة داخل مقرات دوائر رسمية في “حالة استنفار دائم”، مضيفة أنها “تعيش حالة من الارتباك خشية هجمات أخرى من طيران التحالف الدولي”.وتعليقاً على إعادة المليشيات الإيرانية تموضعها في دير الزور، بيّن المحلل العسكري العميد الطيار أسعد الزعبي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن القوات “تلجأ عادة إلى إعادة الانتشار لتخفيف التجمع في حال الخشية من التعرض لهجمات كثيفة، ومن ثم يتم التباعد بين العناصر والمعدات والآليات العسكرية بحيث تكون نسبة الخسائر قليلة في حال تعرضها لضربات”، مضيفاً أن “هذا الانتشار يعتبر دفاعياً سالباً”.
شرقي سورية يدخل مرحلة التصعيدولفت الزعبي إلى “وجود نوع ثان للانتشار وهو للتحضير لأعمال عسكرية بعد تحديد مصدر الخطر في سياق الاستعداد لدفاع موجب ربما طويل الأمد. التحضير لعملية هجومية يحتاج للانتشار لدفع القوات للهجوم بشكل سريع”. وبيّن أن الأوضاع بين الإيرانيين والأميركيين تجاوزت مرحلة المناوشات والتحرشات، وهي “دخلت مرحلة الاستفزاز”.
وقال إن “التصريحات المتبادلة تؤكد ذلك، وربما تتحول إلى مرحلة التهديد خلال الأيام المقبلة”، معرباً عن اعتقاده بأن “المليشيات الإيرانية مع نهاية مرحلة الاستفزاز بدأت تأخذ وضعية دفاعية لتنفيذ عمليات معاكسة”.ورأى الزعبي أن “إعادة الانتشار مؤشر تصعيدي يهدف إلى شنّ عمليات هجومية قد تصل إلى مرحلة الردع”، مضيفاً أن “إيران تريد تشكيل ردع معاكس”.
وأضاف: “ربما نشهد تصعيداً كبيراً خلال الأيام المقبلة، وتوسيعاً لمسرح العمليات العسكرية بين الطرفين”.من جهته، رأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن محافظة دير الزور “تشكل أهمية كبرى للمشروع الإيراني في سورية”، معتبراً إعادة الانتشار “محاولة لامتصاص رد الفعل الأميركي”. وأضاف: “طهران لا يمكن أن تنسحب من هذه المنطقة لأنها شريان جغرافي يغذي مليشياتها في سورية ولبنان من الجانب العراقي”.
ويعد ريف دير الزور الشرقي، بدءاً من مدينة الميادين غرباً إلى منطقة البوكمال على الحدود السورية العراقية، منطقة نفوذ إيرانية بشكل كامل منذ أواخر عام 2017، إذ تتحكم بها مليشيات إيرانية عدة، منها: “لواء فاطميون” الذي يضم مرتزقة من أفغانستان، و”لواء زينبيون” الذي يضم مرتزقة من باكستان، و”حيدريون”، و”أبو الفضل العباس”، و”حزب الله” العراقي. كما أنشأ الإيرانيون العديد من المليشيات المحلية لصدّ هجمات تنظيم “داعش” المتكررة على المنطقة التي يسيطرون عليها في ريف دير الزور الشرقي.
وبيّن الناشط الإعلامي فواز المرسومي وهو من أبناء ريف دير الزور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تعداد عناصر مليشيات الحرس الثوري في دير الزور يبلغ حوالي 12 ألف عنصر يتوزعون على عموم مناطق سيطرة قوات النظام من دير الزور”، مضيفاً أن “ثقل هذه المليشيات يتركز في مدينة الميادين شرق دير الزور، حيث ينتشر نحو 3 آلاف عنصر في المدينة وباديتها وريفها”.
وأوضح المرسومي أن الحرس الثوري “أنشأ العديد من المليشيات المحلية، أبرزها: قمر بني هاشم، لواء الحسين، الفوج 47 حرس ثوري، مليشيا لواء الشيخ، إضافة إلى مليشيات عراقية منها لواء أبو الفضل العباس. وأوضح أن هناك العشرات من المليشيات الأجنبية التي تدار من قبل الحرس الثوري في ريف دير الزور الشرقي.