• الأربعاء , 27 نوفمبر 2024

الأسد الفاقد كل أوراقه لماذا يراد تأهيله عربيا؟

عبدالوهاب بدرخان

كلّ مرّة تُطرح فيها استعادة سورية عضويتها في الجامعة العربية يُعرَف من يثير الملف ولا يُعرف مَن يطويه وكيف. ليس في الأمر سر مكنون: إنها الولايات المتحدة. مصر والجزائر ترغبان علناً في عودة سورية، العراق ولبنان وتونس وعُمان تؤيّد، الامارات والبحرين نشّطتا سفارتيهما، الكويت لا تمانع في حال التوافق العربي، ليبيا – حفتر طلبت من النظام السوري، بمباركة روسية، إرسال مرتزقة لمقاتلة مرتزقة سوريين أرسلتهم تركيا الى ليبيا – السراج والإسلاميين. كان عمر البشير الرئيس العربي الوحيد الذي زار دمشق، بإيعاز روسي، وسقط مع نظامه بعد خمسة شهور، لكن سودان ما بعد البشير لا يتقارب مع لسورية أو مع إيران إلا أن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان يقصد اوغندا للقاء بنيامين نتانياهو. أما الجامعة العربية فتلخّص الموقف بـ “عدم وجود توافق” بين الدول العربية، وهذا مخرج ديبلوماسي لئلا يقال أن ثمة “فيتو” اميركياً على عودة سورية الجامعة. غير أن المبعوث الأميركي الخاص بالشأن السوري جيمس جيفري فقال أخيراً في حديث صحافي إن الداعين الى عودة بشار الأسد “يمكنهم الزعم بأنهم يستطيعون النأي به عن المدار الإيراني” لكن هذا “غير ممكن على الإطلاق” بل انه “فكرة جنونية”… وبعيداً عن الرأي الأميركي يمكن التذكير بأن النظام السوري فضّل إفشال مسعى الجامعة لمعالجة الأزمة لأن هدفها كان وقف سفك الدماء وتنظيم مفاوضات حول حلٍّ سياسي قوامه إصلاحات يقدم عليها النظام نفسه، في حين أنه كان يريد مواصلة القتل وعسكرة الصراع وليس وارداً عنده إجراء أي اصلاح من شأنه أن يغيّر سلوك النظام مع شعبه. ولا بدّ من التذكير أيضاً بأن الأسد نفسه عبّر أكثر من مرّة، وهو يعلن “انتصاراته”، عن استهزائه بالعرب وجامعتهم، فيما كانت أبواق الممانعة تقول إن الجامعة هي التي خرجت من سورية وليس العكس. أما مسألة إبعاد النظام عن إيران ففات أوانها ولم تعد ممكنة، حتى لو أراد، بل على العكس يمكن إيران أن تصفّي الأسد إذا وجدت مصلحةً في ذلك. حتى أنها طردت أخيراً قوات النظام من ريف حلب الجنوبي حيث تقيم منطقة نفوذ شيعية على أنماط منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق وضاحية بيروت الجنوبية وضاحية الصدر شرقي بغداد. لكن تبقى الأسئلة: ما الذي تغيّره عودة النظام الى مقعده الى جانب الأنظمة الأخرى في الجامعة، هل هذه الأنظمة قادرة على إعادة تأهيله وترميم شرعيته ومن أجل ماذا، هل تفعل ذلك تلبية لإلحاح روسيا، هل تعتقد أن وجود النظام السوري في الجامعة كافٍ وحده لتقليص نفوذَيْ تركيا وإيران في سورية، وأخيراً هل أن عودة النظام الى مقعده يمكن أن تساهم بإيجابية وفاعلية في إنهاء الصراع وإنجاز حل سياسي وإعادة المهجّرين والنازحين الى مواطنهم، أم أنها على العكس ستضاعف عداء الأسد لأي حلٍّ يغيّر طبيعة نظامه؟فضلاً عن ضيقه بالسوريين عموماً، يضيق الأسد (ونظامه) حالياً بالروس والإيرانيين ولا يثق بهم، بل يشعر بأن الأتراك استطاعوا اقتطاع نفوذ لهم في الشمال بتنسيق مع الروس رغماً عنه وعن إيران، ثم أنه لم يعد قادراً على مهادنة الإسرائيليين الذين كثّفوا غاراتهم على مواقع للإيرانيين أو مشتركة بينهم وبين نظامه كما فعلوا أخيراً بقصف مواقع في القنيطرة. في المقابل، يرغب الأسد في أن يُعاد تأهيله عربياً لكنه من جهة لا يعرف الى أي حدّ يمكن أن يفيده ذلك ومن جهة أخرى يعرف أن هذه الخطوة تتطلّب منه مبادرات أو تنازلات كان يستطيع تقديمها في الماضي ولم يعد قادراً عليها الآن وقد أصبح قراره خارج ارادته. أكثر من ذلك، لا يزال الاسد يمنّي نفسه باستقطاب الاميركيين معتقداً أنه سيطوّعهم بابتزازهم بصحافييَن رهينتين لديه، وعلى افتراض أنهم مستعدون لـ “صفقة” معه فما الذي يمكنه تقديم (أن يرمي الورقة الإيرانية، مثلاً؟)