ليفانت- لونا وطفة
حتى ستةٍ وخمسين جلسة من محاكمة المتهمين أنور رسلان وإياد الغريب، كانت جلسات المحاكمة تجري في القاعة 128 التابعة لبناء المحكمة الإقليمية في كوبلنز، والتي كانت المحكمة الإقليمية العليا قد استأجرتها منها، نظراً لكونها أكبر قاعة متوفرة في مدينة كوبلنز. تغيَّر هذا الأمر بدءاً من تاريخ 27/01/2021 حيث كان القضاة قد أعلنوا أنهم سيستكملون المحاكمة في بناء المحكمة الإقليمية العليا الأصلي في القاعة رقم 120.
لم يكن أحدٌ منا ليتوقع أن انتقال المحاكمة للقاعة 120، سيكون له أثر كبير على قدرتنا كحضور في فهم ما يقال في الجلسات المعلنة.طبيعة بناء المحكمة الإقليمية العليا من جهة أنه بناءٌ أثري، مع خللٍ في أجهزة الصوت، أدى لحدوثٍ صدىً قويٍ مع كل كلمة تقال داخل القاعة، الأمر الذي تسبب بصعوبةٍ في فهم ما يقال سواءً كان بالعربية من أحد المدعين الذين قدموا أو بالألمانية.الجلسة السابعة والخمسونالجلسة الأولى في القاعة الجديدة كانت بتاريخ 27/01، وأُلزِم الحضور بارتداء الكمامات، على امتداد الجلسات القادمة كلّها، نظراً لأنها قاعة ٌ أصغر من سابقتها.
كان من المفترض أن يحضر شاهدٌ سوري ليدلي بأقواله في هذه الجلسة، وهو ما لم يحدث، حيث اعتذر لأسبابٍ شخصية لم تُذكر في القاعة، اكتفى القضاة باستدعاء محقق الشرطة الجنائية ليتحدث عن محضر استجواب الشاهد لديهم وأقواله التي أدلى بها لهم.
لم يكن أيًّا مما قاله محقق الشرطة الجنائية واضحاً بسبب الصدى في القاعة، لكنه تحدث عن تجربة الشاهد بالاعتقال في فرع الخطيب مرتين. المرة الأولى سبقها بعدة أشهر اجتماع الشاهد وآخرون مع المستشارة السياسية والإعلامية لنظام الأسد بثينة شعبان، وكان ذلك قبل أيام من انطلاق الثورة في سوريا، حيث تحّدثت معهم عن طرق تفادي اندلاع الثورة.
محاكمة كوبلنز في الشهر الخامس من عام 2011، استدعي لفرع الأربعين وبقي هناك يوماً واحداً فقط، وخرج بعد أن سُئل عن تعليقاتٍ له على الفيس بوك. طُلب منه الحضور في اليوم التالي وهو ما فعله، غير أنه لم يخرج حينها بل تم نقله لاحقاً إلى فرع الخطيب.
قدّم محقق الشرطة الجنائية أيضاً رسماً رسمه الشاهد بنفسه لهم، محدّداً أماكن الزنازين في قبو فرع الخطيب، ومكان وجوده فيها ومكان التعذيب والتحقيق.في نهاية هذه الجلسة أعلنت هيئة القضاة تاريخ البت بقضية المتهم إياد الغريب، إذ قالت القاضية كيربر في نهاية الجلسة أنهم قد خططوا لأن تكون جلسات شهر شباط/ فبراير على النحو التالي:
• جلسة 17/02 مخصصة لتقديم المرافعة الختامية من النيابة الاتحادية.
• جلسة 18/02 مخصصة لتقديم المرافعة الختامية من محاميي الدفاع عن المتهم إياد الغريب.
• وأخيراً جلسة النطق بالحكم ستكون بتاريخ 24/02.أكّدت القاضية عدة مرات بأن هذا ما خططوا له، لكن من الممكن أن يتغير تبعاً للظروف.
الجلسة الثامنة والخمسون
في الجلسة التالية بتاريخ 28/01 حضر شاهد ومدّعٍ بالحق المدني، وطلب عدم ذكر معلوماته الشخصية، في قاعة المحكمة لأن عائلته في سوريا، وقد تمّت الموافقة على طلبه بعد عدة مشاورات.
رغم أن الشاهد تحدّث طيلة الوقت باللغة العربية، إلا أنه كان من الصعوبة بمكان فهم ما يقوله، نتيجة المشكلة في الصدى التي أشرت لها. حاول القضاة عدة مرات إخبار الشاهد بضرورة أن يرفع صوته وأن يتحدث مباشرة على المايكروفون إلا أن ذلك لم يحلّ المشكلة.
ما فُهم من الشاهد أنه ساعد التنسيقيات التي نشأت أول الثورة، وكمدرّب ساعد المنظمات المحلية وعمل أيضاً بإدارتها.اعتقل عدة مرات نتيجة لنشاطه، الأولى كانت في شهر تشرين الثاني عام 2011 من الأمن العسكري بالرقة، مرة ثانية أيضاً في الرقة وتمّ نقله إلى دمشق، ثم اعتقل مرة ثالثة من جهة الأمن العسكري في الرقة ونُقل إلى دير االزور، ثم إلى حمص وبعدها تم تحويله إلى الشرطة العسكرية في القابون في دمشق ومنها إلى فرع الخطيب، ومنه أخيراً إلى فرع فلسطين آخر محطاته.
