أدلى سفير واشنطن السابق والأخير لدى دمشق “روبرت فورد” بتصريحات مثيرة للجدل حول الملف السوري، تخالف في بعض مفاصلها سياسة بلاده في عهد “أوباما” المنقضي، وما مضى من عهد “ترامب” الحالي.
“فورد” الذي عرف بكونه من أشد الأمريكيين المنخرطين في الملف السوري والعارفين بتفاصيله، اعتبر أن الإيرانيين سيدفعون الأميركيين إلى الانسحاب من شرق سوريا كما انسحبوا من بيروت العام 1983 والعراق، وهو تشبيه يحمل أكثر من مغزى، لاسيما أن الأمريكيين انسحبوا من بيروت بعد عدة ضربات مدوية، أبرزها تفجير مقر “مارينز”، كما انسحبوا من العراق بعد سلسلة خسائر فادحة.
وذهب “فورد” في مخالفة سياسة إدارته إلى حد القول بأن دعم واشنطن للمليشيات الكردية “غير أخلاقي” ويعد “غباء سياسيا”، كما نقلت عنه صحيفة “الشرق الأوسط” عبر حوار مطول نشرته اليوم الاثنين.
وعاد “فورد” إلى نقطة مفصلية شكلت بداية انخراطه العملي شخصيا في الملف السوري، منوها بانه ذهب إلى مدينة حماة صيف 2011، لكي يكون شاهدا على عنف كان يساوره القلق من حدوثه في مواجهة المظاهرة التي كانت تتحضر لها المدينة.
و قال “فورد” إنه كان يتعين عليه معرفة من بدأ العنف “لأن السؤال في واشنطن سيكون: من بدأ العنف؟ المتظاهرون أم الحكومة؟ في حال سألوني من واشنطن وقلت إني لا أعرف لأني في دمشق لن يقبلوا جوابي، كما أني اعتقدت أنه لو أرسلت دبلوماسيين من السفارة لن يكون ذلك مؤثرا كما لو أني ذهبت بنفسي”.
وكشف “فورد عن أن زيارته لحماة أتاحت له معرفة “الكثير عن المعارضة… قبل ذلك، لم نكن نعرف كم هم منظمون. لديهم أمنهم الخاص، قيادة موحدة، وهيئة إغاثة اقتصادية للعائلات”.
ولكن المسؤول الأمريكي أقر بالمقابل أن زيارته لحماة حملت في طياتها جانبين سلبيين، الأول أن النظام استخدم الزيارة لدعم دعايته التي تقول إن الثورة مؤامرة خارجية، والثاني أن الزيارة منحت السوريين “أملا زائفا” بأن واشنطن تساندهم وستساعدهم، لكنها لم تفعل.
لكن “فورد” استدرك: “كنت أقول دائما في دمشق، إن الجيش الأميركي لن يأتي. تناقشت كثيراً مع معارضين. قلت للجميع: بعد حرب العراق، لن يأتي الجيش الأميركي لمساعدتكم. قلت للناس في حماة: ابقوا سلميين. لو حصل عنف لن يأتي الجيش الأميركي”.
وصحح “فورد” أي لبس يمكن أن يحدثه كلامه حول زيارة حماة، عندما قال: “لا أظن أن السوريين تظاهروا وانتفضوا لأنهم أرادوا مساعدة أمريكا، بل لنهم أرادوا خروج الأسد من السلطة. تظاهروا في الشوارع ليس بسبب أمريكا، بل بسبب ما شاهدوه في مصر وتونس”.
وتطرق “فورد” إلى تصريح “أوباما” بشأن وجوب تنحي بشار، مقرا –أي فورد- أنه عطل مساعي لوزيرة الخارجية الأمريكية من أجل التصريح بوجوب رحيل بشار، لكن “الضغط السياسي على أوباما في واشنطن كان رهيبا”، ومن مختلف الأطراف، ما دفع الرئيس الأمريكي أخيرا للتصريح بأن على بشار التنحي.
وكانت ممانعة “فورد” لطلب التنحي قائمة على أن هذه الدعوة الأمريكية لن تغير شيئا في واقع الحال، بل ستعقد مساعي سفير واشنطن لدى دمشق، معقبا: “هذا الخطأ الذي قمت به، كان يجب أن أقول: لا، يجب ألا يقول أوباما ذلك… كان يجب أن أقول: إذا لم تكونوا قادرين على تنفيذ التصريح، يجب التزام الصمت”.
ورأى “فورد” أن رهانه على ضعف النظام كان “أكبر خطأ ارتكبته”، مضيفا: “لم أكن أتوقع أن ترسل إيران و”حزب الله” آلاف المقاتلين. لم أكن أتوقع أن يضحي “حزب الله” بسمعته في العالم العربي لأجل الأسد. كنت أعتقد أنهم سيفاوضون على ائتلاف سياسي أولاً”.
وقال “فورد” إن الرئيس الأمريكي “أوباما” لم يرفض -بشكل مباشر- توصية مدير مخابراته “بترايوس” ووزيرة خارجيته “كلينتون” بتسليح المعارضة السورية، بل إنه فقط “وضع التوصية في الدرج”.
وكشف “فورد” أنه خاطب المعارضة السورية في 2013، قائلا لهم: “يجب أن تكونوا منفتحين إزاء الأسد. إذا أقنعتم الأسد بتغيير رئيس المخابرات الجوية والعسكرية والأمن السياسي والاستخبارات العامة. إذا تغير رئيس المصرف المركزي ووزير المال، ثم يُعين مستقلون بدلاً منهم من دون سيطرة الأسد يمكن قبول بقائه. فكانوا يقولون: هذا مستحيل”.
واعترف “فورد” صراحة أن واشنطن كانت في 2013 تقبل ببقاء بشار خلافا لتصريحاتها العلنية بوجوب تنحيه.
