لونا وطفة
من برلين، قَدِم المدعي بالحق المدني والشاهد السيد مُسلَّم القوتلي إلى كوبلنز في تاريخ 07/07/2021 ليقدّم شهادته في محاكمة المتهم أنور رسلان، رئيس قسم التحقيق سابقًا في “فرع الخطيب” (الفرع 251).
بدأ السيد “القوتلي” بالتعريف عن نفسه، ومن ثَمّ سرد قصة اعتقاله، فقال: “كان اعتقالي الأول في تاريخ 02/05/2011. في ذلك التاريخ كان النظام قد بدأ يطبق حصاره على مدينة درعا، وحيث إن زوجتي من درعا، كان أهلها محاصرين هناك مع آخرين في ظروفٍ صعبة جدًّا.
سمعَت زوجتي حينها باعتصام سيحدث في ساحة عرنوس في دمشق للمطالبة برفع الحصار عن درعا والسماح بإدخال الخبز والحليب إليها، فقامت هي وابنتاي بحمل اللافتات، وأنا قمت بتصويرهم للذكرى. خلال ثلاث دقائق حَضر الأمن بعدته وعتاده، فابتعدت وعائلتي عن مكان الاعتصام بعد أن ضُرِبَت ابنتي من قبل أحد العناصر.
أشار أحد العناصر إلى زملائه بأنني كنت أصور، فأتوا إلي واعتقلوني أمام عائلتي مع الضرب العنيف. أخذوني في باصٍ مع معتقلين آخرين إلى “فرع الأربعين” أولًا، حيث تعرضتُ لمعاملة سيئة هناك، واتهمني الضابط أنني عميلٌ للسعودية وإسرائيل وأميركا. بعد ذلك بمدة نُقِلنا إلى “فرع الخطيب”، عرفته فورًا لأن منزل عائلتي يبعد عنه قرابة 200 م، وقد عشتُ طفولتي كلها في الحديقة القريبة منه.
بدأت حفلة الاستقبال بعصي الكهرباء ثم فتشونا، وبعد ذلك أودعوني في زنزانة جماعية. في هذا المهجع شباكان كبيران يُطِلَّان على غرف التحقيق، كنا نسمع أصوات من يتم التحقيق معهم هناك وتعذيبهم. بعد نحو أربع ساعات أخذوني، وفي غرفة التحقيق التي دخلتها كان المتهم أنور رسلان موجودًا وهو برتبة عقيد، ومعه ضابط آخر يدعى خضر خضور وهو نقيب، حيث كانت أسماؤهم على لوحةٍ اسمية مكتبية استطعت رؤيتها لأنني لم أكن معصوب العينين حينها.
سألني رسلان عن اسمي وعملي وسبب اعتقالهم لي، وسألني أيضًا عن صلة القرابة بيني وبين الرئيس السابق شكري القوتلي فأخبرته بأنه جدُّ والدي. حتى هذه اللحظة كان “رسلان” يتعامل معي بلطف، حتى سألته: لماذا أنا هنا؟ ماذا أفعل في “فرع الخطيب”؟ حينها تغيرت ملامحه تمامًا وغضب كثيرًا وأنكر أن هذا هو “فرع الخطيب”، فأكدت له أنني أعرفه جيدًا، فأنكر مرارًا، ثم نادى على العناصر وقال: “خدوه وخلوه برا”.
نُقِل الشاهد بعدها إلى زنزانة أخرى، فوجد فيها ما لا يقل عن 17 معتقلًا في مساحة لا تتجاوز 3 م²، بعضهم تجاوز السنة في ذلك المكان.
لم يأكل السيد القوتلي مدة ثلاثة أيام في هذه الزنزانة بسبب سوء الظروف فيها ورداءة الطعام والوضع العام.
الشاهد مريض قلبٍ وضغط، وفي كل مرة كان يطلب من العناصر إعطاءه الدواء وكانوا يرفضون ويقومون بإهانته. بعد أربعة أيام أُخِذ الشاهد مكبلًا من الخلف ومعصوب العينين إلى غرفة التحقيق، كما قام العناصر بخلع ملابسه.
وقد استطاع أن يميّز صوتَي الضابطَين “رسلان” و”خضور” في الغرفة. سأله النقيب “خضور” عن السبب الذي جعله يصور المظاهرة، واتهمه ببيع الصور لقناة الجزيرة وتلفزيون لبنان، وبالطبع أنكر السيد “القوتلي” هذه التهمة.
سحب النقيب “خضور” مسدسه ولقمه ثم وضعه على رأس الشاهد وبدأ يضربه به وهو يقول: “بدي خليك تعترف أنك كنت عم تبيع الصور للجزيرة”.
