السيد الرئيس، أعضاء مجلس الأمن،
1 – لقد جئت إلى نيويورك لكي أنقل إلى مجلس الأمن شخصياً، وكان بإمكاني أن أفعل ذلك بالفيديو كما فعلنا في أحيان كثيرة، قلق الأمين العام البالغ إزاء تصاعد العنف في سوريا – ولأحثكم على التركيز على تخفيف حدة العنف وعلى دفع المسار السياسي إلى الأمام من أجل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254.
2 – لقد شهدنا سلسلة من التصعيدات الخطيرة والمقلقة، بما في ذلك في مناطق خفض التصعيد التي أنشأت بواسطة الضامنين في أستانا وخارجها. كان هناك عودة تدريجية إلى المنافسة على الأراضي في إدلب وحماة، ولقد رأينا ضربات جوية متواصلة وعنيفة في الشمال الغربي وفي الغوطة الشرقية المحاصرة بما فيها اليوم. * كان هناك قتلى وجرحة مدنيون على نطاق مرعب – تشير التقارير إلى وقوع أكثر من ألف من الضحايا المدنيين في الأسبوع الأول من شهر شباط / فبراير وحده – واستمرت الضربات الجوية في ضرب المستشفيات والمدارس والأسواق، وكانت هناك عدة مزاعم بشأن هجمات باستخدام الكلور في الغوطة وإدلب وأيضاً في عفرين مؤخراً. ولئن كنا لا نستطيع التحقق بشكل مستقل من هذه المزاعم، ولكن إذا تأكدت، فهي عمل شائن وينبغي ألا يكون هناك إفلات من العقاب. وقد نزح ما لا يقل عن 320،000 شخص بسبب القتال في إدلب في شهرين فقط – وهي منطقة تستضيف بالفعل أكثر من 1.2 مليون نازح داخلياً، وماتزال هيئة تحرير الشام – التي هي في الأساس جبهة النصرة – نشطة في إدلب. وفي الوقت نفسه، لدينا تقارير عن قصف هاون عنيف حتى في أنحاء دمشق السكنية، مما أدى إلى إصابة وقتل المدنيين وإلحاق أضرار بالبنية التحتية والسفارات وحتى بالقرب من الفندق الذي توجد فيه الأمم المتحدة.
3- وتزداد حدة الصراع أيضاً على الحدود السورية في أكثر من اتجاه وقد زاد التدخل العسكري من مصادر متعددة، وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية صراعاً جديداً عبر الحدود في عفرين مع غياب نهاية واضحة في الأفق. وهناك تقارير عن تبادل لإطلاق النار بين القوات التركية والقوات السورية في إدلب، وبين التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وقوات الحكومة السورية في وادي الفرات مع خسائر في الأرواح. لقد رأينا طائرة روسية تسقط في شمال سوريا – وموت طيارها. والآن في نهاية الأسبوع الماضي، هناك كانت تقارير إسرائيلية عن طائرة بدون طيار إيرانية تدخل المجال الجوي الإسرائيلي، وهي تقارير نفتها إيران؛ ورأينا طائرات إسرائيلية تضرب أهدافاً داخل سوريا، وطائرة اسرائيلية اسقطتها نيران الحكومة السورية المضادة للطائرات، وما سمّته إسرائيل ضربات واسعة النطاق ضد ـأنظمة الدفاع الجوي السورية وأهداف إيرانية.
4- وباختصار نرى تطورات تثير تساؤلات بشأن استدامة ترتيبات خفض التصعيد في أستانا والتي علّقنا عليها وما نزال الكثير من الأمل، ونرى تطورات تهدد استقرار المنطقة ككل. لقد مضى لي الآن أربع سنوات كمبعوث خاص. هذه لحظة عنيفة ومقلقة وخطيرة لم أشهد مثيلاً لها طيلة فترة منصبي حتى الآن. ولذلك أكرر بقوة نداء الأمين العام إلى جميع المعنيين في سوريا والمنطقة وخارجها لتخفيف حدة التصعيد الفوري وغير المشروط وأحث جميع أصحاب المصلحة بما في ذلك الضامنون في أستانا على استخدام نفوذهم للمساعدة في الحد من العنف، كما أحث أيضاً على الاستمرار والاهتمام بالحفاظ على ترتيبات تخفيف التصعيد القائمة في الجنوب والتي تم التوصل إليها في عمان.
السيد الرئيس،
5- المدنيون في سوريا ليس فقط يُقتلون ويُشردون بأعداد كبيرة أكثر من ذي قبل – بل أيضاً يُحرمون من المساعدة الإنسانية التي يحتاجون إليها.
