مهند الكاطع
موقع تلفزيون سوريا:29/5/2021
ظهرت “الإدارة الذاتيّة” التي أعلن عنها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD في ظروفٍ ملتبسةٍ لا علاقة لها بالشأن الوطنيّ السوريّ، سواءً من جهةِ ارتباطها العضويّ بمشاريع العمّال الكُردستانيّ PKK، أو من جهة ظهور تشكيلاتها المسلّحة معززةً بعناصر أجنبية “كحالة وظيفية” تعمل لصالح النظام الأسدي. وعليه تم إنشاء ميليشيا الـ YPG كقوة رديفة لجيش النظام السوريّ في حربه ضدّ فصائل المعارضة المسلّحة، كما أوكلت لها مهام قمع المعارضين بدءاً بالكُرد وانتهاءً بالعرب في المناطق التي قرر النظام تسليمهم إياها (عفرين وعين العرب وبعض مناطق الجزيرة).
بيد أن ميل الإدارة الأميركية منذُ عام 2015 لاستخدام هذه الميليشيات وتوفير الدعم العسكريّ والماليّ لها تحت غطاء محاربة “داعش”، خلط أوراق النظام وبدّل معادلاته، فهو لم يعد صاحب التأثير الوحيد أو المتحكم الوحيد بهذه الميليشيات كما كان في السابق، مما ولّد حالة ارتباك واضطراب في علاقة النظام البينية مع هذه الميليشيات تراوحت بين الشدّ والجذب، لكنها لم تصل لدرجة القطيعة وبقي التعاون والتنسيق قائماً حتى يومنا هذا في عدة مجالات وبشكل خاص المجال الأمنيّ والاقتصاديّ وكذلك العسكريّ. ظروف الإعلان عن الإدارة الذاتيةالجدير بالملاحظة أنّ الإعلان عن “إدارة ذاتية” جاء متكرراً وبصيغ مختلفة، بدت كما لو أنها ردود أفعال أحادية على المعارضة، لكن بالوقت نفسه انسجمت مع مشروع PKK رغم عدم امتلاك هذا المشروع لأي مقومات نجاح، ورفض كل ما أعلن بهذا السياق محلياً وإقليمياً ودولياً.
الإعلان الأول أُعلن عن “الإدارة الذاتيّة” لأول مرة تحت مُسمى “إدارة مدنية انتقالية لمناطق غرب كُردستان – روجافا” في 13 آب/أغسطس 2013 بالتزامن مع إعلان المعارضة السورية عن تشكيل الحكومة الانتقالية، وصرّح حينذاك صالح مسلم لوكالة (رويترز) بأن الإعلان يهدف “لإقامة حكم ذاتي بالمنطقة الكردية السورية بشكل مؤقت، إلى حين التوصل إلى حل دائم لما سماها الحرب الأهلية السورية”.
الإعلان الثاني جاء في كانون الثاني/ يناير 2014، عشية مباحثات (جنيف-2) التي استُبعد فيها حزب الاتحاد الديمقراطيPYD من المشاركة ضمن وفد المعارضة، وانبثقت عن هذه الإدارة 22 هيئة بمنزلة وزارات شملت مختلف القطاعات التعليميّة والخدميّة والأمنيّة والعسكريّة.
الإعلان الثالث جرى في 17 من آذار 2016، وقد جاء هذه المرة بصيغة الإعلان عما يمسى “الفيدرالية الديمقراطية لروجآفا -شمالي سوريا” والتي أزيلت منها لاحقاً كلمات الفيدرالية وروجافا، لتكون صيغتها الحالية (الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا).وسنوضح من خلال هذا المقال كيف أن جميع السياسات والمفاهيم التي تستخدمها “الإدارة الذاتية” اليوم، تأتي في إطار المنطلقات النظرية المنسوبة لزعيم الـ PKK عبد الله أوجلان.