، من الواضح إنه تأخر كثيراً في سعيه إلى هذه الصفقة وفقد الكثير من أوراقه. صحيح أن واشنطن لم تعد تطالب بإسقاطه أو بتغيير النظام إلا أنه لا يستطيع أن يطلب منها ضمان نظامه ولا التمديد له في منصبه، إذ أن مجمل سياستها لم يعد في مصلحته، وهي دعمت أخيراً تثبيت اتهامه باستخدام السلاح الكيماوي ومسؤوليته عن قصف مرافق طبّية، مكذّبة روسيا في الحالَين. وقبل ذلك أقرّت “قانون قيصر” وستبدأ تفعيله قريباً كما شدّدت العقوبات وسدّت المنافذ التي قام عليها “اقتصاد الفساد” مناطق النظام، الى حدّ أنها عاقبت قوات “قسد” بعدما هرّبت كميات من الوقود الى النظام.يتعاظم شيئاً فشيئاً ادراك الأسد أن أيّاً من هذه الأطراف جميعاً لا يستطيع مساعدته، بل انها منشغلة بـ”التفاصل” على مصيره. فالحملة الإعلامية الروسية تناولته شخصياً، وطاول بعضٌ منها زوجته أسماء بسبب توسّع أعمالها على حساب رامي مخلوف، من دون أن تفطن الى ضرورة “إطعام” الروس. لذلك عُزيت الحملة الى مصالح تريدها موسكو في سورية، إلا أن تميّزت بأمرين: الأول أنها وصفت الأسد بـ “الضعيف” و”العاجز عن القيام بإصلاحات” وبأن “شعبيته تتدهور”، والآخر بأنها سلطت الضوء على أن المشكلة الاقتصادية باتت “مقتلَ الأسد”. يُشار هنا الى الشريط الذي تعمّد الروس تسريبه عن لقاء فلاديمير بوتين مع الأسد، فالأول تحدّث عن الإنجازات “المشتركة” التي حققها الطرفان مستخلصاً أن كل العناية يجب أن توجّه الآن الى “الاقتصاد”، أما الثاني فشكر بوتين على تلك الإنجازات مستخلصاً أن ما يجب الاهتمام به هو محاربة “الإرهاب”. ولا يعني ذلك سوى أن الأسد، حتى وهو يتحادث مع بوتين، لا يعترف بالواقع. أي أن نظرته الى الوضع الاقتصادي لا تختلف عن مقاربته للأزمة منذ اندلاعها، فما يهم السوريين لا يهمّه، وما يشغله دائماً وأبداً هو السلطة وتمكينه من ممارستها بالطريقة نفسها التي جرّدته من كل أوراقه وجعلته منتهي الصلاحية.لا بدّ أن رئيس النظام بلغه ما قاله الروس في أكثر من مناسبة وهو “أن لا حلّ في سورية من دون الأسد ولا استمرار للحلّ بوجود الأسد”. ونُقل عنه أنه لا يزال يتساءل لماذا وافقت موسكو على تشكيل “اللجنة الدستورية” ولماذا تواطأت معه، أو هكذا ظنّ، حين راح يماطل به ويحاول تعطيله، الى أن اضطره الضغط الروسي للمشاركة في اجتماعات جنيف، بل اضطره أخيراً للموافقة على جدول الأعمال المقترح للجنة حين تستأنف اجتماعاتها. يخشى الأسد ونظامه هذه اللجنة ويواصلان التفكير في طريقة للخلاص منها. إذ يعتبران أنها “اختراق خطير” عليهما، ليس فقط في صلب عملها لتعديل صلاحيات الرئيس والتمهيد لإعادة هيكلة المستويين السياسي والأمني دستورياً بل الأهم لأن اللجنة باتت تُعتبر القناة التي يمكن أن يتم من خلالها أي توافق أميركي – روسي في شأن سورية. أما ما أخّر هذا التوافق حتى الآن فهو عدم التفاهم على “المصالح الأخرى” التي تلحّ عليها روسيا ولا علاقة لها بسورية. قد يخطئ الأسد هنا أيضاً إذا اعتقد أن هذا الخلاف يصبّ في مصلحته.

مقالات ذات صلة

USA