لم يبقَ الشاهد في فرع الخطيب أكثر من ثلاثة لأربعة أيام، كما قال وحُقِّقَ معه مرتين. ذكر أيضاً حفلة الاستقبال والضرب أثناء النقل إلى الفرع، وعن سماعه لأصوات نسوةٍ تُعذَّب داخل فرع الخطيب، وآثار التعذيب التي رآها بعينه على أجساد معتقلين آخرين.
كما تحدّث عن الأوضاع العامة السيئة فيه، وذكر أساليب تعذيب إما سمع بها كالشبح و حالات الاغتصاب، أو رآها كالحزام الأسود الثخين المُعد للضرب.
أنهى الشاهد وصفه لفرع الخطيب بقوله: “كلمة (مخيف) كلمة بسيطة جداً لوصف هذا المكان، لقد تلقيت علاجاً نفسياً لمدة عامٍ ونصف بعد خروجي”.
انتهت جلسة الشاهد قرابة الساعة الثانية عشرَ ظُهراً ،مع وعود من القضاة بالعمل على حلِّ مشكلة الصوت.
الجلسة التاسعة والخمسون
بتاريخ 03/02 كانت الجلسة اللاحقة، حيث تم استدعاء رئيس محققي الشرطة الجنائية في هذه الدعوى السيد دويسنغ ليتحدث عن أقوال أحد الشهود السوريين الذي دُعي مرتين من قبل المحكمة ولم يتمكن من الحضور.
في هذه الجلسة تم تحسين أجهزة الصوت عن الجلستين الماضيتين، بيد أن مشكلة الصدى لا يمكن أن تُحل بسبب صغر القاعة وارتفاع سقفها ووجودها في مبنىً قديم، إضافة للتشويش الحاصل من ترجمة ما يقال للمتهمين إلى اللغة العربية وعدم تخصيص مكان عازل للصوت للمترجمين.تحدث المحقق دويسنغ عن تجربة الشاهد بحسب ما أخبر الشرطة الجنائية، حيث كان في دمشق وعمل منذ بداية الثورة مع منظمة شباب سوريا للتغيير، وكان ناشطاً على وسائل التواصل الاجتماعي وشارك في المظاهرات.
اعتقل الشاهد بداية العام 2011 من جهة فرع الخطيب، وبقي في زنزانة منفردة لمدة 26 يوماً تقريباً.
قضى الشاهد في فرع الخطيب شهرين كاملين. تحدث دويسنغ عمّا أخبرهم به الشاهد عن الأوضاع السيئة في هذا الفرع، وعن استمرار سماعه لأصوات التعذيب طيلة أيام الأسبوع، إلا أنها كانت أعلى وأكثر أيام الجُمع بسبب اعتقال المتظاهرين.
نُقل الشاهد بعد ذلك إلى إدارة المخابرات العامة/ الفرع 285، ومنه إلى سجن عدرا. بلغت مدة اعتقاله بالكامل ما يقارب التسعة أشهر. بعد خروجه من المعتقل تعرّض لعدة مشاكل بسبب وضعه السياسي، ما أرغمه على مغادرة سوريا باتجاه تركيا عام 2013، وفي عام 2015 لجأ إلى إحدى الدول الأوروبية.استطاع الشاهد أن يميز إحدى صور الأشباه، التي عرضتها الشرطة الجنائية عليه، على أنها صورة المتهم رسلان وقال أنها تبدو شبيهاً به، غير أن الشاهد لم يجتمع بالمتهم رسلان في فرع الخطيب سوى مرتين بالصدفة، إحداهما كانت عندما أحضره السجّان إليه فسأله المحقق الذي يعتقد الشاهد أنه كان رسلان: هل أنت عراقي؟ فأجاب الشاهد: لا.
نادى المحقق السجّان وصرخ به لأنه أخطأ وأحضر له المعتقل رقم ثمانية، بدل المعتقل رقم ثلاثة عشر وأمره بإعادة الشاهد إلى زنزانته. في هذه الأثناء رفع الشاهد رأسه واستطاع تميز وجه المحقق من تحت عصابة العينين، أمره المحقق حينها أن ينزل رأسه على الفور.
لم ينسَ الشاهد صوت ووجه المحقق خلال هذا اللقاء السريع. بعد ذلك بسنتين وقبل خروج الشاهد من سوريا استمع للقاء إذاعي مع منشقٍ يدعى أنور رسلان، عرفه من خلال صوته أنه كان ذات المحقق، فقام بالبحث عن اسمه على الفيس بوك ورأى حينها صورته على حسابه الشخصي وتعرَّف عليه.انتهت هذه الجلسة تمام الساعة الحادي عشرة والنصف، ولن يكون هناك جلسات أخرى حتى تاريخ 17/02 حين سيقدم الادعاء العام مرافعته الأخيرة في قضية المتهم إياد الغريب.