الإدارة الذاتية كشرط لإقامة الأمة الديمقراطيةيأتي مفهوم “الإدارة الذاتية” كأحد أهم محددات مشروع “الأمة الديمقراطية” الذي أعلن عنه عبد الله أوجلان في سلسلته النظرية “مانيفستو الحضارة الديمقراطية” التي أعلنها كانطلاقة ثانية لحزب العمال الكردستاني، وتشكل الإدارة الذاتية جزء من اتحاد المجموعات الإدارية التي يفترض أن تنشأ في (سوريا، العراق، تركيا، إيران) ككومونات تعمل تحت مسمى: اتحاد مجتمعات كردستان (بالكردية: Koma Civakên Kurdistan) ويرمز لها اختصاراً بـ KCK والتي يقودها اليوم جميل بايك نائب زعيم حزب PKK، وهذه المنظمة مناطة بتنفيذ إيديولوجية عبدالله أوجلان للكونفدرالية الديمقراطية التي استقاها من النظريات البلدية الليبرالية، الإيكولوجيا الاجتماعية، والشيوعية التي طورها الأناركي والفيلسوف الأميركي موراي بوكشين. وتضم منظومة KCK كل من حزب (PKK) وفروعه في كل من سوريا ممثلة بـ (PYD) وفي إيران ممثلاً بحزب الحياة الحرة الكردستانية (PJAK) وأخيراً في العراق ممثلاً بحزب الحل الديمقراطي الكردستاني (PÇDK).
ويرى أوجلان بأنَّ إقامة الأمّة الديمقراطيّة للكُرد، لا تقوم إلا بإدارة ذاتيّة، فالإدارة الذاتيّة شرط لبناء الأمة، ومن دونها يتم تجريد الكُرد حتى عن كينونتهم كمجتمع”.وبالرغم من أن أوجلان يعتبر أنَّ KCK كالعمود الفقري في تصيير المجتمع الكُرديّ أمَّة ديمقراطيَّة، وأنه وسيلة أوليّة لإدراك الفرد والمجتمع الكرديين لوجودهما الذاتيّ، وأنَّ الأمَّة الديمقراطيَّة ضرورة ليتمكن المجتمع الكرديّ من تخطي نظام الإنكار والإبادة المفروض عليه، فإنّه في الوقت نفسه يحاول تبديد المخاوف بخصوص الدولة القوميّة، موضحاً أن هدفه بعيد عن الدولة القوميّة، ويدعو إلى عدم الخلط بين اتحاد الكومونات الكردستانية KCK وبين الدولة القومية.انضمام الـPYD إلى اتحاد المجتمعات الكردستانية KCKالـ PYD كما يشير القيادي ألدار خليل، خاض تجربة الـ KCK في وقت مبكر من عام 2007، وكان قبل ذلك جزءا من سقف تنظيمي يضم جميع الأحزاب المرتبطة بـ PKK والتي كانت تعمل تحت مسمى اتحاد المنظومات الكردستانية KKK والتي أقرها مؤتمر الشعب KONGRA GEL الذي يعتبر بمنزلة الجهاز التشريعي للمنظومة في سنة 2005 في مؤتمره الثالث في جبال قنديل، قبل أن يستبدلها سنة 2007 باتحاد المجتمعات الكردستانية KCK.
وعليه أعلن الـ PYD من جبال قنديل سنة 2007 عن تشكيله لما يسمى (منظومة مجتمعات روج آفاي كردستاني KCK- ROJAVA ) التي تضمن إعلانها التالي: “نحن إذ نبارك للقائد آبو-أوجلان- وشعبنا الكردي في غربي كردستان هذه الخطوة، نؤكد التزامنا المطلق بنهج قيادة اتحاد المنظومات الكردستانية KKK عبر إعلان البدء بتشكيل نظام KCK – ROJAVA مع حلول نيروز 2007).
