لم يعد مُستغرَباً في سوريا النازفة قهراً، أن يتماهى الخطاب الإنسانوي الذي يستمدّ مفرداته من قواميس التقدّم والعلمانية وحقوق الإنسان، مع الخطاب الذي يفاخر بامتهان الإرهاب ويدعو إلى تجذّر الكراهية بين المكوّنات البشرية في المجتمع الواحد، لتصبح التخوم الفاصلة بين الإرهاب ونقيضه عديمة اللّون، وما يميّزها عن بعضها بعضاً، هو السلوك والممارسات فحسب. في شهر نيسان الجاري تصادف الذكرى الأولى لانتصار التحالف الدولي على تنظيم الدولة في شرق الفرات، وتحظى هذه المناسبة بأهمية كبيرة لدى قوات سوريا الديمقراطية بقيادة تنظيم pyd ، باعتبارها نقطة مفصلية في تاريخها النضالي، إذ إنها تمكنت – بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية – من هزيمة التنظيم، وتحرير مناطق شرق سوريا من سطوة الإرهاب، ولم تكن قسد وحدها، هي المعنيّة بذاك ( الانتصار)، إذْ شاركها غبطتها تلك، أكثر من طرف سياسي ينضوي تحت مظلة ( اليسار)، ممّن (رفعوا القبعات) إجلالاً واعتزازاً بهذا المنجز النضالي، ولن يحول دون رفْع القبعات – إذ ذاك – قيام قسد بتشريد عشرات الآلاف من مواطني تلك المناطق، وتهجيرهم في العراء، وكذلك لن تكون عمليات التهجير القسري، ومحو العديد من القرى والبلدات محواً كاملاً ،عاملاً ينغّص على قسد ومن رفعوا القبعات وأقرانهما، فرحتهم العظيمة، ذلك أن هؤلاء السكان المُهجرين، والمطرودين من ديارهم، لا أوزار حقيقية لهم، بحكم انتمائهم إلى ( أكثرية سنية)، هي الحاضنة الأبرز للتنظيم، وفقاً لرافعي القبعات، وعلى الرغم مما قيل آنذاك، وما يزال يقال، من أن سيطرة قوّة ما، على منطقة جغرافية، لا تعكس ولاء مواطني تلك المنطقة للقوة المسيطرة، ذلك أن سوريا بمجملها تخضع لتقاسم نفوذ دولي لم يكن ناتجاً عن خيارات السوريين، فضلاً عن أن تنظيم الدولة في الفترة الواقعة ما بين 2014 – 2016 ، كان يحكم قبضته على ثلث الجغرافية السورية، فهل تحقق له ذلك بفضل ولاء شعبي؟.هذه الدعوة الصارخة إلى القتل والاستئصال ليست بعيدة عن دعوة رأس النظام حين أشار إلى وجود حاضنة كبيرة للإرهاب في سورياوكما هي العادة، على إثر صدور أي موقف سياسي صادم، من جانب أيّة جهة كانت، سيعقبه الكثير من الأخذ والردّ، وكذلك سيعقبه الكثير من الاستدراكات والشروحات والترقيعات التي تحاول تخفيف وطأته على الآخرين، أو ستْر عوراته التي انفضحت، إلّا أن هذه الترقيعات بمجملها، لا تحظى بقيمة حقيقية طالما أنها لا تنسف الجوهر، بل تؤكده في غالب الأحيان، وجل ما تهدف إليه هو المشاغلة الكلامية لتمرير الموقف المراد، ونقله من حيّزه العرَضي العابر، إلى الحيّز الفعلي، وذلك حين تصبح ( الأكثرية السنية) بالفعل، وليس بالكلام فقط، هي المنبع الأول للإرهاب في سوريا، ولعله قد أصبحت الفرصة مواتية جداً لاستئصال مليوني إرهابي منهم، بعد أن تم جمعهم في إدلب، وأصبح الإجهاز عليهم ميسوراً، فهم موزعون في المخيمات، وقسم منهم في العراء، وهم كذلك لا يملكون أية وسيلة للدفاع عن أنفسهم سوى أجسادهم، وبهذا يصبح التشخيص الذي حدّد مكامن حواضن الإرهاب، منطلقاً للمضيّ في مواجهة الإرهاب، بغية استئصاله. هذا ما يؤكده المنسق الإعلامي لمجلس سوريا الديمقراطية – إبراهيم إبراهيم – في حديث تلفزيوني صريح يوم 14 – 4 – 2020 ، وهذه الدعوة الصارخة إلى القتل والاستئصال ليست بعيدة عن دعوة رأس النظام حين أشار إلى وجود حاضنة كبيرة للإرهاب في سوريا، وتتمثل هذه الحاضنة بوجود أهل وعائلات وأقارب وأصدقاء لكل من يشارك بمواجهة قوات النظام، وهؤلاء يبلغ تعدادهم الملايين وفقاً لبشار الأسد، ولا يلغي من جوهر ما قاله إبراهيم ابراهيم، البيان الذي أصدره مجلس سوريا الديمقراطية في اليوم التالي، في محاولة لاستدراك ما تم الجهرُ به، ذلك أن البيان يُنحي باللائمة على المذيع الذي طرح على ضيفه أسئلة سياسية خارجة عن سياق الموضوع الأساسي للمقابلة، الأمر الذي استفزّ الضيف، وجعله ينطق ( بمكنوناته الدفينة)، فضلاً عن أن البيان لا يخرج عن سياق عمليات ( الترقيع) التي أشرنا إليها آنفاً، لسبب بسيط، هو أن معظم ضحايا قسد، من المهجرين ( شيوخ فوقاني – شيوخ تحتاني – تل رفعت وعدة بلدات في الريف الشمالي لحلب – قسم من سكان كوباني ) ما يزالون بعيدين عن بيوتهم وبلداتهم وقراهم، وهؤلاء جميعهم مواطنون سوريون وليسوا عابري حدود أو دخلاء على سوريا، واستمرار مأساتهم هو استمرار لجريمة ارتُكبتْ بحقهم.إن مواجهة الخطاب الطائفي والعنصري بخطاب مماثل، قد تبدو أمراً مقيتاًإن مواجهة الخطاب الطائفي والعنصري بخطاب مماثل، قد تبدو أمراً مقيتاً، إلّا أن القفز من فوق الحقائق والوقائع، يسهم في غالب الأحيان، في توفير غطاء لتمرير شتى أنواع الوباء، لذا تبدو الحاجة ملحّةً إلى عدم المداورة والتمويه، والاختباء خلف المفردات والجمل التي توهم ولا توضّح، ذلك أن الدعوة إلى قتل أي مواطن سوري هي الجريمة بعينها، ولا يُنقص من تجريمها أنها تتلطّى ضمن خطاب، أمضى أصحابه عمراً وهم يلتحفون عباءات إيديولوجية زائفة وخادعة. ولئن كان خطاب الإرهاب الداعشي ومشتقاته واضحاً وجلياً بالدعوة إلى إهدار الدم، وقنص الأرواح، بحجة الردّة والكفر، فإن خطاب أصحاب الشعارات الأممية و(الماركات) الكلامية الذي يتخذ من مفاهيم الديمقراطية والعلمانية مكياجاً له، لن يكون مفارقا أو مبايناً لما يرمي إليه الخطاب الأول، فضلاً عن أن نسبةَ الجريمة إلى العرق أو المذهب أو الجنس، وليس إلى فاعلها الحقيقي، هي الجريمة بذاتها.ثمّة حقيقة أمام حزب الاتحاد الديمقراطي pyd ومكوّناته الفرعية ( قسد – مسد )، والقوى والجماعات الأخرى التي تقف في اصطفافه، وهي أن المواجهة الجدّية للإرهاب، تقتضي مواجهة مصادره ومنابعه الأصلية، والمتمثلة بنظام الإجرام الأسدي الذي أقرّت جميع الهيئات القانونية والإنسانية العالمية بإجرامه، وهذا ما لم يشأ حزب الاتحاد الديمقراطي أن يدركه، أو يجهر به، لأسباب تتعلق بنشأة الحزب المذكور وتاريخه وارتباطاته الإقليمية، في حين نجد أن مسعاه السالف والراهن ينحو باتجاه التصالح والتماهي مع نظام الأسد، في الوقت الذي يستمر فيه البحث عن الخصوم في مخيمات السوريين، في إدلب حيناً، وفي ذاك المكوّن أو تلك الطائفة حيناً آخر.