6- لم تدخل قافلة إنسانية واحدة للأمم المتحدة إلى أية منطقة محاصرة منذ 28 نوفمبر/ تشرين ثاني، أي منذ شهرين ونصف الشهر. وفي الأسبوع الماضي حذرتُ وكذلك كبير المستشارين جان إيغلاند فرقة العمل الإنسانية التابعة للمجموعة الدولية لدعم سوريا في جنيف من الفشل الجمعي لتمكين العمل الإنساني الفعال. وحثثتُ في ذلك الوقت الرئيسين المشاركين – الاتحاد الروسي والولايات المتحدة – وكذلك الدول الأخرى لتعزيز الإجراءات العاجلة لضمان الوصول الفوري وغير المقيد إلى المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها على وجه الخصوص. هناك سلسلة من المشاورات العاجلة جارية بالفعل في جنيف بينما نتحدث الآن – لكن حتى الآن دون نتائج ملموسة باستثناء قافلة واحدة. ونحن بحاجة ماسة إلى تخفيض تصعيد حقيقي وحماية المدنيين وإجلاء المرضى والجرحى ولا سيما الأطفال والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى 390000 شخص في المناطق المحاصرة والذين هم في المناطق التي يصعب الوصول إليها أيضاً. لقد علمنا للتو قبل بضع دقائق – في الواقع قبل المجيء إلى هنا – أن 7200 شخصاً في بلدة النشابية المحاصرة تلقوا مساعدات جزئية اليوم هذا الصباح. هذا أمر جيد ولكن دعونا نفكر – أي أقل من اثنين في المئة من مجموع 390000 شخص لا يزالون في المناطق المحاصرة. نحن بحاجة إلى أكثر من ذلك بكثير وأن يكون مستداماً أكثر.
7- يجب علينا أيضاً ألا ننسى أبداً- لأن هذا ما يقوله الناس في سوريا – الحاجة إلى خطوات ملموسة بشأن الإفراج عن المحتجزين والمختطفين وكشف المعلومات على الأقل فيما يتعلق بالأشخاص المفقودين في سوريا منذ آذار / مارس 2011. وستبذل الأمم المتحدة قصارى جهدها للضغط في هذه المسألة وفقا للقرار 2254. ونذكر أيضاً الضامنين في أستانا في التزاماتهم المتفق عليه في كانون أول / ديسمبر الماضي لتشكيل مجموعة عمل ونحثهم على المضي قدماً هذه القضية الهامة في اجتماعهم المقبل.
السيد الرئيس،
8- ما نراه في سوريا اليوم لا يقوض فقط ترتيبات خفض التصعيد واستقرار المنطقة فحسب، بل أيضاً الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي. ولكننا لن نتوانى عن مواصلة عملية جنيف، وهي العملية الوحيدة والطريق الوحيد المستدام نحو حل سياسي وهو ما أتى بتكليف منكم، أي من المجلس.
9- نتذكر أنه في كانون أول / ديسمبر عندما قدمتُ لكم إحاطة كيف أني وضعتُ عدداً من المعلمات و الملاحظات المتعلقة بالسلتين 2 و 3 من جدول أعمال العملية السياسية، وهذا يعني سلتي الدستور والانتخابات، ثم في 25 و 26 من شهر كانون ثاني يناير عقدتُ جولة تاسعة خاصة من المحادثات السورية-السورية في فيينا والتي ركزتْ بشكل خاص على سلة الدستور. وبعد مشاورات مكثفة مع الأطراف السورية والدول الرئيسية، أدليتُ ببيان بشأن تشكيل أية لجنة دستورية وشددتُ على أن الاتفاق النهائي بشأن تكوين وتفويض واختصاصات اللجنة الدستورية لا بد أن يتم التوصل إليه في جنيف.
ومن جانبه أكد الاتحاد الروسي – الذي دعا الأمين العام أيضاً بالنيابة عن تركيا وإيران إلى حضور مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي – أن نتائج سوتشي سيتم تقديمها إلى جنيف كمساهمة في المحادثات السورية-السورية التي تقودها الأمم المتحدة وفقاً للقرار 2254. وقد جرت مشاورات مكثفة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمين العام ومعي أنا بشأن هذا التفاهم، كما أجريتُ في تلك المناسبة في فيينا وغيرها مشاورات وثيقة مع عدد من الدول الأخرى في ذلك الوقت.
11- وبناء عليه، طلبَ مني الأمين العام حضور سوتشي، وقد انعقد المؤتمر ليوم واحد في 30 من كانون الثاني / يناير، وحضرتُ الكلمة الافتتاحية لوزير الخارجية لافروف وكذلك فعلَ كبار ممثلي تركيا وإيران وغيرها. بعد ذلك غادر جميع ممثلوا الدول الاجتماع وذلك لتمكين النقاش من المضي قدما بين السوريين، وبقي فقط المبعوث الرئاسي الروسي لافرنتييف في القاعة كمضيف لتسهيل النقاش – وقد فعلَ ذلك بشكل فعال جداً جنباً إلى جنب مع كبار الشخصيات السورية ولجنة تنفيذية دائمة من السوريين. في وقت لاحق أبلغتُ رسمياً من قبل المضيفين أنه قد تم اعتماد البيان الختامي وأدركت محتواه – ويمكنكم الاطلاع عليه على موقع وزارة الخارجية الروسية باللغات العربية والروسية والإنكليزية، وهو ما أكده علناً وزير الخارجية لافروف بعد اجتماعه في موسكو مع وزير الخارجية البلجيكي.