نادى بعد ذلك للعناصر الذين وضعوه أرضًا وقال لهم: “شوفوا شغلكم”. فبدؤوا بضربه بكابلات كهربائية على ظهره وأقدامه وأماكن أخرى من جسده.عندما انتهوا من ضربه أمرهم النقيب “خضور” بإعادته إلى الزنزانة.
بعد ثلاثة أيام نُقِلَ إلى منفردة، وصف الشاهد وضعها السيّئ جدًّا بقوله: “حتى الحيوانات لا يمكن أن تحيا في مكان كهذا”.
انهارت نفسية الشاهد في هذه الزنزانة أكثر من أي وقت مضى على حد تعبيره.بعد عدة أيام فُتح باب زنزانته ورأى ثلاثة عناصر وخلفهم “رسلان” الذي قال لهم “شلحوه تيابه”، فدخل عنصر وأخرجه من المنفردة، وأثناء ذلك استطاع الشاهد رؤية جهاز طوله 70 سم تقريبًا فيه كابلات كهربائية.
عُصبت عينا الشاهد وكُبِّلَت يداه بقيود معدنية على غير العادة، وشعر بأحدهم يصل الكابلات بالقيود. قال الشاهد: “بعد أقل من دقيقة حسيت بشي ضرب بإيديي وطلع لراسي، كان صعقة كهربا”، وأضاف: “بعد أربع أو ست صعقات رموا عليي كمية مي كبيرة وبعدها صارت الصعقات أقوى بكتير، حسيت حالي حموت وصرت أترجى أنور وأترجاهم وقلهم شو ما بدكم بعترف، واحد منهم ما بعرف إذا كان أنور أو غيره قلي: بدك تنسى أنه هاد فرع الخطيب وحنجيب مرتك وبناتك وابنك ونخلي العناصر يغتصبوهم لحتى تعترف أنك عم تبيع للجزيرة.. قلتله بعترف بشو ما بدك”.
بعد نحو ربع ساعة نزعوا الكابلات الكهربائية عنه واستطاع الشاهد بعدها أن يرى الدماء تخرج من يديه مكان وضع القيود المعدنية.
انهار الشاهد في زنزانته بعد هذا التعذيب، وما زاد الطين بلَّة سماعه لصوت أحد الذين يُعذَّبون، شُبِّه له أنه صوت ابنه، فاقتنع تمامًا أنهم أحضروا عائلته.
بعد أربعة أيام نودي على الشاهد ليوقع على أوراق فارغة على أنها اعترافاته، ثم نُقل إلى “فرع إدارة المخابرات العامة” في كفر سوسة، وهناك روى الشاهد حادثة للقضاة وصفها بالمروعة فقال: “لما نقلونا من الخطيب لكفرسوسة كان في صبي معنا عمره تحت الـ 15 سنة، حطوه بنفس زنزانتي بكفرسوسة، ما كان قبلان يحكي مع حدا بالبداية، حاولت خفف عنه ليحكيلي شو صار معه وسألته بعد ما اتطمن وحكى معي عن الدم على بنطلونه، كان في دم كتير من قدام ومن ورا، بعدها قلي: عمو بترجاك ما تحكي لحدا، اتهموني إني كسرت تمثال لحافظ الأسد بمدينتي وورجوني صورة وأنا عم أكسره، عبوني وفوتوا عصاية خشب بمؤخرتي”.
أضاف الشاهد: “شيء محزن كتير ما فيكم تتخيلوه، لما سمعت قصة الولد لقيت أنو يلي صار فيي ولاشي”.بعد 15 يوم نُقل الشاهد إلى “سجن عدرا المركزي”، وبعد ثلاثة أيام عُرض على القاضي فقال له الأخير: سأمنحك البراءة وتخرج من هنا.
فقال له السيد “القوتلي”: ومن يأخذ لي حقي بالتعذيب الذي تعرضت له؟ فأجابه القاضي: اشكر الله أنهم أخرجوك.
ختم المدعي السيد “القوتلي” شهادته بقوله: “أنا حاليًّا عم أتعالج نفسيًّا لأني عم شوف كوابيس دائمًا أنو الأمن عم يلاحقني، لما بمشي بالطريق بخاف من أي حركة أو صوت بيصروا ورايي، لهالسبب ما بطلع كتير وصرت انطوائي، دكتور العصبية قلي أنه صدمات الكهربا أثرت على دماغي ولسه عم أتعالج لهالشي. صرت إنسان عصبي جدًّا، النظام دمرلي بيتي ومعملي وحياتي، رجعت إنسان محطم ومن الصفر”.