الشعوب الديمقراطيّة والأمم الديمقراطيّةالأمّة الديمقراطيّة هي مشروعٌ عابرٌ للحدود، فالحدود كما يشير أوجلان تحتاجها الدول القوميّة، أما مشروعه فهو “أمة ديمقراطية”، لكن أوجلان يحاكي مشروع الأمّة الديمقراطيّة بوصفه مشروعاً قد بدأ فعلاً بالأكراد (أو أجزاء كردستان الأربعة) كما يقول، حيث يرى تسارع نشوء الأمّة الديمقراطيّة داخل المجتمع الكُردي وأنه مع تكوّن الأمّة الديمقراطيّة صارت الحدود بين الكُرد في الأجزاء الأربعة بلا جدوى، كما يرى كمرحلة ثانية، أن الأمة الديمقراطية تصلح لتكون مشروعاً لشعوب الجوار (عرب، تُرك، فُرس) ويمكن لهم الإفادة منها، وتصبح الأمة الديمقراطية نموذجاً لهم، وقد تؤدي إلى تعاون لتأسيس تجمع الأمم الديمقراطية!الكومون وكومونالية الفرد في الأمّة الديمقراطيّة”الكومونة هي المدرسة الأولية التي ينشأ فيها فرد الأمة الديمقراطية” يقول أوجلان، مضيفاً: “وكل فرد في الأمة الديمقراطية يجب أن يكون كومونالياً “تشاركياً”، فهو يجد حريته في كومونية المجتمع”
.الكومونة Commune تعبير مختلف الدلالات، فهو في أوروبا اللاتينية يطلق على أصغر وحدة في التقسيم الإداري، وفي روسيا القيصرية كانت الكومونة عبارة عن استثمارات زراعية جماعية تضم عدداً من الفلاحين تقوم على الملكية المشتركة وتوفر فيها الحاجيات والخدمات الحياتية على نحو مشترك، وقد تناولت المادتين 25 و26 من اتفاقية KCK الكومونة وحكمها ومهامها، وبذلك فرضت الإدارة الذاتية التابعة لـ PYD هذا مصطلح “الكومون/الكومين” على الأحياء والقرى التي تتبع بدورها للبلديات، ويتم تعيين مسؤول ومجلس لكل كومين.
ومن نافلة القول، بأن الكومونة التي أنشأها جماعة PKK في مناطق شمالي سوريا، لم تقم فقط باحتكار جميع الخدمات والسلع التموينية والوقود والخبز بالحي، حيث يتم توزيعها عن طريقها، بل أيضاً ساهمت في جعل هذه الخدمات كأدوات ضغط على أولئك الذين لا ينتظمون بحضور الفعاليات والمسيرات التي تنظمها الإدارة الذاتية.مجلس شعب غرب كردستانفي 12 من كانون الأول / ديسمبر 2011 عقد الفرع السوري للعمال الكردستاني في سوريا مؤتمراً لتأسيس (مجلس شعب غرب كردستان) وذلك انسجاماً مع اتفاقية KCK التي نصت المادة 16 منها على أن مؤتمر الشعب KONGARA GEL هو الجهة التشريعية وهيئة صنع القرار للشعب في كل جزء كردستاني، يتم تشكيله من 100-250 عضوا بحسب حجم المجتمع، وعلى هذا الأساس شكلت الإدارة الذاتية (مجلس شعب غرب كردستان) في شمالي سوريا ضمن هذا المشروع العابر للحدود.
تضمن البيان الختامي رؤية لما سماه “حل القضية الكردية في سوريا” بشكل مقتبس من أدبيات PKK وزعيمه أوجلان، ومما جاء في البيان الختامي: “أكد المؤتمر اعتماد الحل الديمقراطي، المستند إلى بناء وطن مشترك وأمة ديمقراطية بضمانات دستورية أساساً، وبالاعتماد على نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية”.كما جاء في البيان: ” وقد حيّى المؤتمر نضال الحرية الذي يخوضه الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان، وعبّر عن تقديره لصمود ومقاومة المعتقلين السياسيين، .. وعلى رأسهم قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان، وندد بالمؤامرة الدولية التي استهدفت الشعب الكردي عبر اعتقاله، ودعا جماهير شعبنا إلى بذل كل الجهود لإحباط المؤامرة وتحقيق حرية أوجلان”.
ختاماً يتضح مما ورد في هذا المقال، حجم الخطأ الذي يقع فيه كثير من السوريين في اعتبار الـ PYD حزباً سورياً، بذريعة أن أعضاءه وقياداته من السوريين مثل (صالح مسلم، ألدار خليل) وغيرهم، وهذا وحده ليس كافياً فقد استعرضنا وفق ما يسمح المقال كيف أن ما يسمى “الإدارة الذاتية” ماهي إلا جزء من مشروع عابر للحدود ينتمي إلى منظومة العمال الكردستاني ولا علاقة له بالقضية الوطنية السورية من بعيد أو قريب وهناك مئات الوثائق والتقارير التي يمكن من خلالها الاطلاع على العناصر غير السورية من حزب العمال الكردستاني التي تتحكم بالقرار السياسي والعسكري والأمني والمالي في شمال شرقي سوريا اليوم.