ما قام ويقوم به نظام الأسد من جرائم فاق جرائم النازية، إلا أن الفرق أن أحداً لم يدعُ هتلر لأن يكون جزءاً من مستقبل ألمانيا، ولم يفرض على ضحايا النازية أن يجلسوا معه لتشريع وجوده «جثة امرأة في أسفل ردمة الجثث التي كان ينقلها لدفنها في مقبرة جماعية في دمشق، المرأة كانت لا تزال تعانق طفلها المذبوح بين ذراعيها».هذه إحدى الصور التي نقلتها الصحافة عن «حفار القبور»، الذي فقد السيطرة على أعصابه وهو يدلي بشهادته، قبل أن ينهار بالبكاء.علّقت القاضية بمحكمة كوبلنز الألمانية الجلسة، طلبت استراحة ريثما يتمكن الشاهد من التقاط أنفاسه، ليعود بعدها وينقل صورة أخرى لا تزال عالقة بذهنه، صورة رجل كان ما زال يتنفس بين كومة من مئات الجثث، حينها أمر الضابط السوري المسؤول، بسير الجرافة التي كانت تحفر القبور الجماعية، فوق جسده، فتحوله إلى جثة كتلك التي يقبع بينها.«حفار القبور»هو منشقّ عن نظام الأسد أدلى بشهادته قبل أيام أمام القضاء الألماني حول انتهاكات الأفرع الأمنية التابعة للنظام التي عاينها قبل انشقاقه، وذلك في إطار محاكمة الضابط أنور رسلان، أخفت المحكمة هويته ووافقت على تغطية وجهه بالكامل، حرصاً على سلامة أهله في سوريا، وكانت وظيفة حفار القبور بين عامي 2011-2017 نقل جثث المعتقلين من الأفرع الأمنية والمستشفيات العسكرية وبعض المستشفيات المدنية أيضا ليتم دفنها بمقابر جماعية كشف عنها بشهادته.وتأتي شهادة «حفار القبور»لتشكل صدمة جديدة بعد الصدمة التي شكلتها شهادة قيصر، وقيصر هو عسكري سوري سابق انشق عن النظام وسرّب عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب من المدنيين السوريين.وإن كان أهالي آلاف المعتقلين في سجون الأسد تعرفوا أو ما زالوا يحاولون التعرف على مصير أبنائهم من خلال صور قيصر، صور لما تبقى من ملامح أناس شوهها التعذيب والتجويع، صارت اليوم بعد شهادة «حفار القبور»أكثر مأساوية، فوفقا لشهادته، بلغ عدد الجثث التي تم دفنها مئات الآلاف، جثث لا أسماء لها. مجرد أرقام ورموز محفورة على الجبين أو الصدر. وإن كان استطاع بشهادته حبس أنفاس الجميع وهو يتحدث عن روائح الجثث العالقة برأسه، إلا أن هذه الرائحة التي كدنا نستنشقها من هول ما ذكره الشاهد، لن تعطي لعائلات المفقودين أي دليل عن مصير أبنائهم كما فعلت الصورة، صورة قيصر.وتقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها نشرته في نهاية أغسطس (آب) الماضي، أن أعداد المختفين قسراً في سوريا بلغت 99 ألفاً و479 شخصاً منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس (آذار) 2011.وبين قيصر وحفار القبور، ومصير مئات آلاف السوريين، ثمة لجنة دستورية تستمر بالقيام بدورها، بل نقلت صحيفة «الشرق الأوسط»رفض موسكو لمقاربة خطوة مقابل خطوة، وأن اللجنة الدستورية السورية يمكن أن تواصل العمل لسنوات، وأن لا أجندة زمنية لوصولها إلى نتائج. كما نقلت أن الانتخابات الرئاسية السورية منتصف العام المقبل، هي فرصة لعودة الدول الغربية كي تعترف بنتائج الانتخابات و«شرعية الحكومة السورية». هذه الانتخابات ستحصل بموجب الدستور الحالي لعام 2012، ولا علاقة بينها وبين الإصلاح الدستوري في جنيف وتنفيذ القرار 2254. وعليه، فإن الوقت لصالح روسيا وحلفائها.ما قام ويقوم به نظام الأسد من جرائم فاق جرائم النازية، إلا أن الفرق أن أحداً لم يدعُ هتلر لأن يكون جزءاً من مستقبل ألمانيا، ولم يفرض على ضحايا النازية أن يجلسوا معه لتشريع وجوده بل وللشراكة معه في رسم المستقبل، وبين محاولات روسيا لإعادة تعويم الأسد، ها هي المعارضة التي تدعي تمثيل الثورة السورية تهرول إلى أي دعوة لتعويم قاتل السوريين، وأصدقاء سوريا المزعومين، يقفون ليُشاهدوا «محرقة»جديدة، بفارق أنها بعيدة عنهم وعن شعوبهم.