12- وكما أشار الأمين العام علناً، تضمن البيان الختامي رؤية لمستقبل سوريا لجميع السوريين وهي تتسق مع المبادئ الأساسية السورية الاثنا عشر التي انبثقت عن محادثات جنيف بإشراف الأمم المتحدة في تشرين الثاني / نوفمبر من العام الماضي. وأكد البيان الختامي الذي عقد في سوتشي أنه ينبغي تشكيل لجنة دستورية وبأنها ينبغي أن تتألف على الأقل من ممثلي الحكومة والمعارضة في المحادثات السورية-السورية – أي التي تجري بتيسير من الأمم المتحدة في جنيف – وخبراء سوريين والمجتمع المدني ومستقلين وزعماء القبائل و نساء. وأشار البيان الختامي إلى ضرورة الحرص على ضمان التمثيل الكافي للمكونات العرقية والدينية السورية، وأوضحَ أن الاتفاق النهائي بشأن الولاية والاختصاصات والسلطات والنظام الداخلي ومعايير الاختيار في تشكيل اللجنة الدستورية لا بد أن يتم الوصول إليه في جنيف، كما وناشد البيان الأمم المتحدة في جنيف طالباً دعمها في هذا الصدد.
13 – وبالنظر إلى هذا البيان الختامي الهام، انضممتُ إلى اختتام المؤتمر للترحيب به ولكي أؤكد عزم الأمم المتحدة على المضي قدما على وجه السرعة وذلك للمساعدة في وضع اللمسات الأخيرة على جميع جوانب اللجنة الدستورية وبالتالي تمكين إنشائها في جنيف. وأشرتُ إلى المؤتمر علناً وأحيطكم علماً بأن الولاية التي منحها هذا المجلس للأمم المتحدة في جنيف هي في الواقع، في سياق القرار 2254، لوضع جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد.
14- لقد أكد لنا الاتحاد الروسي أنه سيسعى إلى ضمان أن تدعم حكومة سوريا النتائج الرسمية لمؤتمر سوتشي دعماً تاماً والذي شارك فيه العديد من المسؤولين الحكوميين السوريين. وأحيطُ علماً أيضاً بأن هيئة التفاوض السورية – أي المعارضة التي تضم جميع المكونات المذكورة تحديداً بالاسم في القرار 2254 – قد أصدرت بياناً عاماً إيجابياً نحو المضي قدماً في لجنة دستورية تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف.
السيد الرئيس،
15- منذ اجتماعَيْ فيينا وسوتشي، وكلاهما مهمين، وأنا أتشاور بشكل مكثف على إنشاء لجنة دستورية، وقد أجريتُ مناقشات أولية حتى الآن في جنيف مع ممثلي الحكومة السورية وهيئة المفاوضات السورية ومع عدد الحكومات. ويواصل فريقي التواصل مع مجموعة واسعة من السوريين – النساء والرجال، وما زلت أنظر بعناية إلى المرشحين من أجل تشكيل اللجنة الدستورية الذين تم طرحهم في سوتشي وغيرها من المدخلات ذات الصلة.
16 – وأواصل أيضاً متابعة عقد مزيد من المحادثات الرسمية السورية-السورية، وبطبيعة الحال متقدماً في جميع السلال الأربع للعملية السياسية في جنيف وفقاً للقرار 2254. وإنني أدرك بوجه خاص ضرورة التركيز الآن أكثر من أي وقت مضى على إنشاء بيئة آمنة وهادئة ومحايدة كشرط لنجاح العملية الدستورية ولحدوث انتخابات رئاسية وبرلمانية بإشراف الأمم المتحدة بعد وضع دستور جديد وفقاً للقرار 2254.
17- وأنتقل من هنا إلى ميونخ بإذن الله حيث سأتشاور مع الأمين العام وأقابل فيها عدداً من الوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين الحاضرين في مؤتمر ميونيخ للأمن.
18- ولذلك فإنني هنا، سيدي الرئيس، في ختام مداخلتي: أعتزم استغلال الفرصة وسأحاول دفع عملية جنيف إلى الأمام بالتشاور مع جميع المعنيين. وللقيام بذلك، أدعو جميع أعضاء هذا المجلس، بل المجلس ككل، وجميع الذين لهم نفوذ على الأطراف السورية، بما في ذلك الضامنون في أستانا وغيرهم، أن يدعموا بقوة ثلاث نقاط رئيسية:
- أولاً: العمل على وجه الاستعجال لتخفيف حدة التصعيد وحماية المدنيين وإمكانية وصول المساعدات الإنسانية؛
- ثانياً: دعم الأمم المتحدة في جنيف لإنفاذ إعلان سوتشي الختامي في جنيف في إطار القرار 2254؛
- ثالثاً: دعم الأمم المتحدة في عقد العملية السياسية للتنفيذ الكامل للقرار 2254، ولا سيما تعزيز القضايا الحقيقية في السلال لخلق بيئة آمنة وهادئة ومحايدة.
السيد الرئيس، إن الشعب السوري والأمم المتحدة بحاجة إلى دعم مجلس الأمن الآن أكثر من أي وقت مضى.
شكراً جزيلاً
*****