وأفصح “فورد” عن بعض تفاصل اللقاء الذي جمع وزير خارجية بلاده “كيري” بنظيره الروسي “لافروف”، والذي أعقب مجزرة الكيماوي الرهيبة بالغوطة صيف 2013، حيث قال “كيري” لنظيره الروسي: لا نريد انهيار الدولة (السورية). هذا ليس هدفنا. فقط نريد حكومة انتقالية ومستعدون للتفاوض. فرد لافروف بطريقة مهينة وعامل كيري كطفل: جون، ما نريده للجيش السوري والجيش الحر أن يعملوا سوية لمحاربة الإرهابيين مثل النصرة والإرهابيين. فقال كيري: سيرغي. هذا ما نريده أيضا. لافروف: إذن متفقون.
فشدد كيري: لكن لا يمكن فعل ذلك بوجود الأسد ويجب أن تكون هناك هيئة انتقالية عبر التفاوض. لكن لا يمكن توقع ضم “الجيش الحر” إلى الجيش السوري من دون تغيير في الحكومة. هذا مستحيل. فحذر لافروف: إذا حاولت تغيير الأسد، فإن كل النظام سينهار… إذا كنت تعتقد أننا سنستقبل الأسد ونعرض عليه اللجوء، فأنت مخطئ. فجدد كيري: لا نريد ذلك بل نريد حلا تفاوضيا وانتقاليا”.
ومضى “فورد” في تصريحاته المثيرة للجدل، قائلا: “الأسد ربح. إنه منتصر، أو هو يعتقد ذلك. ربما خلال عشر سنوات سيأخذ كل البلاد. لن يحاسب النظام على السلاح الكيماوي والقتال والتعذيب والبراميل المتفجرة واللاجئين والنازحين. لا محاسبة. ربما الأسد لن يزور باريس أو لندن، لكن لن يذهب أحد إلى دمشق لأخذ مسؤولي النظام إلى (محكمة) لاهاي؟ لا أحد.. ربما سيأخذ النظام بعض الوقت كي يستعيد درعا. عاجلا أو آجلا سيذهب إلى إدلب. سيساعده الروس وسيذهب إلى القامشلي ويعقد اتفاقا مع إيران وتركيا لتدمير الأكراد”.
وردا على سؤال بخصوص استعداد واشنطن للتدخل من أجل حماية حلفائها من المليشيات الكردية، أجاب “فورد” باستنكار: “هل تعتقد أن الأميركيين سيحاربون في القامشلي؟… هل سمعت مسؤولا أميركيا أو قرأت تصريحا أميركيا يقول: سندافع عن “غرب كردستان” بعد هزيمة داعش؟.. الأمريكان لن يدافعوا عن الكرد ضد قوات الأسد.. هم يستخدمون الكرد لتحرير الرقة من «داعش» فقط، وأعتقد أن ما نقوم به مع الأكراد ليس فقط غباء سياسيا، بل غير أخلاقي. الأميركيون استخدموا الأكراد لسنوات طويلة خلال حكم صدام حسين. هل تعتقد أن الأميركيين سيعاملون “الاتحاد الديمقراطي” و”وحدات حماية الشعب” بشكل مختلف عما عامل (وزير الخارجية الأسبق) هنري كيسنجر الأكراد العراقيين (عندما تخلى عنهم). بصراحة، مسؤولون أميركيون قالوا لي ذلك. الأكراد السوريون يقومون بأكبر خطأ عندما يثقون بالأميركيين”.
ولكن ماذا بشأن دفاع الجيش الأميركي عن حلفائه في البادية السورية ومعسكر التنف وقصفه لقوات النظام ومليشيات طائفية موالية له؟.. يجيب “فورد”: “لقد فعلوا ذلك ليس لدفع الأسد للوصول إلى حل سياسي وتفاوضي بل للدفاع عن مقاتلي المعارضة الذين يقاتلون داعش. هناك فرق بين محاربة داعش والسعي للحصول على تنازل من الأسد حول مستقبل سوريا. الأمر الأخير (تنحية الأسد أو ضمان تنازله)، إدارة ترمب لن تقوم به”.
ورأى “فورد” أن إيران ستحقق المزيد في المنطقة بينما “أميركا لن يكون لديها الصبر والقوة العسكرية للقيام بتصعيد مقابل.. سينسحب الأميركيون. كما تعرف انسحبنا من بيروت في 1983 وانسحبنا من العراق أيضا”.
وحول ما يسمى “الهلال الإيراني”، علق “فورد”: “هناك هلال إيراني وهو موجود ولا يمكن هزيمته شرق سوريا. النفوذ الإيراني يأتي في سوريا من غرب سوريا ومطار دمشق”.
وعبر “فورد” عن اعتقاد بأن الإيرانيين “يريدون إنهاء المعارضة السورية مرة واحدة وللأبد. الحل العسكري فقط. هم يفضلون طريقاً يمر بغرب كردستان والرقة ثم حلب ثم إلى لبنان. إذا استسلم الأكراد السوريون سيكون الأمر مقبولاً. لكن شرط الاستسلام الكامل وأخذ التعليمات من دمشق وإلا فإن الأكراد سيدمرون وسيكون الأتراك سعيدين بذلك ويتعاونون مع إيران ضد الأكراد”.
وذهب “فورد” في انتقاد سياسة بلاده وتقاعسها إلى حد القول بأن “ترامب” الذي أعلن نيته تقليص نفوذ إيران في المنطقة “لا يعرف أن اللعبة انتهت، وأن الأمريكان تأخروا كثيرا، وأن أوباما لم يترك لإدارة ترمب الكثير من الخيارات لتحقيق هدفها”.
المصدر: زمان الوصل