المجلة /ابراهيم الحميدي
الواضح أن قطار التطبيع بين دمشق وعواصم عربية، توقف عند المحطة الحالية. انطلق بعد إعادة سوريا إلى الجامعة وحضورها القمة العربية في مايو/أيار الماضي. الآن، يخضع هذا القطار، لكثير من المراجعات والفحوصات لتحديد موعد تجدد حركته وسرعة سيره على السكة وتحديد وجهته النهائية وملامحها.في ربيع العام الجاري، بدت الأمور وردية بالنسبة إلى دمشق. كان هناك موعدان في شهر مايو/أيار. القمة العربية في جدة يوم 19 مايو/أيار الماضي، والانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية يوم 14 و28 من الشهر نفسه
. جرت سلسلة لقاءات وزارية عربية وضعت خريطة طريق للتقارب العربي– السوري بدءا من العودة إلى الجامعة ومرورا بالعمل معا على محاربة المخدرات وتفكيك شبكات “الكبتاغون” وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون لإعادة اللاجئين وانتهاء بتحريك العملية السياسية واجتماعات اللجنة الدستورية.
كما جرت سلسلة لقاءات وزارية، سياسية وعسكرية، سورية– تركية، برعاية روسية، لوضع خريطة طريق للتقارب بين دمشق وأنقرة، تتناول الانسحاب التركي من سوريا والتعاون ضد “حزب العمال الكردستاني” وعودة اللاجئين.
في ربيع العام الجاري، بدت الأمور وردية بالنسبة إلى دمشق. كان هناك موعدان في شهر مايو/أيار. القمة العربية في جدة يوم 19 مايو، والانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية يوم 14 و28 من الشهر نفسه
وباتت التوقعات تتناول سيناريوهات للقاء محتمل بين الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان أو زيارات محتملة رسمية للأسد إلى عواصم عربية كبرى. كما باتت التوقعات في دمشق ومناطق الحكومة، تتناول سيناريوهات الازدهار الاقتصادي وأموال الإعمار ورفع العقوبات وقطف “ثمار الانتصار”.مع مرور الوقت، خطوة بعد خطوة، تبخرت الآمال وتبعثرت الطموحات.
انهيار اقتصادي إضافي، تراجع في سعر صرف الليرة السورية، بوادر حركات احتجاجية في الساحل السوري، واختناق معيشي وظلمة في دمشق واخواتها، تجميد خطوات تطبيعية مع دمشق، بالتزامن مع تصريحات رسمية تركية برفض الانسحاب العسكري من سوريا، وحملة من مسؤولين سوريين على الجانب التركي
. والأكثر تعبيرا عن هذه المرحلة، هي تصريحات الرئيس الأسد الأخيرة إزاء الجامعة العربية والعلاقات مع الدول العربية والمخدرات والعقوبات، إضافة إلى حملته ضد “حماس” وأنقرة.
هذه الوقفة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، سواء بالنسبة إلى التطبيع العربي أو التقارب التركي مع دمشق. لسببين: الأول، تعريف كل طرف لـ”النصر” و”الهزيمة”. الثاني، عدم امتلاك الاطراف المتفاوضة كامل أوراق اللعبة أو التفاوض.
واقع الحال، أن صناع القرار في دمشق، لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مهزومون، بل إن بعضهم يعتقد أن سوريا منتصرة في الحرب بعد 12 سنة.
ويذهب آخرون، إلى أن روسيا وإيران “لم ينقذا النظام”، بل أنقذا مصالحهما في سوريا. هذا بالنسبة إلى الحلفاء، فما بالك بالمنافسين أو الخصوم. أكثر عبارة تختصر الصورة، هي القول إن “العرب عادوا إلى سوريا” وليس “سوريا عادت إلى الحضن العربي”. أي، ان المطلوب، هو تنازلات من الآخرين الخاسرين، وليس من دمشق “المنتصرة”.
لا خلاف أن سوريا المقسمة إلى ثلاث دويلات، وقد هجر نصف شعبها، وثلثه خارج البلاد، ودمر اقتصادها وبنيتها التحتية، تقيم فيها جيوش خمس دول أجنبية على الأقل، واقعها الحقيقي غير المشهد الذي يرسم في دمشق. لكن الخلاف في رسم المشهد وتعريف “المنتصر” و”المهزوم” سيبقى قائما كما كان موجودا خلال العقد الأخير.
مع مرور الوقت، خطوة بعد خطوة، ظهرت ملامح المرحلة الجديدة. انهيار اقتصادي إضافي، تراجع في سعر صرف الليرة السورية، تجميد خطوات تطبيعية مع دمشق، بالتزامن مع تصريحات رسمية تركية ضد الانسحاب العسكري من سوريا
هذه ليست المشكلة الوحيدة. هناك تعقيدات إضافية في مساري التطبيع العربي والتقارب التركي مع سوريا، أن الأطراف الثلاثة: سوريا، الدول العربية، تركيا، لا تملك جميع الأوراق التفاوضية.
تفكيك شبكات المخدرات وإعادة انتشار الميليشيات بعيدا عن الحدود العربية وتوفير بيئة آمنة لإعادة اللاجئين وإضعاف الكيان الكردي والقوات الحليفة لأميركا شرقي سوريا، كلها أمور أوراقها وقراراتها ليست في دمشق. هي إما في طهران وإما في موسكو.
أيضا، رفع العقوبات وتخفيفها وإعطاء استثناءاتها وفك العزلة الدبلوماسية على دمشق وفتح أبواب العواصم الغربية أمام الحكومة السورية والمؤسسات الدولية، قراراتها ليست في القاهرة والجامعة العربية، بل في واشنطن وعواصم الدول الغربية.التفاوض الحقيقي، هو بين القوى الإقليمية والدولية المنخرطة بالسلاح والنار. الملف السوري واحد من ملفات كثيرة وكبيرة.
لذلك، فإن فهم تشدد دمشق الأخير وجمود التطبيع والتقارب، قد يأتي انعكاسا للصدامات العسكرية الكثيرة بين أميركا وروسيا من جهة، والمكاسرة الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو في نيويورك وترجمتها بتعليق القرار الدولي للمساعدات الإنسانية من جهة ثانية. كما يفهم باستمرار الغارات الإسرائيلية والمحاولات الإيرانية للتموضع في سوريا.
تفكيك شبكات المخدرات وإعادة انتشار الميليشيات بعيدا عن الحدود العربية وتوفير بيئة آمنة لإعادة اللاجئين وإضعاف الكيان الكردي والقوات الحليفة لأميركا شرقي سوريا، كلها أمور أوراقها وقراراتها ليست في دمشق. هي إما في طهران وإما في موسكو
بعد ساعات سيعقد اجتماع وزاري عربي ينضم إليه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، لمتابعة تنفيذ قرار عودة دمشق إلى الجامعة العربية ومبادرة “خطوة مقابل خطوة”. الاجتماع مناسبة لتقييم المسافة التي قطعها القطار في الأشهر الأخيرة، وما حمله من وعود وتوقعات وخيبات والعمل على إعادة وضعه على سكة أكثر صلابة.